إنه <الخليفة> ابراهيم عوض ابراهيم علي البدوي السامرائي الشهير بأبي بكر البغدادي. المرة الوحيدة التي ظهر فيها علناً كانت يوم اعتلائه منبر مسجد الموصل بلحيته الطويلة وعمامته السوداء ومثلها ثوبه الأسود لإعلان دولة الخلافة الاسلامية للعراق والشام <داعش>.
منذ ذلك الحين والرجل غائب عن الأبصار، ويكتفي بأفعاله الجرمية على كل أرض تطأها قدماه مع رجاله المزودين بأحدث أنواع الأسلحة. وقد سرت معلومات بأن الرجل أصيب بجراح من قصف جوي للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة يوم 21 نيسان (ابريل) الماضي، كما ذكرت جريدة <الغارديان> البريطانية، وزعمت بعض وسائل الإعلام بأن الرجل بعد هذه الغارة الجوية مصاب بإعاقة في الدماغ، وانه تلقى العلاج داخل مستشفى اسرائيلي في الجولان المحتل، وان مساعده أو نائبه أبو علاء العفري تسلم دفة القيادة لتنظيم <داعش>، وفي هذه المرحلة جرى سك النقود وعليها رسم الدولة الاسلامية. وأهم هذه العملات هي القطعة التي يبلغ سعرها خمسة دنانير وتساوي 620 يورو، وعليها صورة خريطة العالم.
بعد ذلك بشهرين أعلن الرئيس الأميركي <باراك أوباما>: <ان هدفنا واضح، وهو أننا سنضعف وندمر دولة <داعش> التي لم تعد تشكل خطراً على العراق وحده، بل على المنطقة كلها، وحتى على الولايات المتحدة>.
ولم يطل المقام بالرئيس <باراك أوباما> حتى تلقى الرد من <داعش> وهو ذبح رهينة أميركي من الجيش الأقوى في العالم، جيش الولايات المتحدة، وعلى أثر ذلك جرى تكوين التحالف الدولي الذي يضم الأردن وبعض الدول الخليجية وراح يغرق المناطق التي سيطر عليها داعش بطوفان من القنابل والصواريخ الجوية. وكان في حسبان الجيش الأميركي ان هذه الغارات ستستأصل مقاتلي <داعش> في الشمال العراقي.
ولرفع معنويات الجيش الأميركي والتحالف الدولي تمكنت القوات العسكرية العراقية من استرجاع مدينة تكريت، مسقط رأس الرئيس الراحل صدام حسين. كان ذلك بالتحديد يوم أول نيسان (ابريل) الماضي. وقبل ذلك، وتحديداً في كانون الثاني (يناير) 2015 تمكن التحالف الدولي مع قوات <البيشماركة> الكردية من استرجاع مدينة <كوباني> أو <عين العرب> من أيدي قوات <داعش>.
ويوم الثالث عشر من نيسان (ابريل) الماضي أعلن الكولونيل <ستيف وارن> الناطق باسم <البنتاغون> (وزارة الدفاع الأميركية) ان تنظيم <داعش> فقد بين 25 بالمئة و40 بالمئة من المناطق التي احتلها في العراق، وبقي لديه ستون بالمئة فقط، ولكن هذه الأرقام لا تعني شيئاً أمام مساحة من 300 ألف كيلومتر في أيدي <داعش> أي نصف مساحة فرنسا.
مع ذلك لم تنكسر شوكة <داعش> كما توقع التحالف الدولي بل صارت اعداد مقاتليه في ازدياد بعدما انضم إليهم خمسة عشر ألف متطوع أجنبي، وأتاح ذلك للتنظيم أن يحتل جزءاً كبيراً من مدينة الرمادي في محافظة <الأنبار> وهي تبعد مسافة ساعة بالسيارة عن بغداد. كما استولوا على مدينة تدمر الأثرية التي ذاع صيتها زمن الامبراطورة زنوبيا وتبعد 240 كيلومتراً عن دمشق، ولا تزال تدمر في قبضة <داعش> حتى الآن ولم يستطع التحالف الدولي أن يحررها.
