إنها حرب تشرين، حرب الغفران، حرب العبور، حرب العاشر من رمضان.. تسميات عدة لحرب اعتبرها العرب ثأراً لهزيمة حرب الخامس من حزيران/ يونيو 1967. لقد أعادت هذه الحرب المعنويات الى الشارع العربي الذي كان يعيش تحت وطأة حرب النكسة، والتي تلاها رحيل القائد جمال عبد الناصر الذي تصادف هذه الايام ذكرى رحيله الـ 44.
بدأت الحرب في يوم السبت 6 تشرين الأول/ أكتوبر 1973 (في العاشر من رمضان 1393هـ)، بهجوم مفاجئ من قبل الجيشين المصري والسوري على القوات الإسرائيلية التي كانت مرابطة في سيناء وهضبة الجولان التي احتلتهما في حرب حزيران 1967. وشاركت بعض الدول العربية في هذه الحرب ولو بقوات رمزية، وذلك من باب الدلالة على وحدة العرب وتضامنهم بوجه العدو المحتل.
وبرأي الضابط المتقاعد اميل ابو حمد ان الجيشين المصري والسوري حققا الأهداف الاستراتيجية المرجوة من وراء المباغتة العسكرية لإسرائيل، فكانت هناك إنجازات ملموسة في الأيام الأولى بعد شن الحرب، حيث توغلت القوات المصرية 20 كم شرق قناة السويس، وتمكنت القوات السورية من الدخول في عمق هضبة الجولان. أما في نهاية الحرب، فتمكن الجيش الإسرائيلي على الجبهة المصرية من فتح ثغرة <الدفرسوار>، وعبر الى الضفة الغربية للقناة وضرب الحصار على الجيش الثالث الميداني، ولكنه فشل في تحقيق أي مكاسب استراتيجية سواء بالسيطرة على مدينة السويس، او تدمير الجيش الثالث. وعلى الجبهة السورية، تمكن من رد القوات السورية عن هضبة الجولان.
الدعم الدولي
ولأن الدول تنتظر دوماً المدخل للنفاذ الى منطقة الشرق، فقد سارع الاتحاد السوفياتي الى تزويد سوريا ومصر بالأسلحة والصواريخ، بينما اتجهت الولايات المتحدة الاميركية كعادتها الى تزويد اسرائيل بالعتاد والسلاح.
في العام 1973، قرر الرئيسان المصري أنور السادات والسوري حافظ الأسد اللجوء إلى الحرب لاسترداد الأرض التي خسرها العرب في حرب 1967. كانت الخطة ترمي الى الاعتماد على المخابرات العامة المصرية والمخابرات السورية في التخطيط للحرب وخداع أجهزة الأمن والاستخبارات الإسرائيلية والأميركية ومفاجأة إسرائيل بهجوم غير متوقع من كلا الجبهتين المصرية والسورية، وهذا ما حدث، حيث كانت المفاجأة صاعقة للإسرائيليين.
على الجبهة المصرية
في لقاء مع القنصل المصري السابق في لبنان محمد عيسى، استذكر تلك الايام المجيدة في دردشة مع (الافكار)، مؤكداً انه في تمام الساعة 14:00 من يوم 6 تشرين الأول/ اكتوبر 1973، نفذت القوات الجوية المصرية ضربة جوية على الأهداف الإسرائيلية خلف قناة السويس. وتشكلت القوة من 200 طائرة عبرت قناة السويس على ارتفاع منخفض للغاية. وقد استهدفت الطائرات محطات التشويش وبطاريات الدفاع الجوي،
وتجمعات الأفراد، والمدرعات والدبابات والمدفعية والنقاط الحصينة في خط <بارليف> ومصافي البترول ومخازن الذخيرة.
ساعة العبور...
