إذا كان وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق <يجزم> بأنه طالما لم يُنتخب رئيس الجمهورية، فإن التمديد سيطال المواقع الأمنية ولا حاجة لتضييع الوقت بمشاورات لن تفضي الى أي مكان، وإذا كان أول الغيث في 2015 تأخير تسريح الأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع اللواء محمد خير، وتجديد تأخير تسريح مدير المخابرات في الجيش العميد إدمون فاضل، والتدبير المماثل الذي ينتظر المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء ابراهيم بصبوص في حزيران/ يونيو المقبل.. فإن كل المعطيات تدل على ان ما يجري تطبيقه من تأجيل تسريح (أو تمديد غير مباشر) على المؤسسات الأمنية لن يكون من السهل تطبيقه أيضاً على المواقع الإدارية الكبيرة والمتوسطة والصغيرة التي ستشغر تباعاً بحكم إحالة شاغليها على التقاعد، وبالتالي فإن حكومة <المصلحة الوطنية> ستواجه عاجلاً أم آجلاً استحقاق تقاعد كبار الموظفين بالتزامن مع مواجهتها العجز عن تعيين من يحل محلهم بالأصالة بسبب الخلافات بين أعضاء الحكومة التي لا تضع حداً لها سوى... المحاصصة وتوزيع المراكز على الكتل النيابية الممثلة في الحكومة. غير أن مصادر وزارية معنية تشير الى ان الوصول الى تفاهم حول <سلة> تعيينات خلال الأسابيع المقبلة لن يكون بالأمر السهل، إذا ما استمرت التباينات في وجهات النظر بين الوزراء حيال مقاربة ملف التعيينات الذي لم يعد يقتصر على مديرين عامين في وزارات أو مؤسسات عامة، بل بات يشمل مواقع إدارية حساسة وأساسية في آن لعل أبرزها في المدى القريب إحالة الأمين العام لمجلس الوزراء الدكتور سهيل بوجي الى التقاعد عندما سيبلغ في 22 نيسان/ أبريل المقبل الـ68 عاماً، وهو السن الذي يحال فيه القضاة على التقاعد، في وقت ينتظر أن يدق الفراغ أبواب مجلس القضاء الأعلى، إضافة الى المجلس الدستوري الذي نص نظامه على أن يستمر الأعضاء فيه بقيامهم بعملهم الى حين تعيين بدلاء عنهم، فضلاً عن الشغور الذي يصيب إدارات حساسة أخرى.
من يخلف سهيل بوجي؟
وتضيف المصادر الوزارية ان حكومة الرئيس سلام ستكون عاجزة عن ملء الشواغر لاسيما منصب الأمين العام لمجلس الوزراء، نظراً لوجود رغبة في ان يتولى هذا المنصب الحساس من يختاره الرئيس سعد الحريري وتيار <المستقبل>، في وقت يسعى فيه الرئيس سلام الى ان يكون خليفة بوجي موضع دعم وتأييد واسعين من مختلف مكوّنات مجلس الوزراء، حتى لا يضع أي مكون <فيتو> على التعيين ويبرز إذ ذاك الخلل الذي يؤدي الى جعل الأمين العام العتيد منذ اللحظة الأولى طرفاً في الخلافات السياسية، ما سيؤدي حتماً الى عرقلة مهامه وهو في البداية بعد. صحيح - تضيف المصادر نفسها - ان الدكتور بوجي سيبقى الى جانب سلام في السرايا الكبير بصفة مستشار فوق العادة إلا ان الصحيح أيضاً ان تعيين أمين عام جديد خطوة لا بدّ منها، لاسيما وان شاغل هذا الموقع يلعب دوراً أساسياً في عمل السلطة التنفيذية وفي المؤسسة الأبرز فيها، أي مجلس الوزراء، إضافة الى الحاجة الى توقيع المستندات الرسمية وقرارات مجلس الوزراء، وجداول الأعمال وغيرها من المهام التي تفرض وجود أمين عام أصيل، وهو ما مارسه بنجاح وتميز الدكتور بوجي منذ ان انتدب الى هذه المهمة يوم 11 تشرين الثاني/ نوفمبر 2000 من مجلس شورى الدولة حيث كان يرأس أحد غرفه، وذلك بقرار من الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي كان قد اعتمده مستشاراً قانونياً خلال ترؤسه حكومات عهد الرئيس الراحل الياس الهراوي. وتتحدث مصادر متابعة عن انه إذا تعذّر الاتفاق على شخصية تخلف القاضي بوجي، فإن ثمة من يرى ان يعهد المركز بالوكالة الى من يلي بوجي بالتراتبية الإدارية لتأمين <التوقيع>، على ان يبقى القاضي بوجي يمارس مهامه من خلال موقعه الاستشاري، وما يبديه من آراء وتوجيهات يتم اعتماده من قبل خلفه <الوكيل>، الى ان تسمح الظروف باعتماد أمين عام أصيل. ويتريث الرئيس سلام في حسم هذه المسألة لأن موعد تقاعد بوجي في نهاية الشهر المقبل، علماً ان بوجي نفسه يبدي <حماسة> للمغادرة لتمضية فترة نقاهة وللتفرغ أكثر لعائلته.
