حنا العميل من رئيس الكونسرفاتوار بالإنابة الى رئيس مكتب الحبوب والشمندر السكري: فتحنا باب التنشئة الموسيقية لجميع الطلاب والشعار هو «الموسيقى حق للجميع !
في العام 1930 أسس وديع صبرا واضع لحن النشيد الوطني اللبناني وبمساندة زوجته وجمع من محبي الموسيقى بينهم الرسام جورج قرم مدرسة للموسيقى أضحت في ما بعد المعهد العالي للموسيقى. وفي العام 1953طلب الرئيس الراحل كميل شمعون من وزير التربية آنذاك كمال جنبلاط تسليم رئاسة الكونسرفاتوار للعازف والمؤلف الموسيقي انيس فليحان وقامت جمعية <أصدقاء الموسيقى> برئاسة ناديا كتانة بدعم الكونسرفاتوار مادياً ومعنوياً حتى أصبح في العام 1959 مؤسسة مستقلة تحت اشراف وزارة التربية حينئذٍ. وبعد فليحان تعاقب على رئاسة الكونسرفاتوار نقولا دحل، توفيق سكر، يوسف الخوري وأنطوان حبيقة وترأس موسيقى الغرفة فيه ما بين العامين 1957 و1975 رئيف أبي اللمع.
عرف الكونسرفاتوار خلال الحرب اللبنانية المشؤومة خراباً ودماراً كبيرين طالا مختلف الآلات والوثائق فضلاً عن المكتبة التي احرقت. بعد العام 1991 نفض <المعهد العالي للموسيقى> عنه الغبار وعاد وعلى رأسه الدكتور وليد غلمية بفروعه المختلفة في المناطق اللبنانية كافة، حتى انه افتتح فرعاً له في سجن رومية في العام 2000. ولطالما اعتبر الراحل غلمية، أن الموسيقى ليست فناً بقدر ما هي علم، وعندما يحصل الإبداع في المعرفة تصبح هذه الأخيرة فناً.
بعد الراحل وليد غلمية، حل السيد حنا العميل في رئاسة <المعهد العالي للموسيقى> بالإنابة وهو سيترك منصبه فيه قريباً. ماذا يقول عن حال الكونسرفاتوار اليوم؟ ما ابرز الانجازات التي حققها؟ وماذا سيترك من ملفات لخلفه؟<الأفكار> التقته داخل مكتبه في الكونسرفاتوار ودار هذا الحوار:
ــ لنتعرف باختصار على سيرتكم المهنية وعملكم في وزارة الثقافة (مسؤول دائرة النشاطات الثقافية) حتى تعيينكم في ادارة معهد الموسيقى..
- كنت في وزارة الثقافة مسؤولاً عن دائرة النشاطات الثقافية، ومع رحيل الدكتور وليد غلمية آلت اليّ عملية ادارة الكونسرفاتوار بالإنابة، على اساس أنها لفترة بسيطة فإذا بها تمتد، وأنا اليوم اشارف على نهايتها مع صدور مرسوم تعييني رئيساً لمكتب الحبوب والشمندر السكري.
ــ هل كانت تربطك علاقة معرفة أو صداقة بالمدير الراحل وليد غلمية؟
- بالطبع وذلك بحكم عملي في وزارة الثقافة وكانت له انجازات كبيرة كما تعرفون.
ــ وأنتم تشارفون على تسليم الامانة الى غيركم ما كانت ابرز انجازاتكم في الحقبة التي توليتم فيها ادارة تطوير الكونسرفاتوار وفروعه؟
- لقد قدمت اقتراحات على مستويات عدة وعملت على تطبيق الخطة الخمسية التي وضعتها مذ تم تعييني في ادارة هذا الصرح الوطني الكبير، وتصب جميعها في تحسين أداء المعهد والمحافظة على سمعته وتخريج عازفين لبنانيين بمستوى عالٍ يوازي مستوى الدول المتقدمة. فالعمل استمرارية، وما انجزه الدكتور الراحل وليد غلمية كبير الا ان أي عمل إذا توقف عند حد معيّن يتخطاه الزمن. أول ما بدأت بإنجازه هو تلبية الحاجة الملحة للتحديث ومواكبة التطور التكنولوجي. ويشمل هذا التحديث البرامج التعليمية الأكاديمية، الموسيقية، الإدارية، المالية والقانونية. عملت مع فريق متعاون على <مأسسة> هذا الصرح المهم من النواحي الادارية وعلى صعيد البرامج والمناهج. فمن الناحية الادارية، تم ادخال المعلوماتية الى الاقسام كافة بدءاً بملفات الطلاب وعلاماتهم وكيفية توزيع حصصهم.. وتم تدريب مجموعة من النظار عليها، ولأن النظام الأكاديمي لا يزال على حاله منذ أكثر من عشرين عاماً، عقدنا لقاءات مكثّفة جمعت أكاديميين من الكونسرفاتوار مع مصلحة الشؤون الثقافية في السفارة الفرنسية ومدير الكونسرفاتوار في باريس بهدف التعاون على تطوير المعهد وتبادل الخبرات وعمدنا الى تطبيق مشروع جديد في نظام التعليم يُسمى <التنشئة الموسيقية> لجميع الطلاب وهذا أمر بغاية الاهمية.
