عندما انتقل رئيس حكومة تصريف الاعمال من دار السكن في السرايا الكبير في الطابق الثالث من مقر رئاسة مجلس الوزراء، الى منزله في محلة تلة الخياط في بيروت، كان يقول للجميع، مسؤولين وسياسيين واعلاميين، انه يكتفي بتصريف الاعمال ونزوله الى السرايا سيكون فقط لترؤس اجتماع او لاستقبال ضيف عربي او اجنبي او للقاءات موسعة لا تتسع غرف منزله الاصلي لها... لكن هذه الاشارة التي تحمل اكثر من معنى سرعان ما اقترنت بكلام واضح خلاصته انه ليس في وارد "تعويم" حكومته واعادة الحياة اليها وصولا الى عقد جلسات لمجلس الوزراء التي قال انه لن يدعو اليها ابدا. لا بل زاد اكثر فقال: " لا انتظر احدا كي يعلمنا بما يجب علينا ان نفعل في حكومة تصريف الاعمال... واظن اننا نقوم بكل ما يمليه علينا ضميرنا وواجبنا الوطني والمسؤولية التي نحملها".
لم يعد الرئيس دياب يرغب في ان يتحمل مع حكومته المزيد، وهو عندما عرف بوجود محاولات لــ "تعويم" حكومته في ظل التأخير في تشكيل الحكومة الجديدة، قطع الطريق على هذه المحاولات برفضه اياها اولا، ثم بالقول ثانيا انه ليس في وارد دعوة مجلس الوزراء الى الانعقاد معتبرا ذلك مخالفا للقانون، على رغم ان الاداريين المعنيين حوله اكدوا له ان حكومة الرئيس نجيب ميقاتي الاخيرة اجتمعت مرتين وهي في حالة تصريف الاعمال لاسباب ضرورية فرضتها الاوضاع العامة آنذاك. اما موقف دياب فهو مختلف فهو لا يريد عقد جلسات لمجلس الوزراء او "تعويم" حكومته، لئلا يعطي السياسيين المتلكئين- على حد تعبيره- عن تشكيل الحكومة فرصة لــ "اخذ راحتهم" بدل الاسراع في ايجاد حكومة فاعلة تتولى معالجة الازمات والمشاكل التي يواجهها لبنان حكومة ومجلسا نيابيا وشعبا!
ويروي الرئيس دياب لزواره انه حين اتصل به الرئيس سعد الحريري، بعد تكليفه، تمنى له التوفيق بتشكيل حكومة بأسرع وقت نظرا لحاجة الناس والبلد اليها اولا، ولكي تنكب على ايجاد الحلول الناجعة التي من شأنها التعامل مع المشاكل المالية والاقتصادية والاجتماعية والانسانية ثانيا، وفي مقدمها وباء "كورونا" المقلق الى ابعد حد، وكي نتجنب ما حصل في ايطاليا لا قدر لها. ويذكر الرئيس دياب بما قاله في بكركي، قبل انفجار مرفأ بيروت واستقالته، حيث سألته اعلامية عن سبب عدم اقدامه على الاستقالة فكان جوابه: "لمعرفتي بتعذر وجود بديل في الوقت الحاضر وتشكيل حكومة وعدم ترك البلد في الفراغ". ويلفت الى ان اربعة اشهر مضت على استقالته من دون ولادة حكومة جديدة تبدو متعثرة كما هو ظاهر....
[caption id="attachment_83315" align="alignleft" width="436"] حاكم مصرف لبنان رياض سلامة... وفكرة رفع الدعم عن المواد الأساسية.[/caption]في الخلاصة فإن لاءات الرئيس دياب واضحة: لا للتعويم، لا لعقد جلسات مجلس الوزراء، لا للاعتكاف وعدم ممارسة مسؤولياته ضمن اطار تصريف الاعمال وليس اكثر. وهذه اللاءات تخفي " انزعاجا " لدى رئيس حكومة تصريف الاعمال مما آلت اليه الاوضاع السياسية من جهة، وتصرفات السياسيين من جهة ثانية ما جعله يقول علناً إنه يريد ان يرتاح قبل ذلك لن يتخذ اي قرار فيه اذية للناس. ويصارح دياب المقربين منه فيقول ان ثمة من يريد في الفرقاء السياسيين "توريطه" لاتخاذ قرارات في ظل حكومة تصريف الاعمال ستؤدي حكماً الى اندلاع "ثورة اضخم من ثورة 17 تشرين"، لكنه مصمم على عدم التورط بمثل هذه المحاولات، علماً ان من بين من يظهر "حماسة" لتفعيل الحكومة، وزراء يعتبرهم دياب انهم تنكروا له و "فتحوا" على حسابهم لاعتبارات مختلفة.
لن يرفع الدعم
ويعطي احد الوزراء المقربين من دياب، مثلاً عن موقف رئيس حكومة تصريف الاعمال لجهة رفضه اي "توريط" له او لحكومته، بأنه خلال الاجتماع الذي عقد قبل مدة في قصر بعبدا لبحث الاوضاع المالية، طرحت فكرة رفع الدعم عن السلع بحجة ان احتياطي مصرف لبنان يتهاوى، ولن يكون في مقدور الحاكم رياض سلامة تأمين دعم البنزين والادوية ومستلزمات الطبابة والطحين وغيرها من المواد المدعومة.
الا ان دياب الذي سأل الحاكم لماذا لا يستعمل بعض احتياطي المصارف لدى المصرف المركزي تفاديا لرفع الدعم في هذه الظروف الحساسة والدقيقة لاسيما وانه سبق للمصرف المركزي ان فعل ذلك، رفض رفع الدعم عندما اتاه جواب من الحاكم بتعذر استعمال احتياطي، وقال بحدة : "فخامة الرئيس، انا لا اوافق على رفع الدعم في ظل غياب البديل، ولن انهي مهمتي بهذه الطريقة. لديكم متسع من الوقت. امامكم مهمة تشكيل حكومة، الفوا الحكومة وافعلوا ما شئتم". مثل هكذا كلام كمثل النقطة التي فاضت بها الكأس. كأن بدياب يقول : "دبروا رأسكم من دوني. انا لن اتورط، لن امشي برفع الدعم، ولن امشي بعقد جلسة".
كلام الرئيس دياب في بعبدا له مدلولات كثيرة، فالرجل لم يعد قادراً على التحمل اكثر وهو يريد ان يعود الى منزله باقل ضرر ممكن لكن ذلك لا يعني عدم تحمله مسؤولياته حتى تشكيل الحكومة الجديدة، لكن قدرته على التحمل محدودة ولن تتجاوز في ترجمتها الفعلية "تصريف الاعمال". هو يريد الخلاص من وجوده في رئاسة الحكومة اليوم قبل الغد، ويقدر الدعوات التي وردت كي يعقد جلسات لمجلس الوزراء تفرضها الظروف الراهنة ودقتها، لكنه يفضل الا يفعل لان تجربته في الحكم كانت "مرة"!.