ومن تدمر جاءت المفاجأة الصاعقة عبر شريط <فيديو> نشره تنظيم <داعش> عن قيام أطفال من التنظيم في سن المراهقة على موقع <يوتيوب> بإعدام جنود سوريين باطلاق الرصاص عليهم من الخلف في وقت واحد وتنفيذاً لأمر المسؤول عن التنظيم في تدمر.
وقبل تنفيذ عملية الاعدام قال أحد المتحدثين من مقاتلي التنظيم انه يريد من هذا الاعدام توجيه ثلاث رسائل: الرسالة الأولى لعوام المسلمين، ورعية خليفة أمير المؤمنين، تريد أن تقول: <اننا سننصركم ولو بغضتمونا، ولنذودن عن أعراضكم ولو كرهتمونا، وهذا أمر الله عز وجل>.
أما الرسالة الثانية فكان مؤداها: <ان خليفتنا هو أبو بكر البغدادي القرشي وانهم يقومون بالوفاء لقسمه الذي تعهد فيه بالانتقام والثأر ورد الصاع صاعات وليس صاعين>. والرسالة الثالثة كانت برسم من سماهم <طواغيت العرب وكل طاغوت كافر>، وجاء في هذه الرسالة: <ها نحن دسنا عقر داركم رغم حصونكم التي ظننتم أنها مانعتكم من الله عز وجل. فلقد اخترقناها ودسناها>.
وبعد أن وضع الجنود السوريون الأسرى في صف واحد على المسرح الروماني، ظهر أطفال مراهقون يرتدون زي التنظيم وفي أيديهم مسدسات جاهزة للاطلاق ووقف كل منهم خلف أحد الجنود الأسرى وفي لحظة معينة تلقوا إشارة الاطلاق فأطلقوا النار بشكل متزامن على رؤوس الجنود الأسرى من الخلف فأردوهم.
وكان واضحاً في شريط <الفيديو> ظهور كدمات على وجه الجنود، وأظهرت إحدى اللقطات ان الجنود المساقين من مكان احتجازهم كانوا يسيرون حفاة القدمين، رغم ارتدائهم اللباس العسكري.
فلول صدام حسين أساس تكوين <داعش>!
والصراحة في موضوع هذا التنظيم الارهابي واجبة. فقد تشكلت قوات <داعش> من فلول الجيش العراقي الذي سرحه الأميركان بعد احتلالهم العراق، بالاتفاق مع رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، وكانت تلك غلطة عمرهم. فكل الناقمين على هذا التسريح سارعوا للانضمام الى <داعش>، ومنهم جاءت التشكيلة الأولى. ولعب أبو بكر البغدادي دوراً رئيسياً في استمالة فلول جيش صدام حسين. وهذا كله يعني ان تنظيم <داعش> جاء من رحم الجيش العراقي المحال على التسريح.
وإذا كان التحالف الدولي يتكل على الأكراد الذين استرجعوا أكثر مناطق مدينة <كوباني> أو <عين العرب> وانتصروا في معركة <تل أبيض> شمالي سوريا، فهو يخطئ التقدير، لأن الأكراد يحاربون من أجل بناء دولتهم لا من أجل إرضاء التحالف الدولي، برغم أنهم يتسلحون من هذا التحالف، ويشمل ذلك أيضاً المناطق السنية في العراق. أما الميليشيات الشيعية فولاؤها لإيران لا للتحالف، ويتكل الأميركان على نجاح المباحثات حول الملف النووي مع إيران في فيينا، لتكون الميليشيات الشيعية موالية للغرب كما هي موالية لإيران.. وهي نظرية مستبعدة.
المهــــــم الآن هــــو السؤال: هـــــل استطـــــاع التحــــالف الـــدولي، ولاسيما الولايات المتحدة، أن يفكك أوصال <داعش> بالغارات الجديدة؟ لا شك بأن هذه الغارات أضعفت التنظيم بشكل أو بآخر، ولكنها لم تجهز عليه ولم تستطع أن تمنعه من التوسع والامتداد.. والآتي أعظم!