الفراغ الى مجلس القضاء الأعلى!
في غضون ذلك، طرح تقاعد القاضي انطوني عيسى الخوري عضو مجلس القضاء الأعلى مشكلة في الجسم القضائي الذي سيواجه في حزيران/ يونيو المقبل انتهاء مدة الأعضاء غير الدائمين في مجلس القضاء الذي يتألف من 10 أعضاء بمن فيهم رئيسه، ثلاثة منهم يعتبرون من الأعضاء الحكميين الدائمين الذين لا يتغيرون إلا بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء وهم رئيس المجلس (القاضي جان فهد) ونائبه المدعي العام التمييزي (القاضي سمير حمود) ورئيس هيئة التفتيش القضائي (القاضي أكرم بعاصيري). أما الأعضاء الـ7 غير الحكميين (ومنهم القاضي عيسى الخوري المحال على التقاعد)، فإن خمسة منهم يعينون بمرسوم لولاية تستمر 3 سنوات، فيما يتم انتخاب الاثنين الآخرين من رؤساء ومستشاري محكمة التمييز. ومع حلول شهر حزيران/ يونيو المقبل، فإن مدة الأعضاء غير الدائمين ستنتهي وثمة مخاوف من ان يتعذر تعيين الأعضاء الجدد الذين يفترض أن يقسموا اليمين أمام رئيس الجمهورية (غير الموجود) قبل المباشرة بمهامهم. وفي هذه الحال، سيتعطل عمل مجلس القضاء من جديد، كما حصل قبل سنوات! وتقول مصادر قضائية معنية ان القاضي فهد يدرس إمكانية دعوة القيمين على محكمة التمييز لانتخاب عضو مجلس جديد خلفاً للقاضي عيسى الخوري، إلا أن المشكلة تكمن في أن ولاية رفاق القاضي الذي يمكن أن يُنتخب تنتهي بعد ثلاثة أشهر، وبالتالي فإن الانتخاب الأحادي لن يبقي الحياة في مجلس القضاء الأعلى وهو أمر لن يحصل ما لم يعين بدلاً للأعضاء المنتهية ولايتهم في حزيران/ يونيو مع عدم توافر إمكانية لذلك بسبب تركيبة مجلس الوزراء.
المجلس الدستوري مستمر...
أما على <جبهة> المجلس الدستوري، فإن الوضع يختلف قياساً الى مجلس القضاء الأعلى. صحيح ان ولاية رئيس المجلس الدستوري والأعضاء الـ9 الآخرين تنتهي بعد ثلاثة أشهر، إلا أن حصول تعيينات جديدة في المجلس مسألة غير مضمونة في ظل الوضع السياسي الراهن، رغم ان رئيس المجلس عصام سليمان استبق انتهاء الولاية يوم 5 حزيران/ يونيو المقبل بكتاب أرسله الى الأمانة العامة لمجلس الوزراء لفتح مهلة الترشيح التي تبدأ قبل 90 يوماً من موعد انتهاء ولاية الأعضاء، وتنتهي بعد 30 يوماً من بدئها، أي بين 7 آذار/ مارس الجاري و6 نيسان/ أبريل المقبل. وعليه، فإن <سيناريو> حصول تعيينات جديدة (5 في مجلس الوزراء و5 في مجلس النواب) لن يكون ممكناً في المدى المنظور، علماً ان لا فراغ في المجلس الدستوري، فالمادة الرابعة من نظامه الداخلي تنص على انه عند انتهاء الولاية يستمر الأعضاء الذين انتهت ولايتهم في ممارسة أعمالهم الى حين تعيين بدلاء عنهم وحلفهم اليمين! وهكذا يبقى المجلس الدستوري بتركيبته الراهنة يقوم بمهامه بقوة القانون، وليس بقوة الأمر الواقع، علماً انه في غياب جلسات مجلس النواب، فإن لا قوانين جديدة يمكن أن يطعن المجلس بدستوريتها، وفي ظل عدم إجراء الانتخابات النيابية بعد التمديد للمجلس النيابي، فإن لا طعون نيابية ينظر فيها المجلس... الذي يبقى هو الآخر عاطلاً عن العمل أسوة بمؤسسات دستورية وإدارات أخرى... وفي مرحلة < الفراغ>، يجهد رئيس المجلس في إعداد مشاريع تعديلات للقوانين التي تنظم عمل المجلس تمهيداً لإرسالها الى رئيس الحكومة والمجلس النيابي ورؤساء الكتل النيابية، ليصار الى بحثها معهم في وقت لاحق، علماً ان مفاعيل هذه التعديلات - إذا ما أقرّت - تقلل من تأثير السياسيين على أعضاء المجلس وتوسّع صلاحياته إضافة الى كونها تلحظ تغييراً في آلية تعيين الأعضاء.