ــ ما المقصود بالتنشئة الموسيقية وما سبب اهميتها بالنسبة اليكم؟
- باختصــــار التنشئــــة الموسيقية هي عبارة عن دمج كل المواد النظرية، الأمر الذي يمكّن التلميذ من التأقلم بسهولة مع طرق التعليم الحديثة، خصوصاً لما يحتويه هذا النظام من استخدام ألعاب، حركات، ورقص مع الإيقاع وغير ذلك، والهدف هو تحفيز الطلاب منذ السنة الأولى على دراسة الموسيقى الى حبها وهي تخوله الانخراط ضمن مجموعة وليس كلّ بمفرده، وهذا ما لم يكن يحصل سابقاً. وهكذا، بدل أن يدرس التلميذ مادة <السولفاج> أو المواد النظرية التي تعتبر من الحصص الجافة والتي كانت تؤدي الى ترك التلامذة للحصص والدراسة، بات في إمكانهم درس المواد النظرية والتطبيقية ضمن مجموعة بنظام تعليمي واحد.
أوركسترا الصغار
ويضيف:
- كذلك فإن التطوير لم يقف عند نظام التعليم فحسب إنما شمل كل الأقسام بما فيها الاختصاصات الـ18 الموزعة على قسمي الشرقي والغربي، وقد تم من خلال تشكيل لجنة من أساتذة المعهد لكل تخصص تطرح كيفية تطوير تخصصها ضمن سياسة موسيقية معيّنة، وفي إطار خطة شاملة بوجود لجنة رئيسية ولجان فرعية. كذلك دخل ضمن الجديد للمعهد <أوركسترا الطلاب>، وستكون هناك فرقتان: <أوركسترا الصغار> و<أوركسترا الشباب>.
ــ هل يراعي الكونسرفاتوار حاجة الطلب على آلات معينة فيوجه الطلاب اليها؟
- هذا الدور تلعبه التنشئة الموسيقية التي ذكرتها اذ يتعرف الطالب الى مختلف الآلات، يختار من بعدها الآلة التي يرغب بالعزف عليها بعد أن كان الاهل يختارون مكانه في أغلب الأحيان، الامر الذي كان يؤدي الى تسلل الملل الى نفسه وترك الدراسة.
ــ لماذا تعولون كثيراً على اوركسترا الشباب والصغار؟
- هذا المشروع واعد جداً على صعيد المعهد، اذ انه يخول تخريج عازفين يتجهون نحو الأوركسترا <الفيلهارمونية> على أن نستبدل تدريجاً العازفين الأجانب بآخرين لبنانيين بمستوى يوازيهم.
ــ تحدثتم عن الاتفاقية مع كونسرفاتوار مدينة <ليون> الفرنسية وبالطبع الاولوية هناك للآلات الغربية وللموسيقى الكلاسيكية والأوبرا، ماذا عن الآلات الشرقية؟
- هذا صحيح ونحن ايضاً لدينا هذه الآلات والاختصاصات. أما بالنسبة للآلات الشرقية فلدينا لجنة من الاساتذة الكفوئين والاختصاصيين تتعاون مع مختصين في الخارج للتطوير والتحديث في هذا المجال ايضاً.
ــ بالنسبة للمواهب الواعدة في الكونسرفاتوار، ماذا تقدمون لها؟
- لهذه السنة مثلاً أرسلنا شخصين الى الكونسرفاتوار الفرنسي مع كتب توصية من قبلنا.
