التقاء بين عون والحريري على استمرار «الحوار البنّاء» وافتراق في موعد «الحصاد» بين مستعجل ومتريث
أين أصبح الحوار بين رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون ورئيس تيار «المستقبل» الرئيس سعد الحريري وهل بات ينطبق عليه وصف «حوار الطرشان»؟
من يزور الرابية هذه الأيام يجد جواباً مباشراً عن هذا السؤال ينقسم إلى قسمين: الأول التأكيد على أن الحوار مستمر وبعيداً عن الأضواء وبالتالي ليس «حوار طرشان» لأن البحث فيه يدور في العمق ويتناول كل المواضيع الحساسة التي تحتاج إلى وضوح في الموقف والرؤية. أما القسم الثاني من الجواب فيركز على ضرورة «عدم التسرع» في الحكم على مسار هذا الحوار مع التأكيد على أن نتائجه لن تتأخر لكن يجب أن تأخذ وقتها الكافي، لأن مرحلة جديدة مقبلة على لبنان تطوي مراحل سابقة، و«ختم» الماضي لا يجب أن يكون «على زغل»!
هذا الجواب المزدوج له ما يبرره في الرابية لا سيما عند الحديث عن «القواسم المشتركة» بين العماد عون والرئيس الحريري والتي ظهرت جلية خلال الحوار الذي قام بينهما في باريس قبل أشهر، واستمر بالواسطة مع الوزير جبران باسيل، ولعل «القاسم المشترك» الأبرز ــ يقول من في الرابية ــ هو التمثيل الحقيقي الذي يتمتع به كل من عون والحريري للمكونين الماروني والسنّي في البلاد، إضافة إلى الرغبة المشتركة في إقامة علاقة «شراكة كاملة» مع الأفرقاء الآخرين. فالعماد عون يدرك ــ وهو الذي كان قائداً للجيش وعايش «الحروب» اللبنانية أن لا مناص في النهاية من الاتفاق بين اللبنانيين ولا قدرة لهيمنة فريق على آخر على المدى الطويل... وقد تحصل ثغرات تخل بالتوازن بين مكونات المجتمع اللبناني، إلا أن هذا الأمر لا يمكن أن يستمر، فالقوي اليوم قد يصبح ضعيفاً غداً إذا ما حصلت تبدلات إقليمية أو دولية وبرزت تحالفات مناقضة لتلك القائمة وفي التاريخ لا تحالفات نهائية إلى الأبد!
أما الرئيس الحريري فيدرك هو أيضاً ــ وفقاً لما يتردد في الرابية ــ ان الشراكة الحقيقية مع المكون المسيحي في لبنان لا بد أن تمر من خلال «الشريك القوي» والأكثر تمثيلاً والذي بات «حالة وطنية» لا يمكن تجاوزها، في حين أن الشراكة مع الآخرين عرضة لتبدلات لأنها قائمة على «ظرفية» الحدث والتحالفات ومراكز القوى في الدول المؤثرة والفاعلة. أكثر من ذلك ــ يسمع زوار الرابية ــ فإن الرئيس الحريري لا يمكنه أن يبقى خارج لبنان في المرحلة المقبلة، وانه المؤهل لأن يتولى رئاسة الحكومة تحقيقاً للتوازن السنّي ــ الشيعي بداية، ثم الإسلامي ــ المسيحي ثانية، وعودته إلى لبنان تتطلب أرضية وفاقية صلبة تقلل من التداعيات السلبية للحرب السورية التي راهن الحريري على أن تنتهي «خلال أسابيع» في العام 2011، وإذا بها تستمر ثلاث سنوات وهي مرشحة لأن تتواصل في معطيات مختلفة خلال الآتي من الأيام لا سيما بعد إعادة انتخاب الرئيس بشار الأسد لولاية جديدة. لذلك لا بد من معطيات دقيقة تؤمن للرئيس الحريري القدرة على التواصل مع الأفرقاء اللبنانيين ــ ولا سيما الشركاء في الطائفة الشيعية ــ إضافة إلى مقاربة سلاح حزب الله من جهة، وسلاح الثورة السورية من جهة أخرى، خصوصاً أن الأرض اللبنانية باتت ساحة لهذين السلاحين وإن اختلفت ظروف وجودهما وأسباب ذلك... فضلاً عن أن «صراع» القوى على الساحة اللبنانية يفرض تعاطياً موضوعياً حتى لا يقوى فريق على آخر.
