بقلم عبير انطون
لمناسبة مرور اربعين عاماً على غياب كوكب الشرق أم كلثوم، تنظم لجنة <تكريم رواد الشرق> بالتعاون مع وزارتي الثقافة اللبنانية والمصرية في بيروت <مهرجان ذكرى أم كلثوم> في قصر <الاونيسكو>، حيث غنت أم كلثوم مرتين في العامين 1954 و1965. أربع دول عربية من خلال اربع فنانات مختارات يحتفلن بالذكرى غناء على أنغام الاوركسترا اللبنانية بقيادة أندريه الحاج وهن يسرى محنوش من تونس، نهوى الشعباوي من المغرب، كارمن سليمان من مصر ونادين صعب من لبنان. هذه الاسماء اختارتها لجنة متخصصة في الموسيقى والاصوات بعد <غربلة> كبيرة، تغنّي كل منهن مدة عشر دقائق ما جعل المجموع أربعين دقيقة على عدد سنين الوفاة.
فمن هي نادين صعب اللبنانية الكلثومية، ولماذا تم اختيارها بين كثيرات يتمتعن بالصوت الجميل من أكاديميات ومحترفات تعبق بهن المعاهد الغنائية والبرامج العديدة؟
<الافكار> التقت نادين وكان معها لقاء تركز بشكل كبير على أم كلثوم، <الست>، <الفلاحة التي حكمت العالم العربي بحنجرتها> وأهمية الغناء لها في مثل هذه المناسبة.
في مشهد صنّف بأنه من أكبر ثماني جنازات في التاريخ الانساني اذ شارك فيه نحو أربعة ملايين نسمة ختمت ام كلثوم ابنة ابراهيم البلتاجي مؤذن قرية طماي الزهايرة حياة فنية اعتبرت جزءاً من التاريخ العربي القومي كله وليس الفني وحده. فأم كلثوم لعبت أيضاً دوراً وطنياً كبيراً من خلال صوتها وحضورها. في هذا المجال، يذكر مثلاً ان نشيد <والله زمان يا سلاحي> لصلاح جاهين أتى به اليها الموسيقار كمال الطويل ذات ليلة حدثت فيها غارة فحفظت النشيد على ضوء الشموع.. وحين تقرر أن تسجله في محطة الاذاعة عند شارع الشريفين اعترض أغلب الموسيقين خوفاً من إعلان إسرائيل أنها ستضرب محطة الاذاعة، فقررت أم كلثوم أن تسجل النشيد. كذلك فإن أم كلثوم أحيت بعد النكسة الكثير من الحفلات داخل مصروخارجها للتبرع بعائداتها الى المجهود الحربي بينها حفلتا مهرجانات بعلبك في العام 1968 وحصلت يومئذٍ على مبلغ 135 ألف ليرة لبنانية عن غنائها في المهرجان وهو أكبر أجر تتقاضاه فنانة في ذلك الزمان.
لذلك لم تكن ام كلثوم رمزاً فنياً فحسب، وكانت جنازتها من الاكبر شعبياً في التاريخ المصري سبقتها اليها جنازة سعد زغلول <الأب الروحي للأمة كلها> بحسب الكاتب الكبير نجيب محفوظ، وجنازة القائد العسكري عبد المنعم رياض الذي استشهد برصاص العدو حين كان يتفقد قواته فشارك في جنازته الرئيس جمال عبد الناصر. أما الرئيس عبد الناصر نفسه، فقد سار في جنازته أربعة ملايين مصري في القاهرة وحدها وأقيمت له الجنازات الشعبية في كل المحافظات.
في رحيل <كوكب الشرق>، كما في حياة <سيدة الغناء العربي> اجتمع في أم كلثوم كل ما هو استثنائي. بدأ غناؤها مدخلاً اضافياً للأسرة الى ان تعرف والدها على الشيخين زكريا أحمد وأبو العلا محمد اللذين أتيا إلى السنبلاوين لإحياء ليالي رمضان وبكثير من الإلحاح أقنعا الأب بالانتقال إلى القاهرة ومعه أم كلثوم. كانت تلك الخطوة الأولى في مشوارها الفني. حينها أحيت ليلة الإسراء والمعراج في قصر عز الدين يكن باشا وأعطتها سيدة القصر خاتماً ذهبياً وتلقت أم كلثوم 3 جنيهات أجراً لها. وكرت سبحة النجاح، ووجد فيها الشاعر أحمد رامي هدفه المنشود، وكذلك كل من محمد القصبجي ورياض السنباطي وعبده الحامولي وزكريا أحمد وغيرهم من ألمع الأسماء. وفي عام 1928 غنت <سومة> <مونولوج> (إن كنت أسامح وأنسى الآسية)، لتحقق الأسطوانة أعلى مبيعات على الإطلاق ويدوي اسمها بقوة في الساحة الغنائية، وهو العام نفسه الذي لحنت فيه أم كلثوم أغنية (على عيني الهجر) بنفسها لنفسها.. وبقي الصعود نحو القمة متواصلا ًتخلله عدد من الافلام الناجحة، حتى أنهكها المرض واضطرت بعد تاريخ فني حافل الى خفض عدد حفلاتها في العام 1954 وقيل ان النظارة السوداء التي كانت تضعها سببها مرض الغدّة الدرقية الذي أدى الى جحوظ عينيها. جالت الست في الكثير من البلدان وزارت لبنان في أكثر من محطة. وفي بعلبك التي افتتحت مهرجاناتها العام 1968 أعلنت عن أغنية جديدة يكتبها شاعر لبناني من دون أن تذكر اسمه، وما كانت الاغنية سوى <هذه ليلتي> للشاعر اللبناني الراحل جورج جرداق ومن الحان الموسيقار محمد عبد الوهاب. كذلك نالت أم كلثوم في لبنان أكثر من وسام بينها وسام الاستحقاق اللبناني المذهب.
