خلال مناسبة اجتماعية جمعت سفراء أجانب يمثل معظمهم دولاً أوروبية في لبنان مع مجموعة مختارة من السياسيين والإعلاميين، تناوب عدد من هؤلاء السفراء على الحديث عن <المخاطر الجدية> للتهديدات التي يطلقها أعضاء التنظيمات الإرهابية ضد لبنان، ولاسيما منها تنظيم <داعش> و<جبهة النصرة>. واعتبر هؤلاء الديبلوماسيون ان الهجمات المتكررة ضد مواقع الجيش اللبناني في جرود عرسال ورأس بعلبك وجوارها ستتكرر خلال الأيام والأسابيع المقبلة، حيث ينبغي التعاطي معها بجدية وعدم اعتبارها <مناوشات> محدودة لإبقاء حالة التوتر قائمة في المنطقة. وتحدث بعض الديبلوماسيين عن <تغيرات> ستحصل في المواجهات القائمة في العراق وسوريا بين التحالف الدولي ضد الإرهاب من جهة، والمسلحين في التنظيمات الإرهابية من جهة أخرى، الأمر الذي سيجعل الإرهابيين يكثفون من <ضغطهم> على المحاور اللبنانية لاستدراج الدول الغربية الى مفاوضات معهم لتجنيب لبنان أي تصعيد أمني خصوصاً ان لبنان لا يزال يحظى بـ<مظلة أمنية وسياسية> دولية تعمل على إبقائه خارج إطار المواجهة المباشرة مع تداعيات الاحداث الدامية في سوريا والعراق.
وفي رأي الديبلوماسيين أنفسهم ان المستجدات المنتظرة على الجبهتين السورية والعراقية ستتركز خصوصاً على توسيع عمليات مكافحة الإرهاب وتمدد الإرهابيين، الأمر الذي سيدفعهم الى محاولة تعويض الخسائر التي يفترض ان تلحق بهم بـ<إنجازات> أمنية بديلة في لبنان لاسيما وأن الجبهة اللبنانية تعاني من بعض <الرخو> في أماكن معينة، تسعى المجموعات الإرهابية الى النفاذ منها لتسجيل <خروقات> تستثمرها في المستقبل. وما يعزز تصاعد المواجهة مستقبلاً - حسب الديبلوماسيين أنفسهم - تزايد الرغبة الدولية في محاصرة الإرهابيين ضمن مناطق معينة في سوريا والعراق، وربما لبنان، لشن هجمات جوية تحدّ من تمدّدهم واستيلائهم على مساحات إضافية من الأراضي السورية والعراقية. وقد أتى إحراق الطيار الأردني معاذ الكساسبة على النحو الإجرامي الذي تم فيه ليزيد من حدة ردود الفعل العسكرية بعد موجات الاستياء العارمة التي اجتاحت العالم والتي دفعت القيادات العسكرية في دول التحالف الى إعادة النظر بالضربات الجوية لأماكن تجمّع <داعش> بحيث باتت مكثفة ونوعية.
تقدير عالٍ لدور الجيش
وفي معرض الحديث عن الوضع على المحاور الحدودية اللبنانية، سجل الديبلوماسيون تقديراً عالياً للمهمات العسكرية التي ينفذها الجيش اللبناني ضد مواقع الإرهابيين في منطقة عرسال وجرودها للتصدي للتحركات المكثفة التي تقوم بها المجموعات الإرهابية المتمركزة في الجرود والتي تنبئ بنيتهم القيام بهجمات مسلحة ضد مواقع الجيش المنتشرة على طول الحدود الجردية، وتلك التي يتمركز فيها مقاتلو حزب الله لحماية القرى البقاعية من هجمات انتقامية. وسجل الديبلوماسيون افتقار الجيش اللبناني للسلاح الجوي الرادع الذي يستطيع قصف مواقع الإرهابيين وأماكن تجمعهم، ما دفع بعدد من المتحدثين الى القول ان دولهم تدرس <بجدية> دعم الجيش اللبناني، في حال رغب بذلك، من خلال توجيه ضربات عسكرية مدروسة بواسطة مقاتلات ترابط في قواعد جوية لا تبعد كثيراً عن لبنان، وبينها قاعدة على مسافة 200 كيلومتر، بحيث تتمكن المقاتلات من الوصول الى المناطق المستهدفة خلال مدة طيران لا تزيد عن ربع ساعة أو 20 دقيقة. ولفت المتحدثون من الديبلوماسيين الى وجود قرار دولي بعدم السماح للمنظمات الإرهابية بإحداث أي خرق للجبهة اللبنانية، مركزين على ضرورة حماية مواقع الجيش ودعمه جوياً عند الضرورة، إلا أن هذا الدعم لا يمكن أن يحصل إلا إذا طلب لبنان ذلك.