كان الجيشان المصري والسوري قد حددا موعد الهجوم في الساعة الثانية بعــــــد الظهــــــر، بعد أن اختلف الســــــوريون والمصريون على ساعة الصفر. ففي حين فضـــــل المصريون الغــــــروب، كان الشروق هو الأفضل للســـــوريين، لــــذلك كان مـــــن غير المتوقـــــع اختيار ساعات الظهيرة لبدء الهجوم، وعبر القناة ثمانية آلاف مـــــن الجنــــــود المصريين، ثم توالت موجتــــــا العــــــبور الثانيــــــة والثالثة ليصل عــــــدد القـــــوات المصريـــــــة على الضفة الشرقية بحلول الليـــــل إلى 60,000 جنـــــدي، في الوقت الذي كان فيه سلاح المهندسين المصري يفتـــــح ثغـــــــرات في الســـاتر الترابي باستخدام خراطيم ميـــــاه شديدة الدفع.
ذعر في إسرائيل
في إسرائيل، دوت صفارات الإنذار في الساعة الثانية لتعلن حالة الطوارئ واستأنف الراديو الإسرائيلي الإرسال رغم العيد. وبدأت عملية تعبئة قوات الاحتياط لدفعها للجبهة.
أنجزت القوات المصرية في صباح يوم الأحد 7 تشرين الأول/ اكتوبر عبورها الى قناة السويس وأصبح لدى القيادة العامة المصرية 5 فرق مشاة بكامل أسلحتها الثقيلة في الضفة الشرقية للقناة، وانتهت أسطورة خط <بارليف> الدفاعي. وبحلول يوم 8 تشرين الأول/ اكتوبر، اندمجت الفرق الخمس عند رأس <كوبريين> في جيشين.
وكان رأس <كوبري> الجيش الثاني يمتد من القنطرة شمالاً إلى <الدفرسوار> جنوباً أما رأس <كوبري> الجيش الثالث، فيمتد من البحيرات المرة شمالاً إلى بور توفيق جنوباً وكان هناك ثغرة بين رأسي <الكوبري> للجيشين بطول 30 - 40 كيلومتراً.
اسرائيل تدعم قواتها
في أثناء ذلك، دعمت القوات الإسرائيلية موقفها على الجبهة ودفعت بـ 5 ألوية مدرعة ليصل مجموع القوات المدرعة الإسرائيلية في سيناء إلى 8 ألوية مدرعة. وكانت تقديرات المخابرات المصرية قبل الحرب تشير الى أن الهجوم الإسرائيلي المضاد سوف يبدأ بعد 18 ساعة من بدء الهجوم المصري بافتراض أن إسرائيل ستعبئ قواتها قبل الهجوم بحوالى 6 - 8 ساعات، ومعنى ذلك أن الهجوم المضاد الرئيسي سيكون في صباح يوم الأحد 7 تشرين الأول/ اكتوبر. إلا أن الهجوم الإسرائيلي لم ينفذ الا مع صباح يوم 8 تشرين الأول/ اكتوبر، حيث قام لواء إسرائيلي مدرع بالهجوم على الفرقة 18 مشاة المصرية كما نفذ لواء مدرع إسرائيلي آخر هجوماً على الفرقة الثانية مشاة وقد صدت القوات المصرية الهجمات. وبعد الظهيرة، عاودت إسرائيل الهجوم بدفع لوائين مدرعين ضد الفرقة الثانية مشاة وفي الوقت نفسه هاجم لواء مدرع الفرقة 16 مشاة، ولم تحقق الهجمات الإسرائيلية أي نجاح.
في 9 تشرين الأول/ أكتوبر، عاودت إسرائيل هجومها ودفعت بلوائين مدرعين ضد الفرقة 16 مشاة وفشلت القوات الإسرائيلة مرة أخرى في تحقيق أي نجاح.