مصالح مشتركة تحتم التوافق
انطلاقاً من هذه الوقائع، وغيرها كثير، يبدو الحوار المستمر بين «الرئيسين» عون والحريري ماضٍ قدماً في «تشريح» كل هذه النقاط الحساسة، إذ لن يجد عون أفضل من الحريري ليشترك معه في معالجة مرحلة ما بعد إعادة انتخاب الرئيس الأسد رئيساً للجمهورية وانعكاس ذلك على لبنان والعلاقة بين أطرافه. كذلك لن يجد الحريري أفضل من عون للسير معاً في إدارة شؤون لبنان و«حماية» مصالح القوى الإقليمية والدولية كي لا تتنازع على أرضه، وذلك من خلال رئيس للجمهورية قادر على التواصل مع «خصوم» الحريري وبعض حلفائه ورئيس للحكومة له قدرته أيضاً على التفاعل مع «خصوم» رئيس الجمهورية الذين قد لا يستمرون في حالة «الخصومة» هذه إذا ما تطورت الأمور إيجاباً. وفي مفهوم زوار العماد عون انه والحريري سيشكلان ثنائياً مثالياً لإدارة البلاد في المرحلة المقبلة بالتعاون الكامل والوثيق مع الشريك الثالث أي رئيس مجلس النواب نبيه بري وما يمثله على الساحتين الشيعية والوطنية، فيتأمن حينذاك «التوازن» في التمثيل الطائفي من جهة، وفي التعاطي السياسي ومع الحلفاء المحليين والإقليميين من جهة ثانية... مع تفاهم مسبق على أن يبقى كل من «الرئيسين» عون والحريري منسجماً مع نفسه وأميناً لقناعاته وخياراته. ولعل التجربة التي حصلت في حكومة الرئيس تمام سلام التي جمعت التناقضات السياسية وحققت تناغماً ولو في «المحاصصة» الإدارية كانت خير دليل على إمكانية «تطوير» هذا التعاون إلى درجة أعلى وفي موقعي الرئاستين الأولى والثالثة.
وترى مصادر في الرابية تتابع الحوار العوني ــ الحريري ان ما كتب لهذا الحوار أن يستمر هو وجود رغبة متبادلة وحقيقية في اعتماد مقاربة مختلفة للعلاقة بين الطرفين بعدما أدرك كل من عون والحريري أن خلافهما «أسقط» حكومة الحريري في العام 2011، وعطّل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي بعد ذلك على الرغم من امتلاك عون والحلفاء ثلثي مقاعد الحكومة... ما يعني أن «قدرة التعطيل» يمتلكها الفريقان في حين أن الاتفاق بينهما يحقق مصلحة الطرفين معاً ويسهّل حصول كل منهما على ما يريده طالما أن عون «سيضمن» موافقة حلفائه، وكذلك الحريري، وسيحافظ كل من الرجلين على موقفه، فلن يجتاز عون الضفة التي يقف فيها إلى الضفة الأخرى، ولن يلجأ الحريري إلى مناورة لها المردود السلبي عليه وعلى خصومه... وتضيف المصادر أن الحوار بين عون والحريري سيصل حتماً إلى نتيجة ولعل التأخير الحاصل في إعطائه الحريري «جوابه النهائي» يعود إلى ضرورة تمهيد الأجواء السياسية والشعبية منعاً لأي انتكاسة، علماً أنه قد تكونت لدى كثيرين من السفراء العرب والأجانب في لبنان قناعة بأن تعاون الثنائي عون ــ الحريري بالتنسيق مع الرئيس بري يحقق الضمانة لتوازن البلد وعدم انفجاره ومحاولة التقاط فرص إنقاذه.
صمت الحريري... سيد المواقف!