لبنان يغيب عن قمة واشنطن
وفي الوقت الذي كان فيه الديبلوماسيون الذين شاركوا في الحلقة الضيقة في تلك المناسبة الاجتماعية <يوزعون> التطمينات بالوقوف الى جانب الجيش في أي مواجهة محتملة مع المجموعات الإرهابية، كان وزير الداخلية نهاد المشنوق يكشف عن أن لبنان اعتذر عن عدم المشاركة في القمة التي ستعقد في البيت الأبيض في واشنطن يوم 18 شباط/ فبراير الجاري والمخصصة لدرس <سبل مواجهة عنف المتطرفين> نتيجة دعوة إسرائيل لحضورها، علماً أن عدد الدول المدعوة الى هذه القمة بلغ 60 دولة بينها 14 دولة عربية، إضافة الى اسرائيل، والتي يتوقع أن يفتتحها الرئيس الأميركي <باراك أوباما>، على أن تُستكمل في اليوم التالي على مستوى وزراء الخارجية ويترأسها وزير الخارجية الأميركية <جون كيري> في مقر الخارجية الأميركية. أما اليوم الثالث فسيخصص لاجتماعات تعقد على مستوى الخبراء وتشارك فيها لجان متخصصة ومراكز التفكير المختلفة في واشنطن.
وكانت الدعوة قد وجهت الى وزير الخارجية جبران باسيل لحضور المؤتمر، إلا أن الأخير اعتذر عن عدم المشاركة بعد التشاور مع رئيس الحكومة تمام سلام لأنه لا يجوز أن يكون لبنان شريكاً لإسرائيل في مواجهة الإرهاب الذي تتحمل الدولة العبرية مسؤولية كبيرة في تمدده ونموّه في المنطقة.
وقالت مصادر حكومية ان لبنان أبلغ دولاً عربية ان غيابه عن قمة واشنطن يندرج في إطار موقف ثابت برفض حضور أي لقاء تشارك فيه اسرائيل خارج إطار الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية التابعة لها. وتوقعت المصادر أن تحذو دول عربية أخرى حذو لبنان وتعتذر عن المشاركة في القمة بينها العراق.
إلا أن المشاركة اللبنانية على مستوى الخبراء فقط تصبح واردة إذا غاب عنها الحضور الإسرائيلي وكان هدفها محصوراً بمواجهة الإرهاب الذي تمثله <جبهة النصرة> وتنظيم <داعش>. إلا أن هذا الأمر لم يكن قد حُسم مع نهاية الأسبوع الماضي، في الوقت الذي نشطت فيه الاتصالات بين بيروت وواشنطن ونيويورك لشرح حقيقة الموقف اللبناني منعاً لاستغلاله في أهداف أخرى.
ولم يؤثر قرار لبنان على المساعدات الأميركية للجيش التي وصلت دفعة كبيرة منها الأسبوع الماضي الى بيروت، قدّرت قيمتها بأكثر من 25 مليون دولار وشملت 72 مدفعاً، عيار 155 ملم وأكثر من 25 مليون قذيفة وآليات مصفحة.
في غضون ذلك، تابعت الأجهزة الأمنية اللبنانية لاسيما مخابرات الجيش دهم عدد من الأماكن التي يشتبه بوجود إرهابيين فيها، وذلك غداة إحباط المخطط الإرهابي بالتمدد صوب البقاع الغربي لإقامة <إمارة داعشية> فيه. وأوضح مصدر عسكري لـ<الأفكار> أن عمليات الدهم تركزت خصوصاً على مخيمات النازحين السوريين في البقاع، حيث تم القبض على عدد من المشتبه بعلاقتهم مع مجموعات إرهابية - ينتمي بعضها الى تنظيم <داعش> - في منطقة سعدنايل.