البيانو أولاً ثم الغيتار
ــ للكونسرفاتوار دوران: تعليم الموسيقى والترويج للثقافة الموسيقية الرفيعة المستوى. هل تجدون ان الموسيقى والاغنية اليوم في لبنان بخير؟
- من واجبات الكونسرفاتوار حفظ التراث الوطني الموسيقي واحياؤه، وله دور ايضاً في تنمية الذوق الموسيقي لدى العامة، كما أن وجوده أساسي في ابقاء الفن في لبنان منارة اذ انه يبرز وجه البلد الحضاري وسط الظلمة التي نعيشها في الاتجاهات كافة.. ونحن من خلال الاوركسترا الشرق عربية او <الفيلهارمونية>، وسعنا دائرة نشاطاتنا ومروحة الحضور بحيث ذهبنا الى المناطق المختلفة والى الجامعات مما وسع رقع الانتشار.. كذلك فاننا بصدد افتتاح مركزين للكونسرفاتوار قريباً في البترون والشويفات وجاء الامر بمساعدة البلدية في هذه المناطق، وهذه الخطوة تشجّع الأولاد على الالتحاق بالفروع المحيطة بهم. فكما تعرفون مردودنا المادي ضئيل جداً وهو من موازنة وزارة الثقافة ومن الاقساط الرمزية جداً للطلاب (350 الف ل ل سنوياً) الذي بات عددهم اليوم يفوق الخمسة آلاف طالب.. فما كان من بلديات هذه المناطق الا ان اوجدت الأرض وقامت مشكورة بدفع الايجار، ونحن سنتولى مهمة التدريس بمشاركة اساتذتنا المختصين.
ــ الاوركسترا حاضرة بشكل دائم في الامسيات الموسيقية في الاونيسكو، وجامعة <القديس يوسف> وغيرها وبشكل مجاني.. هل تلاقون التجاوب المطلوب؟
- بدأنا نلمسه في صفوف الشباب بعد ان كانت الاعمار الكبيرة والمتوسطة هي الأبرز. والجديد بالنسبة للكونسرفاتوار هو احياء الحفلات القائمة على موضوع او «تيمة> معينة ومن بين ما جرى تنظيمه مثلاً حفلات عيد الاستقلال اللبناني، وأخرى لحقوق الانسان وقد طلبنا تأليف موسيقى خاصة بهاتين المناسبتين وغيرهما طبعاً.
ــ الى اي الآلات يتجه الطلاب أكثر من غيرها؟
- البيانو اولاً ومن ثم الغيتار ومختلف الآلات الوترية، أما الآلات النفخ فهي أقل طلباً من قبل التلامذة من غيرها مع اقبال اكبر على الموسيقى الغربية أكثر من الشرقية.
ــ وهل من طلاب اجانب في الكونسرفاتوار، وما هي جنسياتهم؟
- ليس الطلاب الأجانب بأعداد كبيرة، وهناك اليوم بعض الطلاب السوريين والفلسطينيين.
ــ يأخذ بعض الفنانين عليكم عدم تلبية الاوركسترا للاعمال والمسرحيات التي تتطلب عزفاً حياً ومباشراً مما يدعوهم الى طلب فرق من الخارج. ما اسباب الامتناع هذا؟
- ليس امتناعاً، انما نحن نحضر جدول عملنا مسبقاً على مدى سنة كاملة. كذلك فإن لجنة مختصة بهذا الامر تقيم الطلبات وتدرسها لان من شروطنا الحفاظ على المستوى العالي لما نقدمه. وأذكركم بأنه كانت لنا مشاركات عديدة في العزف الحي ومرافقة الاعمال المسرحية العالية الجودة في مهرجاناتنا الدولية المختلفة.
ــ مدة بقائكم في ادارة الكونسرفاتوار لم تعد طويلة. هل سيجري تعيين مدير أصيل؟ ومن هي ابرز الاسماء المرشحة (هاروت فازيليان، لور عبسي، وليد مسلم) ومن تقترحون شخصياً..
- من المفروض ان يتم تعيين رئيس للكونسرفاتوار في أقرب وقت ممكن وقد يتم تكليف من يجدونه مناسباً لفترة بسيطة قبل أن يجري هذا التعيين. بالنسبة لي لن أدخل في الاسماء وجميعها أحترمها، الا ان الجميع يعرف ان الادارة اللبنانية تخضع للنظام الطائفي في وظائف الفئة الأولى وبناءً عليه فإن من سيتم تعيينه سيكون من طائفة محددة. ( روم ارثوذكس).
ــ هل تعزف شخصياً على آلة موسيقية محددة؟
- للأسف لا، فأنا خلفيتي حقوقية. لكن مواكبتي للشؤون الثقافية والموسيقية من خلال عملي جعلتني أتلمس جمال الموسيقى وأرفع لواء <الموسيقى حق للجميع>.
ــ اذا طلبت منك الاوركسترا ان تختار لها مقطوعة تعزفها لجمالها أو لان لها ذكرى معينة لديك، أيها تختار ولماذا؟
- أتمنى على الاوركسترا عزف مقطوعات الرحابنة. واذا ما طلب مني واحدة فقط فانني اختار اليوم مقطوعة <راجع راجع يتعمر لبنان> لزكي ناصيف. على هذا الامل يجب أن نعيش ونستمر.