ها هي أم كلثوم اليوم، مرة ثالثة بعد اثنتين سابقتين، تعود الى قصر الاونيسكو في الثالث من شهر شباط (فبراير)، وهو اليوم عينه الذي ظهر فيه يوسف السباعي منذ أربعين عاماً في تمام السادسة مساء ليلقى النبأ الصاعقة بوفاتها، اليوم الذي اهتزت فيه مشاعر العرب من المحيط الى الخليج بحسب ما كتبت صحيفة <زيت دويتش سايتونج> الألمانية يومئذٍ.
في هذه الذكرى، تستعيد بيروت من خلال لجنة تكريم رواد الشرق اللقاء بالسيدة، من خلال معرض مميز وحفلة دعت اليها حضوراً عربياً ولبنانياً واسعاً في قصر اليونسكو. أما بالنسبة للمعرض فهو جانبي افتتح قبل ثلاثة أيام من الحفل لأربعين رساماً تشكيلياً، في مدخل قصر الاونيسكو، فضلاً عن صالة جانبية تعرض فيها صور لأم كلثوم وبعض من أغراضها، علماً ان التأمين عليها مرتفع. بعض الصور للسيدة أيضاً سيتم رسمها في الوقت الذي يدخل فيه الجمهور الى حفل الغناء ليخرج منه عند انتهائه فيجد الرسم الذي كان نقطة حبر في البداية كاملاً متكاملاً لمن شغلت الشرق بسحر غنائها وموهبتها.
إذاً ستغني ام كلثوم على مسرح قصر اليونيسكو في بيروت، انما هذه المرة بحنجرة صبايا فتنّ بها وبفنها وبينهن الفنانة اللبنانية نادين صعب التي عرّفت <الافكار> عن نفسها في هذا اللقاء معها.
نادين من استوديو الفن
- انا فنانة أحببت الغناء وهويته. تقدمت الى استوديو الفن وكنت صغيرة جداً، اي ما دون السابعة عشرة من عمري، وتخرجت منه عام 1996 حاملة الميدالية الذهبية عن فئة الطرب الشعبي فضلاً عن جائزة تقدير عن تميّزي بآداء لون ام كلثوم. وقّعت عقداً مع المخرج سيمون أسمر الا انه للأسف لم يتم احتضاني جيداً، علماً انني عملت معه لفترة في نهر الفنون وذلك منذ تخرجي من البرنامج وحتى العام 2001 حيث أنهيت مدة العقد وتركت مكتب سيمون أسمر.
وأضافت:
- لم يكن معي من يدلني على الطريق الفني الصعب والمضني في تحقيق حلمي بأن أكون نجمة عربية بفضل صوتي فقط. في العام 2001 شاهدني الموسيقار الكبير ملحم بركات وعبّر عن اعجابه بصوتي فقدم لي اغنية كاملة من الحانه بعنوان <قلبي يا ناس> من كلمات نزار فرنسيس وتوزيع ايلي العليا تقديراً منه لصوتي، الا انها لم تنل نصيبها من الشهرة للأسف لأنها لم تصور على طريقة <الفيديو كليب> وقد شاركت مع الموسيقار بركات في إحياء اكثر من 15 حفلة ناجحة.
ومضت تقول:
- سافرت مرات عدة وأحييت حفلات في مصر الا انني لم أدخلها من الباب العريض بعد وهذا ما أطمح اليه. بدأت مسيرتي الفنية فعلياً مع اغنية <يا للي>. عشت في المغرب مدة سنة ونصف السنة بعد ان كان العمل لمدة شهر واحد وراح يتجدد بعد النجاح، وقد تعرفت بالعمق الى هذا الشعب المحب والطيب الذي قدر موهبتي واضاف الي الكثير، فلقبت بصاحبة الصوت الماسي تقديراً من نقابة الفنانين في المغرب لخامة صوتي النادرة بحسب وصفهم، علماً انه لا تنقص هذا البلد الحبيب الاصوات الرائعة وهذا ليس سهلاً في بلد يحتضن هذا الكم الكبير من المواهب، وعدت الى لبنان بثقة أكبر.
