بقلم خالد عوض
الحرب على الدولار كعملة أولى في العالم أخذت منحى تصاعدياً مع إعلان البنك المركزي الصيني عن خفض حوالى ٢ بالمئة من قيمة عملة <اليوان>. هناك عدة تفسيرات للقرار الصيني بخفض قيمة العملة الوطنية. فمن جهة تواجه الصين تراجعاً حاداً في النمو الاقتصادي وانحساراً في الطلب الداخلي ولذلك تريد زيادة حصتها التجارية في الأسواق العالمية وخاصة في السوق الأميركية. ومن جهة أخرى تريد أن تصبح عملتها في سلة احتياطي العملات العالمية التي يعتمدها صندوق النقد الدولي. والصندوق كان يصر على ضرورة تحرير الصين لعملتها كشرط لذلك لأن الصندوق يعتبر قيمة <اليوان> الحقيقية أقل من سعر تداولها.
الكلام عن الحرب على الدولار جاء من وزير الخارجية الأميركي <جون كيري> الذي قال بكل صراحة ان عدم إقرار الاتفاق النووي مع إيران من قبل الكونغرس يمكن أن يؤدي إلى خسارة الدولار لمكانته العالمية كالعملة الأولى لكل الاحتياطات المالية. كيف؟ وما هي العلاقة بين الاتفاق النووي مع إيران وموقع الدولار؟ وهل كلام وزير الخارجية الأميركي دقيق أم أنه ضغط على الكونغرس لتمرير الاتفاق لا أكثر ولا أقل؟
الدولار اليوم في أعلى مستوياته أمام كل العملات الأخرى. <اليورو> يعاني. النمو الاقتصادي في الصين تراجع من ٩ بالمئة منذ خمس سنوات إلى أقل من ٧ بالمئة هذه السنة. هذا أضعف القدرة المالية الصينية مما اضطر الصينيين إلى خفض العملة الذي يبدو أنه لن يكون الأخير. الدولار الكندي والأسترالي في تراجع أمام الأميركي. الين هبط أكثر من ٣٠ بالمئة في السنوات الثلاث الأخيرة أمام الدولار. حتى الجنيه الإسترليني الذي لم يتأثر كثيراً بالأزمة الأوروبية خسر أكثر من ٥ بالمئة من قيمته أمام الدولار خلال السنة الأخيرة. <الروبل> الروسي ما زال يتدهور ولا مكابح اقتصادية لذلك في ظل استمرار التراجع في أسعار النفط وتشديد العقوبات الغربية على نظام <بوتين>.
الاقتصادات الكبرى في العالم تريد دولاراً قوياً حتى تزيد من صادراتها إلى الأسواق الأميركية التي لا تزال الأسواق الإستهلاكية الأولى في العالم. هذا يؤدي إلى تراجع في الميزان التجاري الأميركي وبالتالي مزيد من الدين الداخلي الذي تجاوز مؤخراً ١٨ ألف مليار دولار. وهذا يعني أيضا أن الإحتياطي الفيدرالي الأميركي لن يتمكن من رفع الفائدة على الدولار كما كان مرتقباً بعد بضعة أسابيع حتى لا يزيد من قيمة الدولار ويضعف صادرات الشركات الأميركية.
إذا الصين قالت كلمتها وأعلنت عن نيات مالية طويلة الأمد عن طريق الخفض الرمزي الأخير لعملتها، فهي تريد أن تصبح عملتها عملة عالمية متداولة. وإذا كان للولايات المتحدة سلاح اقتصادي فاتك اسمه العقوبات الاقتصادية، فالصين تحضر المشروع المالي البديل. لذلك قال وزير الخارجية الأميركي <جون كيري> ما قاله من ان رفض الاتفاق النووي يعني إبقاء العقوبات على إيران والذي لن ترضى به الصين وحتى بعض الدول الغربية مما سيعجل من دخول <اليوان> الصيني في التجارة الدولية.
في المقابل، تعرف الولايات المتحدة أن قوة الدولار تأتي من النفط أو البترو دولار، ولذلك هي حريصة على استقرار الخليج حتى ان هناك توصيفاً للوجود الأميركي العسكري في الخليج يقول ان القواعد والبوارج الأميركية هناك هي أولاً وأخيراً لحماية الدولار. من هنا الأهمية الاستراتيجية للسعودية ودول الخليج في النظام العالمي. وطالما أن النفط يباع بالدولار، فلا خوف على الموقع العالمي للورقة الخضراء.
حرب العملات في صالح لبنان، البلد الذي يستورد كل شيء. فمن جهة هي تؤخر رفع الفوائد ومن جهة أخرى تخفف فاتورة الاستيراد التي تستفيد أيضاً من انخفاض أسعار النفط. وكأن القدرة الإلهية تلطف بالبلد، فتشتري له الوقت كلما تراه يقترب من حافة الإفلاس والإنهيار.