[caption id="attachment_82175" align="alignleft" width="455"] الرئيس "ايمانويل ماكرون" لدى لقائه القيادات السياسية اللبنانية في قصر الصنوبر[/caption]
لم يكن لتأجيل الاستشارات النيابية اسبوعاً، الصدى المجيد في باريس التي "فوجئت" بقرار التأجيل الذي صدر ليلاً من قصر بعبدا بعدما كانت الاتصالات التي اجرتها العاصمة الفرنسية ركزت على ضرورة الاسراع في تشكيل الحكومة الجديدة للانطلاق بالاصلاحات المرجوة التي اشارت اليها المبادرة الفرنسية ودونتها في مستند خطي نالت القيادات اللبنانية نسخاً منه. الا ان المسؤولين الفرنسيين لم يعلقوا مباشرة على هذا الخبر وآثروا الصمت لادراكهم بأن هذا التأجيل قد يكون له ما يبرره. الا ان الساعات القليلة التي تلت صدور بيان التأجيل حفلت بردود فعل غير مباشرة وصلت من باريس الى بيروت اجمعت كلها على عدم صوابية القرار المتخذ على اساس انه سوف يؤثر سلباً على المبادرة الفرنسية من جهة، وعلى الرغبة في الاسراع في تقديم الدعم للبنان من خلال تحريك نتائج مؤتمر "سيدر" نظراً لانعكاساته الايجابية على الواقع الاقتصادي اللبناني.
وفي هذا السياق، قالت مصادر ديبلوماسية ان الرئيس "ايمانويل ماكرون" الذي اتى الى لبنان مرتين وحضّ القيادات على التفاهم من اجل تشكيل "حكومة مهمة" سمع خلال وجوده في العاصمة اللبنانية كلاما مشجعاً ومؤيداً من القيادات اللبنانية التي جمعها في قصر الصنوبر ما شجعه عملياً على المضي في مبادرته واقناع شركائه الاوروبيون بها، كما فعل مع المسؤولين الالمان والايطاليين الذي طلب منهم الاستمرار في تقديم المساعدات للبنان حتى يتمكن من ازالة اثار الانفجار في المرفأ والتخفيف من معاناة اللبنانيين. لكنه في المقابل لم يخف انزعاجه مما حصل وحاول معرفة الجهة او الجهات التي دفعت الى اتخاذ مثل هذا القرار وهو كاد ان يصدر بياناً شديد اللهجة ، الا ان عدداً من مستشاريه اقترح عليه التريث لمعرفة ردود الفعل تمهيداً لاتخاذ موقف واضح وصريح اذا اقتضى الامر كان يمكن ان يتضمن تهديداً بوقف المبادرة والمساعي ودعم لبنان، الذي لن يحظى بعدها بأية مساعدة إن من باريس او من الدول المانحة، لأن البعض في لبنان، كما قال احد مستشاري الرئيس الفرنسي، غير آبه بانهيار الاقتصاد اللبناني، والذي يصنف في باريس والمجموعة الاوروبية انه بات شبيهاً بأثيوبيا ومالي، واكثر سوءاً من فنزويلا، في حال استمرت هذه الممارسات التعطيلية، لاسيما وان التعرض للدستور في مثل هذه الظروف الحرجة، انما هو دخول في المجهول، وربما اكثر من ذلك، اي الدخول في حروب جديدة لا يحمد عقباها.
واضافت المصادر انه وفقاً للاجواء المنقولة عن الفرنسيين من خلال اتصالاتهم ببعض المرجعيات السياسية الصديقة، فإنهم لن يتهاونوا بعد اليوم ولن تكون هناك فرص ومهل اضافية بانتظار ما ستؤول اليه الاتصالات كي يأتي التكليف في موعده كما تم التوافق عليه بين "ماكرون" وسائر الجهات والقوى السياسية اللبنانية ولم تؤكد المصادر المعلومات التي ترددت عن دعم الولايات المتحدة الاميركية والمملكة العربية السعودية لهذه المبادرة.
أجواء إقليمية غير مريحة
وتضيف المصادر نفسها الى ان ثمة اجواء اقليمية ودولية لا توحي بالاطمئنان، بل تحمل الكثير من المعلومات حول توترات في المنطقة وارتفاع منسوب التصعيد الذي يجري في مناطق ساخنة يتأثر بها الوضع في لبنان بشكل او بآخر ما يتطلب متابعة دقيقة تفرضها حال الفلتان الذي يسجل في هذه المناطق وغيرها، كونه الاكثر تلقفاً لاحداث الاقليم وتطوراته بفعل خصوصيته الطائفية والمذهبية وايضاً لوجود خلايا ارهابية نائمة يعرف القاصي والداني من يحركها ويدعمها في اطراف اقليميين. وفي رأي المصادر ان الفرنسيين يدركون ظروف لبنان الراهنة، ويسعون الى انتشاله من اوضاعه المأزومة، خوفاً من اي حرب قد تندلع مجدداً، وخصوصاً ان بعض المواقف السياسية والمظاهر توحي بان البلد مكشوف، وعودة الحرب اليه غير مستبعدة وان كانت بطرق واساليب اخرى.
لذا، فإن باريس ومعها المجتمع الدولي التي نجحت في عدم ادخال نيران الحرب السورية الى لبنان، لا تزال تبذل جهوداً لتحييده عن حروب المنطقة، وعلى هذه الخلفية، فإن دعم لبنان اقتصادياً ومالياً من خلال مؤتمر دولي قد يكون جسراً لقطع الطريق على اي حرب محتملة ربما تخاض لدواع اقليمية ودولية، ومن ثم ان الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية الخطيرة تسهم بشكل مباشر في اشعال فتيل اي فتنة او حرب مقبلة.
وانطلاقاً من هذه المعطيات نشطت الاتصالات في الايام الاخيرة بهدف اعادة الاستقرار السياسي في لبنان للوصول الى تشكيل حكومة جديدة وسط معطيات ترجح النجاح في تحقيق هذا الامر بعدما يضع كل فريق قليلاً من "الماء في نبيذه" حتى تتراجع حدة المواقف ويصبح الجميع في مسيرة التشكيل وهذا يتطلب ثلاث مسائل: الاولى التخفيف من الشروط التي يضعها البعض لاعاقة عملية الولادة الطبيعية للحكومة، والثانية استمرار الدعم الفرنسي للجهود المبذولة بهدف كسر الجمود الحاصل ، اما المسألة الثالثة فتتعلق باستمرار إبعاد لبنان عن التطورات الاقليمية لاسيما المجاورة منها للحد من تأثيراتها السلبية.
في أي حال، باريس التي ازعجها تأجيل الاستشارات تترقب ردود الفعل اللبنانية على "انزعاجها" فاذا أخذ اللبنانيون في الاعتبار ردة الفعل الفرنسية "المنزعجة" يمكن للمبادرة الفرنسية ان تستمر بقوة هذه المرة، أما اذا "تجاهل" اللبنانيون هذا الأمر فإن ردود الفعل الفرنسية لن تكون سهلة هذه المرة!.