أما على «جبهة» الرئيس الحريري، فيبقى الصمت سيد الموقف. فرئيس تيار «المستقبل» لا يريد أن يعلق مباشرة على ما يدور بينه وبين عون وفريق عمله من حوار، وهو وضع «الحلقة الضيقة» من معاونيه في الصورة، وهؤلاء لا تواصل لهم مع الإعلام، وبالتالي فإن كل ما يصدر من مواقف حول الحوار مع العماد عون عن عدد من وزراء أو نواب «المستقبل» لا يعطي صورة كاملة و«أمينة» عما تحقق حتى الآن... علماً أن الرئيس الحريري يحضّر لإطلالة إعلامية خلال الأسبوع المقبل قد تحمل أجوبة كثيرة تجعل الذين يؤكدون أن انتخاب الرئيس الجديد سيحصل قبل 25 أيار (مايو) الجاري... على حق. غير أن ذلك لا يعني ــ وفقاً لمصادر «مستقبلية» ــ أن الاتفاق مع عون بات قاب قوسين أو أدنى لأن الأمر يحتاج إلى المزيد من النقاش والتشاور داخل لبنان وخارجه وهو أمر يتم بعيداً عن الأضواء والرياض وواشنطن على معرفة بتفاصيل ما يجري دورياً.
وتقلل مصادر «المستقبل» من أهمية ما يتردد عن وجود «تباين حاد» في المواقف داخل كتلة «المستقبل» حيال الحوار مع العماد عون يعبر عنه «الصقور» داخل التيار الأزرق وفي مقدّمهم الرئيس فؤاد السنيورة وعدد من النواب على الرغم من أن الكلام الذي يصدر عن «الصقور» يركز على أن جدول أعمال اللقاءات مع العونيين يتضمن «كل شيء إلا ترشيح عون للرئاسة».
وتضيف المصادر أن مثل هذا الكلام لا يعكس رأي الرئيس الحريري وإن كان زعيم «التيار الأزرق» يحرص على طمأنة حلفائه على أن حواره مع عون لن يؤدي إلى التخلي عنهم لا سياسياً ولا رئاسياً! غير أن لـ«الصقور» معطيات أخرى حول الحوار بين عون والحريري تؤكد أن الهدف من هذا الحوار «التفاوض على اسم رئيس توافقي بعد اقتناع عون باستحالة وصوله إلى قصر بعبدا».
باسيل ونادر الحريري يتواصلان
غير أن ثمة من يرى داخل «المستقبل» أن للحوار مع عون فائدة إضافية تتمثل في الحد من تأثير النائب وليد جنبلاط على الخيارات السياسية الوطنية التي لا تريح أحياناً «المستقبل» لا سيما في الشق المتعلق بالعلاقة بين جنبلاط وحزب الله ولعل ما قاله نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري في هذا السياق ما يؤشر إلى وجود وجهة نظر لدى «المستقبليين» تدعو إلى استعمال الحوار مع عون للتخفيف من قدرة جنبلاط على فرض رأيه وخياراته على «المستقبل» لا سيما عندما تتعلق هذه الخيارات بالشؤون المصيرية مثل رئاستي الجمهورية والحكومة وقانون الانتخاب، والتجرية مع جنبلاط ــ يقول «المستقبليون» ـــ لم تكن مشجعة في هذا السياق.
ويـــلاحظ الذين يلتقـــــون باســــيل أن العلاقـــــة بينـــه وبين مدير مكتب الرئيس الحريـــري ابن عمتـــه نادر الحريري بدأت تصبح متينــــة وهذا ما انعكس تنسيقــاً في الملفات الحكومية المطروحة وتمهّد أيضاً لتنسيق متوقع في الملف النفطي وهو أمر لم يكن موجــــوداً في السابق.
ويبقى السؤال: إلى أين ستصل العلاقة بين عون والحريري؟
مصادر الرابية تؤكد أن النتائج ستكون إيجابية وأن الوقت كفيل بتظهير هذا الواقع، فيما مصادر «المستقبل» تتريث في حسم هذا الملف لا سيما وأن ما حققه «المستقبل» حتى الآن من «إيجابيات» في العلاقة المتجددة مع عون يشجع على الاستمرار في «قطف» ثمار الحوار طالما أن العماد عون مستعد للمزيد من «العطاء» آملاً بأن يجني قريباً الثمرة المشتهاة... أي رئاسة الجمهورية... وهو أمر تراه الرابية «محسوماً» وينظر «المستقبل» إليه على أنه غير محسوم بعد!