ثغرة <الدفرسوار>
في عصر يوم 13 تشرين الأول/ أكتوبر، ظهرت طائرة استطلاع أميركية من نوع SR-71 بلاك بيرد فوق منطقة القتال وقامت بتصوير الجبهة بالكامل، ولم تستطع الدفاعات الجوية المصرية إسقاطها بسبب ارتفاعها فوق مستوى الدفاعات الجوية المصرية. وفي خلال يوم 15 تشرين الأول/ أكتوبر، قامت الطائرة نفسها برحلة استطلاعية أخرى فوق الجبهة والمنطقة الخلفية، اكتشفت تلك الطائرة في رحلتها الثانية وجود ثغرة غير محمية وبعرض( 25 ) كيلو بين الجيش الثالث الميداني في السويس والجيش الثاني الميداني في الإسماعيلية.
في ليلة 15 تشرين الأول/ أكتوبر، تمكنت قوة إسرائيلية صغيرة من اجتياز قناة السويس إلى ضفتها الغربية. وشكل عبور هذه القوة الإسرائيلية إلى الضفة الغربية للقناة مشكلة تسببت في ثغرة في صفوف القوات المصرية عرفت باسم <ثغرة الدفرسوار>. وحاولت القوات الإسرائيلية الدخول إلى مدينة الإسماعيلية، إلا أن قوات الصاعقة المصرية تمكنت من صد هذا الهجوم في منطقة أبو عطوة، وتوسعت الثغرة اتساعاً كبيراً حتى قطع طريق السويس، وحوصرت السويس، وحوصر الجيش الثالث بالكامل.
الجبهة السورية (الجولان)
في التوقيت نفسه وحسب الاتفاق المسبق، قام الجيش السوري بهجوم شامل في هضبة الجولان وشنت الطائرات السورية هجوماً كبيراً على المواقع والتحصينات الإسرائيلية في عمق الجولان، وهاجمت التجمعات العسكرية والدبابات ومرابض المدفعية الإسرائيلية ومحطات الرادارات، وحقق الجيش السوري نجاحاً كبيراً وحسب الخطة المعدة بحيث انكشفت أرض المعركة أمام القوات والدبابات السورية التي تقدمت عدة كيلومترات في اليوم الأول من الحرب، مما أربك وشتت الجيش الإسرائيلي الذي كان يتلقى الضربات في كل مكان من الجولان.
ويشرح الباحث السوري الاستراتيجي محمود عصفــــور( المقيم في البقاع)، سير العمليات العسكرية السورية في حرب تشرين من موقعه كمتابع لهذه الفترة، فيؤكد انه بينما تقدم الجيش السوري في الجولان، تمكن في 7 تشرين الأول/ اكتوبر من الاستيلاء على القاعدة الإسرائيلية الواقعة على كتف جبل الشيخ في عملية إنزال للقوات الخاصة السورية، التي تمكنت من الاستيلاء على مرصد جبل الشيخ وأسر 31 جندياً إسرائيلياً وقتل 30 جندياً آخراً، وعلى أراضٍ في جنوب هضبة الجولان، ورفع العلم السوري فوق أعلى قمة في جبل الشيخ، وتراجع العديد من الوحدات الإسرائيلية تحت قوة الضغط السوري. وأخلت إسرائيل المدنيين الإسرائيليين الذين استوطنوا في الجولان حتى نهاية الحرب.
الهجوم الإسرائيلي المضاد
في الساعة 8:30 من صباح يوم 8 تشرين الأول/ أكتوبر، بدأ الإسرائيليون هجومهم المضاد بثلاثة ألوية مع تركيز الجهد الرئيسي على المحورين الأوسط والجنوبي، ودارت في الفترة من 8 إلى 10 تشرين الأول/ أكتوبر معارك عنيفة قرب القنيطرة، وسنديانة وكفر نفاخ، والخشنية، والجوخدار، وتل الفرس، وتل عكاشة. وكان السوريون يتمتعون خلال هذه المعارك بتفوق في المدفعية والمشاة، في حين كان العدو متفوقاً بعدد الدبابات المستخدمة نظراً للخسائر التي أصابت الدبابات السورية. وكان الطيران السوري الذي انضمت إليه أسراب من الطيران العراقي، وبدأت تنفيذ واجباتها منذ صباح يوم 10 تشرين الأول/ اكتوبر لتقوم بدعم وإسناد القوات البرية.
