لن يكون من السهل على رئيس تيار <المستقبل> الرئيس سعد الحريري أن يعلن موقـفاً صريحاً وواضحاً في ما يتعلق بموقف <التيار الأزرق> في مرحلة ما بعد تعثر مجلس النواب في انتخاب رئيس جديد للجمهورية، قبل أن تتبلور الاتصالات الجارية بين بيروت والرابية والرياض لمعرفة ما إذا كان خيار <الرئيس التوافقي> سيتقدم، أم ان حظوظ العماد ميشال عون هي التي ستسجل خطوات إضافية الى الأمام. ويلاحظ المراقبون ان الرئيس الحريري تجنّب منذ تحديد الرئيس نبيه بري موعد الجلسة الأولى لانتخاب الرئيس العتيد يوم 23 نيسان/ أبريل الماضي، والجلسة الثانية في 30 منه، ان يعلن موقفاً بل فضّل عدم الدخول مباشرة على مسرح التعليقات والمواقف وردود الفعل، بل أوكل الى نوابه في توزيع جيد للأدوار مهمة التأكيد حيناً على استمرار دعم ترشيح رئيس القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع، وأحياناً أخرى في الحديث عن خيارات تدرس بين قيادات 14 آذار للمحافظة على وحدتها وتأمين فوز مرشحها في معركة رئاسة الجمهورية، من دون ان تكون الإشارة مباشرة الى الدكتور جعجع.
بين هذين الموقفين، يقول المتابعون ان الرئيس الحريري لم يحسم خياره بعد، وهو ترك خطوط الاتصالات مفتوحة بين <بيت الوسط> ومعراب عبر موفدين ابرزهم النائب السابق غطاس خوري ومدير مكتب الرئيس الحريري ابن عمته نادر الحريري، وكذلك الخطوط بين معاونيه والعماد عون مباشرة، أو من خلال صهره الوزير جبران باسيل، فيما دخل على الخط وزير التربية والتعليم العالي الياس بوصعب الذي بدأت اسهمه تتصاعد في الرابية بعدما شكل والوزير باسيل ثنائية داخل <التيار الوطني الحر> أثارت الكثير من التعليقات... والاعتراضات ايضاً في صفوف فريق لا يُستهان به من العونيين. فالرئيس الحريري الذي أمّن للدكتور سمير جعجع أصوات 48 نائباً (كان يمكن أن يكونوا 51 نائباً، لو حضر هو والنائب عقاب صقر والنائب خالد الضاهر)، وهو غير قادر على تأمين المزيد لأن توزع الأصوات لن يتغير في المدى المنظور، إلا إذا حصل الاتفاق المسبق على اسم الرئيس، أو إذا نقل نواب تصويتهم من مكان الى آخر. لكن <الخروج> من الالتزام مع جعجع ليس سهلاً بالنسبة الى الرئيس سعد الحريري الذي يواجه داخل تياره مواقف متناقضة بالنسبة الى الاستمرار في دعم ترشيح جعجع.
الحريري بين جعجع.. والبديل!
وتتحدث مصادر متابعة عن أن الرئيس الحريري لا يريد <التنكّر> لمواقف جعجع الذي وقف الى جانب <التيار الأزرق> في مناسبات عدة وقدم <تضحيات> للمحافظة على وحدة قوى 14 آذار، ناهيك عن الوقوف الى جانب الخيار الذي أسقط <القانون الأرثوذكسي> خلال درسه قبل تمديد ولاية مجلس النواب. في المقابل يدرك الرئيس الحريري أن حصول <الحكيم> على 65 صوتاً يكاد يكون أمراً مستحيلاً، ما يعني أن لا أمل له في الوصول الى قصر بعبدا، طالما ان التحالفات السياسية هي على هذه الصورة. لكن ما يقلقه حقاً - وفقاً للمصادر نفسها - عدم قدرته على مصارحة جعجع بهذا الواقع والانتقال الى لعب ورقة الرئيس أمين الجميل، ما يعني استطراداً ان <المستقبل> سيظل على موقفه ولو لم تتوافر لهذا الخيار أكثرية حاسمة داخل <المستقبل>، مفسحاً في المجال أمام اللقاءات الجارية بعيداً عن الأضواء بحثاً عن <مخرج> يريد الرئيس الحريري ان يتم التوصل إليه في اسرع وقت ممكن، وذلك من خلال إما السير بترشيح <الجنرال> وتأمين فوزه بالرئاسة الأولى، أو تفعيل <الخيار الثالث> حيث تدور بورصة الأسماء مثل كرات <اللوتو> وهي تحمل أسماء العماد جان قهوجي وحاكم مصرف لبنان الدكتور رياض سلامة والوزير السابق جان عبيد (الذي زار الحريري في السعودية قبل أيام)، والوزير بطرس حرب والنائب روبير غانم، في وقت تراجعت فيه حظوظ <المستقلين> الآخرين.. حتى إشعار آخر.