وتزيد نادين قائلة:
- بالنسبـــــة للدراســـــة الموسيقيــــة، اعترف بأنني تأخـــــرت عليهـــــا قليـــــــلاً، اذ اننــــي بدأت بالتدرب على الغناء الشرقي منذ خمس سنوات فقط مع استاذي شاهر الحلبــــي وهذا إضافـــة ضرورية للموهبة مهما كانت كبيرة.
في استوديو الفن، غنت نادين رائعة <سيرة الحب> لأم كلثوم من كلمات مرسي جميل عزيز وألحان بليغ حمدي في إطلالتها الاولى، ومن ثم كانت أغنية <الأطلال>، كلمات الشاعر ابراهيم ناجي وألحان الموسيقار رياض السنباطي ومن ثم <أروح لمين> من كلمات الشاعر عبد المنعم السباعي وألحان الموسيقار رياض السنباطي في تصفيات لاحقة. لا تعتبر نادين ان هناك أغنية للسيدة ام كلثوم أصعب من الأخرى، إنما يمكنها ان تحب أغنية أكثر من أخرى فتبرع في أدائها، وفي هذا المجال تحب جداً اغنية <للصبر حدود> (كلمات: عبد الوهاب محمد، ألحان محمد الموجي) كما انها تختار <الاطلال> ايضاً. وعن سبب اختيار صاحبة أغنيات <حبيبي بعتذر>، <يلا حبيبي تعا>، و<بآخر روح> دون سواها من قبل لجنة تكريم رواد الشرق، تجيّر نادين السؤال الى اللجنة خاصة وان السفارة المصرية أبدت موافقتها على الاسماء وكذلك الوزارات المعنية اللبنانية. لديهم ثقة بصوتي وأنا أشكرهم على ذلك.
وعما اذا كانت نادين تعتبر هذا المهرجان مدخلاً لها لتعرف من قبل الجمهور العريض الذي لم يعطها حقها بعد، فهي أملت بذلك مع تأكيدها بأنها اختارت الطريق الصعبة للوصول بدون استعجال على النجومية حتى تستحقها عن جدارة.
الأصوات المشاركة
وبين الاصوات الرائعة التي تشاركها المهرجان من يسرى محنوش وكارمن سليمان ونهى الشعباوي تقول نادين: <املك الثقة الكافية بنفسي ولكل منا ميزة صوت مختلفة، ولا شك ان الاحساس يختلف بين فنانة وأخرى>.
لم تتقمص نادين او المشاركات الأخريات شخص ام كلثوم ولم تقلدها. وبالنسبة للباس فهو <شيك ومحتشم> يليق بسيدة وبذكرى غالية على الجميع وسط حضور عربي ولبناني حاشد. أما بالنسبة الى <ألبومها> الجديد فهي تصدره بعد اربعة أشهر وفيه تعاون مع لبنانيين ومصريين وخليجيين انما بعد العودة من أسفار الى كل من أميركا واوستراليا في شهر آذار/ مارس المقبل وحفلات في استراليا مع بداية الربيع.
وعما اذا كانت نادمة على توقيعها العقد مع مكتب استوديو الفن الذي بدّى اسماء اخرى تقول نادين:
- أنا أسير وفق مبدأ <ما فات مات> والنظر اليوم حوّل الى الامام، مع ادارة اعمال تحتضنني بشكل جيد عبر مدير أعمالي روجيه مجبر وعبر شركة (ار ام بروداكشن).
تلفت نادين كل أغنية جميلة على الساحة، وهي تجد في صوت اليسا احساساً خاصاً. «أحببت جداً منها اغنية <لو> من كتابة وألحان مروان خوري. فلصوت اليسا هوية، وأحترم جداً نجوى كرم وأميّزها بأخلاقها الرفيعة، تعرفت اليها عند أدائي الواجب في عزاء والدها وهي مميزة فعلاً وأنا معجبة بمشوارها وإصرارها على النجاح في كل عمل>.
وكانت نادين قد برعت في أداء شارة مسلسل <الولادة من الخاصرة>، بطولة عابد فهد بعنوان <شو تغيروا هالناس> من كلمات ادهم مرشد وألحان وتوزيع فادي مارديني وتلاقي الاغنية حتى اليوم صدى كبيراً لدى الجمهور مما يجعل نادين <تعيد الكرّة طبعاً>، اما التمثيل فهو خطوة مستبعدة في الوقت الراهن باستثناء عرض لا يقاوم، اذ ان الأولوية الآن هي لتثبيت النفس في مجال الغناء، العالم الأحب على قلب نادين الكلثومية الهوى.