ومنذ صباح يوم 8 تشرين الأول/ أكتوبر تحوّل ميزان القوى بالدبابات لصالح العدو.. واتخذت <غولدا مائير> قراراً باحتلال دمشق. وفي صباح يوم 11 تشرين الأول/ أكتوبر، استؤنف الهجوم والتقدم باتجاه دمشق وتهديدها بشكل يجبر السوريين على طلب وقف القتال. وفي يوم 12 تشرين الأول/ أكتوبر، كان من الممكن حصول انقلاب في التوازن الاستراتيجي للجيش السوري لولا صمود الفرقتين الآليتين السورية السابعة والتاسعة على محور سعسع وصمود الفرقة الآلية السورية الخامسة عند الرفيد، على المحور الجنوبي. إضافة إلى وصول طلائع الفرقة العراقية السادسة. كما أن اقتراب خط الاشتباك من شبكة الصواريخ أرض - جو السورية المنتشرة جنوب دمشق حد من عمل الطيران لدعم الهجوم.
بقي الوضع في يومي 13 و 14 تشرين الأول/ أكتوبر حرجاً إلى حدٍ ما، خاصّة بعد أن بدأ العدو بإخراج مجموعة ألوية <بيليد> وزجها في الجبهة، واستخدام اللواء المدرع 20 في دعم ألوية <لانر>. وقامت مجموعتا ألوية <لانر ورفول> بعدة محاولات لخرق الدفاع على المحور الشمالي دون جدوى.
الملك فيصل وسلاح البترول
في 17 تشرين الأول/ أكتوبر، عقد وزراء النفط العرب اجتماعاً في الكويت، تقرر بموجبه خفض إنتاج النفط بواقع 5 بالمئة شهرياً ورفع أسعار النفط من جانب واحد، وأعلنت الجزائر والعراق والمملكة العربية السعودية وليبيا والإمارات العربية المتحدة ودول عربية أخرى اعلان حظر على الصادرات النفطية إلى الولايات المتحدة، وكان للعاهل السعودي المغفور له فيصل بن عبد العزيز دوره الفاعل في هذا المجال، مما خلق أزمة طاقة في الولايات المتحدة الأميركية.
ولعبت صواريخ سام التي زود بها السوفييت مصر وسوريا دوراً في القضاء على سلاح الجو لدى العدو الاسرائيلي. ومن صواريخ هذه المنظومة صاروخ سام-3، المعروف روسياً باسم (بيتشورا) الذي استخدمته مصر بكفاءة خلال حرب تشرين الأول/ اكتوبر 1973، وحقق نتائج مبهرة ردعت الطيران الإسرائيلي خلال الحرب، فيما عرف تاريخياً بحائط الصواريخ المصري.
تدخلت الولايات المتحدة الأميركية والدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة وتم إصدار القرار رقم 338 الذي يقضي بوقف جميع الأعمال الحربية بدءاً من يوم 22 تشرين الأول/ أكتوبر عام 1973.
حرب الاستنزاف
أما سوريا فلم تقبل بوقف إطلاق النار، وبدأت حرب جديدة أطلق عليها اسم «حرب الاستنزاف» هدفها تأكيد صمود الجبهة السورية، وزيادة الضغط على إسرائيل لإعادة باقي مرتفعات الجولان، وبعد الانتصارات التي حققها الجيش السوري، وبعد خروج مصر من المعركة استمرت هذه الحرب مدة 82 يوماً.
في نهاية شهر ايار/ مايو 1974، توقف القتال بعد أن تم التوصل إلى اتفاق لفصل القوات بين سوريا وإسرائيل، وأخلت إسرائيل بموجبه مدينة القنيطرة وأجزاء من الأراضي التي احتلتها عام 1967.
ويبقى ان نقول ان حرب تشرين التي حطمت اسطورة الجيش الذي لا يقهر، اظهرت قدرة العرب وقوتهم في دحر العدو، عندما تتوفر لهم عوامل الوحدة والتضامن والارادة الحرة.