بقلم جورج بشير
مع صدور <الأفكار> هذا الأسبوع يكون لقاء القمة بين الخليجيين العرب والرئيس الأميركي <باراك أوباما> في واشنطن، وفي ضاحيتها <كمب دايفيد> حيث عقدت محادثات السلام المصرية - الإسرائيلية برعاية أميركية قد انتهى. وقد لوحظ مع نهاية الأسبوع الماضي ان القيادة السعودية بدّلت في رئاسة وفدها الى محادثات القمة فأنابت وليّ العهد الأمير محمد بن نايف، وهذا كان لافتاً بعد ما كان معلناً ان الملك سلمان سيزور البيت الأبيض عشية القمة مع الخليجيين في <كمب دايفيد> ليلتقي الرئيس الأميركي... ... <عدّة الشغل> إذا صحّ التعبير لهذه القمة الأميركية مع زعماء دول الخليج العربي من ملوك وأمراء وشيوخ باتت معروفة وهي سعودية في نجاح الرياض والملك سلمان بالتحديد في إعادة تشكيل مجلس قيادته في البلد صاحب الدور الأهم على الصعيدين السياسي والاقتصادي في منطقة الخليج من جهة، وصاحب الدور الأمني الاستراتيجي الذي بدأت المملكة العربية السعودية بلعبه في ذلك الجزء المهم من العالم في اليمن، حيث تقوم الولايات المتحدة فيه بدور حارس المرمى من جهة ثانية. مع انعقاد القمة السعودية - الأميركية والقمة الخليجية - الأميركية في العاصمة الأميركية، بدأت ملامح الحل السياسي تتوضّح في الأفق المكفهرّ في المنطقة اليمنية، وفي آفاق العراق وسوريا، حيث يضغط <اللوبي> الصهيوني - الأميركي على الإدارة الأميركية هذه الأيام للترويج لفكر تقسيم العراق وسوريا: في العراق ثلاث دويلات: سنيّة، شيعية، كردية. وفي سوريا: دويلتان سنيّة وعلوية، وفي اليمن دويلتان: سنيّة وشيعية، كي يسهل الأمر على العالم، وخاصة على العالم العربي بلع فكرة قيام الدولة اليهودية في منطقة الشرق الأوسط داخل فلسطين على حساب الفلسطينيين والعرب. وهذا الأمر - الدولة اليهودية - تعمل الصهيونية العالمية جاهدة لتحقيقه خلال السنوات الثلاث المقبلة بعد أن أظهرت الانتخابات الاسرائيلية الأخيرة من خلال تصويت الاسرائيليين لحزب <نتنياهو> وسائر أحزاب <اليمين المتطرف>، وكأن في اسرائيل أحزاباً معتدلة....
ماذا يريد الأميركيون؟
الولايات المتحدة من الناحية الرسمية والعلنية المعلنة ما زالت حتى إشعار آخر تؤيد قيام دولة فلسطينية الى جانب دولة اسرائيل مع علمها المسبق بكل قواها المشاركة في القرار وتلك التي تشارك في التحليل والتنظير من مؤسسات الدراسات المتعددة بأن فكرة قيام دولة فلسطينية الى جانب دولة إسرائيل باتت مرفوضة استراتيجياً من <حكماء> الصهيونية العالمية والمشرفين على قيادة الأحزاب الاسرائيلية حتى وإن ذهب بعضهم من وقت الى آخر في محاولة لإرضاء الفلسطينيين وقيادتهم في رام الله بتأييد الحل المقترح بقيام دولة فلسطينية مستقلة الى جانب دولة اسرائيل لإنهاء النزاع العربي - الاسرائيلي، فيما هذه القيادات تعمل في الخفاء للترويج للحلّ الآخر القائل ببرمجة توزيع الفلسطينيين على الدول المضيفة للاجئين ومنها لبنان طبعاً، وما تبقى من الفلسطينيين على الدول المستعدة دوماً لاستقبال واستيعاب مهاجرين جدداً الى أراضيها الشاسعة كأستراليا وكندا والولايات المتحدة ودول المجموعة الأوروبية، وهذه الدول أعربت دوماً عن هذا الاستعداد، خصوصاً على هامش عملية سلخ المسيحيين العرب والكرد واليزيديين