حرق منازل و25 قتيلاً و50 مصاباً ودعوة شيخ الأزهر أحمد الطيب الى التدخل!
في مدينة أسوان الغنية بالآثار والشهيرة بسدها العالي، وبضريح الزعيم الاسماعيلي الآغا خان فوق إحدى روابيها لجهة الشرق، وبذكرى إقامة الرئيس الفرنسي الراحل <فرانسوا ميتيران> لعدة أيام في ربوعها مع ابنته غير الشرعية <مازارين>، جرت فيها الدماء خلال الأسبوع الماضي، بعد سقوط 25 قتيلاً وأكثر من خمسين مصاباً، نتيجة لاشتباك بين قبيلة <الهلالية> وقبيلة <الدابودية>. وبلغ من حالة التوتر أن العاملين والعاملات الذين يقطنون مناطق <المحمودية> و<خور عواضة> و<السيل الريفي> احتجزوا داخل منازلهم ومنعوا من مغادرتها والوصول الى مراكز عملهم.
وفي ليلة غاب فيها الأمن عن المدينة ذات النسيج الاسلامي ــ المسيحي، تسبب هذا الغياب في انتشار البلطجية على طول الكورنيش ونشبت عدة مشاجرات بالسلاح الأبيض حول مبنى المحافظة وتسبب ذلك في نشر حالة من الرعب.
لبيك يا شيخ الأزهر
وبعد هذا الفلتان الأمني طالب عدد من أهالي النوبة بضرورة حضور شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب لاحتواء الأزمة ونشر الوئام بين القبيلتين، على أساس أن الكلمة الطيبة أفعل أحياناً من السلاح. وقد قامت قوات الأمن من الشرطة والجيش بالانتشار في مداخل البلدة وأطلقت قنابل الغاز المسيلة للدموع في محاولة لفك الاشتباك بين القبيلتين، ونجحت قوات الأمن في القبض على 14 شخصاً من المتسببين في الأحداث، وباقي المتسببين في الأحداث جارية ملاحقتهم.
ويقول عدد كبير من أهل النوبة إن رجال قبيلة <الهلالية> لم يستطيعوا التعايش مع جميع قبائل أسوان بسلام، ويمكن اعتبارهم المتسببين في جميع المشاكل التي يعيشها أهالي أسوان بشكل مستمر.
وقد خاضت بعثة من محرري ومصوري جريدة <الأهرام> رحلة مخاطر وأهوال داخل قرية <الطيبة> لرصد الوضع الحقيقي للنزاع بعد معارك استمرت على مدى أربعة أيام، وكانت مشاهد الخراب والدمار أمام البعثة الصحفية شاهدة على ضراوة الأحداث، بدءاً من الدخان المتصاعد من بعض المحلات والمنازل والمقاهي المحترقة عند كل من الطرفين، فضلاً عن الحواجز الحديدية والكتل الخرسانية وإطارات الكاوتشوك لعرقلة تحرك السيارات في منتصف الشوارع، واعترفت البعثة بغياب الأمن عن بؤرة الأحداث إذ لم تشاهد أي شرطي أو أية سيارة توحي بالوجود الأمني.
مأساة ادريس جريس
والتقت بعثة <الأهرام> في <الدابودية> المواطن القبطي ادريس جريس الذي قتلت زوجته وابنه وحماته وابن أخيه. وادريس يعمل تاجراً في منطقة <السيل الريفي> وأفاد انه من أبناء النوبة، وقال إن <الدابودية> تضم 28 قبيلة في أسوان كلها بالاضافة الى أن بلاد النوبة لا تريد إلا السلامة التي هي من طبيعتها. كما قال إن الخروج من الأزمة يتطلب أن تعرف كل قبيلة مقدارها ومنبعها، و<اننا في النهاية كلنا مصريون ونعيش في مكان واحد، ولا يملك الجميع إلا الالتزام بحقوق الجيرة واحترام الكبير، ونعمل جميعاً من أجل التهدئة، وعلى وسائل الإعلام أن تكشف الحقيقة لكل الناس، ولا بد لأهالي <بني هلال> أن يعرفوا كيفية التعامل مع الغير>.
وقال ادريس بلهجة تشوبها الحرقة:
<زوجتي ناديا سليمان وابني عبد الله وحماتي سعاد خليل وابن أخي أحمد طه المجند في القوات المسلحة كلهم قتلوا وجرى التمثيل بجثثهم. وقد فوجئت بشبان ورجال من قبيلة <الهلالية> يقتحمون شقتي ويكسرون الباب، وفعلوا ما فعلوا بأسرتي، وبعد ذلك حاولوا اقتحام بيت جارتنا هند، ولكننا قمنا بحمايتها وصون عرضها، بالرغم مما كنت عليه من انهيار وحزن على فراق أسرتي>.
ثم أضاف بلهجة المحزون:
ــ نحن و<الهلالية> جيران منذ أكثر من 50 عاماً ولكن بعضهم لم يراع حقوق الجيرة. فهم يقيمون في بيوتنا ويستأجرونها، ولكنهم منذ فترات بعيدة ومتلاحقة يتصرفون بطريقة غريبة كنا نحاول استيعابها، ولكن بعد ثورة 25 يناير انتشر الفساد وسادت الفوضى، وتاجروا علينا في جميع الممنوعات، وقلبي الآن مشتعل ناراً على موت أفراد أسرتي والتمثيل بجثثهم.
أما عطا الله جاد، وهو عضو مجلس محلي سابق ومن أهالي <الدابودية> فيقول: <جميع السيدات في أسوان لديهن كرامة ولهن تعامل خاص عندنا، ونحن لم نقم بحرق أي منزل من منازل <الهلالية>، بل على العكس قمنا بحراسة السيدات خوفاً عليهن من ردة فعل شبابنا على ما يحدث لسيدات القرية عندنا، ونحن الآن نقوم بحراسة أملاكهم ونريد لم الشمل مرة أخرى. والمشهد الآن كما يأتي: نحن نحاول إنهاء الأزمة، وهم يحرقون ويذبحون ويمثلون بالجثث>.
وداخل مركز شباب عزبة المدور فوجئت بعثة <الأهرام> أثناء جلوسها معهم يصرخون: <لقد فقدنا 100 منزل من منازلنا بالاضافة الى سرقتها وحرقها، ولم نعد نستطيع العودة إليها، وزوجاتنا وأبناؤنا يعيشون معنا داخل أسوار المركز، بفعل انتشار السلاح وتجارة المخدرات عند الطرف الثاني، واتهموا مديرية الأمن بالتقصير عن احتواء الأمر والسيطرة على مجريات الأحداث منذ البداية>.
وفي لقاء مع شبان قبيلة <الهلالية> عند الجسر قال أحدهم لبعثة <الأهرام>: <إن العبارات المسيئة التي صدرت عن بعض شباب <الدابودية> هي السبب الأساسي في إشعال نار الفتنة بين <الهلالية> و<الدابودية> وكان ذلك يوم الجمعة الماضي.
وتركت البعثة الصحفية أرض <الهلالية> والعديد من الأهالي يفترش الأرض، وهذا يبكي موت أخيه وآخر حزين على ابنه أو ابنته وفقدان منزله وحرقه..
وحنانيك يا شيخ الأزهر!