والملاحظ أن بعض <المستقبليين> ذهبوا بعيداً في البحث عن مخرج لرئيسهم، حين طرحوا للتداول ضرورة اعتماد استراتيجية جديدة ترسمها 14 آذار موحدة منعاً لدخول البلاد في الفراغ الرئاسي التي يتهم <المستقبليون> قوى 8 آذار بالعمل للوقوع فيه من خلال تطيير النصاب في الجلستين الأولى والثانية. إلا أن هؤلاء <جوبهوا> بعزم فريق آخر من <المستقبليين> في <طي ورقة جعجع> والبحث في أسماء أخرى لم يتم إسقاط اسم العماد عون منها، وان كان بدا ان إصرار النائب وليد جنبلاط على ترشيح النائب هنري حلو، يمكن أن يعرقل مهمة السعي الى الرئيس الذي يمكن ان يجمع في صندوقة الاقتراع 65 اسماً على الأقل تؤيده. لكن المهم، في رأي هذا الفريق <المستقبلي>، عدم سقوط 14 آذار أمام الامتحان الرئاسي الذي يفترض ان يكون سبباً لتوحدها وتمسكها بمرشح واحد تحاول من خلاله إنجاز الاستحقاق الرئاسي بأقل ضرر ممكن. ويدعو أصحاب هذا الرأي الى عقد جلسة مصارحة مع الرئيس أمين الجميل والدكتور سمير جعجع للوصول الى تفاهم على <التنازلات> المتوقعة للمضي في المعركة الرئاسية بمرشح واحد <أقوى> وقادر على الحصول على 7 أصوات على الاقل من <المستقلين> وفريق 8 آذار، إضافة طبعاً الى نواب جنبلاط. غير ان مثل هذه الاستراتيجية، تقابلها سياسة <الابواب المفتوحة> مع العماد عون الذي لا يزال ينتظر حصول تطورات ايجابية تسهّل عملية ترشحه وفوزه بالاكثرية المطلقة، زائداً بعض الاصوات التي يريد أصحابها ألا يكونوا على هامش اي اتفاق اقليمي ودولي.
انزعاج طرابلسي وصل الى ... الرياض!
في غضون ذلك، ثمة مسألة أخرى أحرجت الرئيس الحريري وستستمر في إحراجه إن استمر هو في دعم ترشيح الدكتور سمير جعجع في الدورات الانتخابية المقبلة، وهي نتجت عن ردود الفعل السلبية التي برزت في طرابلس بعد تأييد تيار <المستقبل> لرئيس القوات اللبنانية على خلفية الحكم الصادر في حقه في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رشيد كرامي، لاسيما بعدما امتنع أربعة من نواب طرابلس هم الرئيس نجيب ميقاتي والسادة: محمد الصفدي وأحمد كرامي ومحمد عبد اللطيف كبارة، عن التصويت لجعجع وأعطوا أصواتهم إما للمرشح حلو أو لخيار الورقة البيضاء أو اسم <رشيد كرامي>. وحده النائب سمير الجسر المنتمي الى تيار <المستقبل> صوّت الى جانب جعجع، ما أثار حفيظة فرقاء طرابلسيين تعاطفوا مع آل كرامي الذين رفضوا بقوة ترشيح جعجع بعد المواقف التي صدرت عن الوزير السابق فيصل كرامي، ثم عن والده الرئيس عمر كرامي. ولعل الوفود التي زارت آل كرامي لتتضامن معهم، خير دليل على <نبض> الشارع الطرابلسي الذي لم يكن راضياً - في غالبيته - على تأييد تيار <المستقبل> للدكتور جعجع، ورصدت مصادر طرابلسية بروز مواقف وتساؤلات عما ستكون عليه ردة فعل الرئيس الحريري لو صوّت نائب أو أكثر من طرابلس الى جانب الفريق المتهم بقتل والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري، أو ذهب التصويت الى ممثل فريق سياسي يسيء الى ذكرى والده الشهيد أو يتجاهل ضرورة البحث عن <الحقيقة> في اغتياله.
ورأت المصادر نفسها انه كان على الرئيس الحريري وتيار <المستقبل> ان يأخذا في الاعتبار <خصوصية> طرابلس التي حافظ عليها النواب الأربعة وخالفها الآخرون، وان مثل هذا الموقف <المستقبلي> ستكون له تداعياته في طرابلس خصوصاً وعدد من الاقضية الشمالية التي تتأثر بشكل أو بآخر بالمناخ الطرابلسي وردود فعل الطرابلسيين. ولعل ما زاد الموقف حراجة وصول أصداء <الانزعاج الطرابلسي> الى الرياض حيث كانت هذه المسألة بالذات محور تقييم الفريق السعودي المهتم بالملف اللبناني مع الرئيس الحريري وعدد من معاونيه...