عن أوطانهم الأصلية في سوريا والعراق ومصر، وتقديم تسهيلات الإقامة والسفر والحصول على الجنسية وتوفير فرص العمل بكثافة الى هؤلاء، خصوصاً أصحاب الكفاءات العلمية والشباب منهم، وتداعيات الحربين السورية والعراقية، والأحداث المصيرية التي وقعت في الشرق الأوسط إبان السنوات الخمس الأخيرة كانت واضحة على هذا الصعيد ولم تعد تحتاج الى تفسيرات مغايرة... لقد تمكّن <اللوبي> الصهيوني من التسلّل الى الكونغرس الأميركي بمجلسيه - الشيوخ والنواب - أخيراً، وفاجأ الكونغرس العالم، خصوصاً الرأي العام الأميركي بظهوره من خلال استقباله الحماسي لـ<بنيامين نتنياهو> في واشنطن وكأنه يتحدى رئيس أميركا <باراك أوباما> في ظاهرة نادرة، فيهلّل ويصفق وقوفاً لأفكار <نتنياهو> وطروحاته وكأن في هذه الوسيلة محاولة من شيوخ ونواب أميركيين لاستمالة النفوذ السياسي والانتخابي الذي يتمتع به <اللوبي> الصهيوني - الإسرائيلي داخل الولايات المتحدة، وأعقب ذلك خطوتان صارختان على هذا الصعيد قام بهما شيوخ ونواب أميركيون في تحدي رئيس بلادهم ومعارضة إدارته. تميزت الخطوة الأولى بالرسالة التي بعث بها هؤلاء الى الزعيم الروحي للنظام الإيراني <علي خامنئي> بأن اي اتفاق توقعه إيران مع إدارة الرئيس <أوباما> لن تكون له فاعلية على صعيد الدولة الأميركية والكونغرس لأنه في نظر هؤلاء الموقّعين اتفاق بين النظام الايراني و<باراك أوباما>.... وأما الخطوة التالية المثيرة، فقد تجلّت بالعريضة التي وقّعها شيوخ ونواب أميركيون ومن الحزبين (الجمهوري والديموقراطي) أيضاً بالعمل على تأييد قيام دولة يهودية على أنقاض دولة فلسطين ومعارضة توقيع أي اتفاق أميركي - ايراني نووي. وكل هذه الخطوات إن دلّت على شيء، فإنما تدل على تناغم بين الإدارة الإسرائيلية و<اللوبي> الصهيوني الإسرائيلي، وأولئك الذين يدعون ويؤيدون الدولة اليهودية ويحثون العرب والخليجيين بالتحديد على اعتبار إيران عدوّ العرب وليس اسرائيل والصهيونية العالمية. وقد حقق هؤلاء بعض النجاح على هذا الصعيد حسب ما ظهر من دلائل الحرب الإرهابية الدائرة رحاها في سوريا والعراق، وحتى في مصر، والدعم المادي والمعنوي واللوجستي الذي تؤمنه بعض الدول العربية لهذه الحرب من جهة، ودخول تركيا بأحلام امبراطوريتها العثمانية الغابرة في المنطقة على جميع الخطوط من جهة ثانية، ثأراً من الأوروبيين لرفضهم إياها كشريك كامل الشراكة في منظومة السوق الأوروبية المشتركة...
جدول أعمال <كمب دايفيد>
بات جدول أعمال مؤتمر <كمب دايفيد> واضحاً للعيان. ان الولايات المتحدة تريد من الدول الخليجية أن تطوّر أنظمتها في اتجاه منح شعوبها المزيد من الحرية والممارسة الديموقراطية والانتخابات، ووضع خارطة طريق تمهّد لقيام شرق أوسط جديد ينبذ الإرهاب والتطرف والأصولية ويحاربهم على الصعيدين الثقافي والسياسي، والتوجه في كل من سوريا والعراق واليمن الى مشاريع حلول سياسية للأزمات القائمة عبر الشعار الذي أطلقه <أوباما> وهو في طريقه الى قمة الرياض مع الزعماء الخليجيين، ألا وهو: ان العنف والحلول العسكرية ليسا حلاً لأزمات المنطقة، بل ان الحل يكمن في الحوار بين أطراف النزاع، وقد ثبت ذلك بعد أن دمّر العنف سوريا ويكاد يدمّر العراق من دون أن يحقق أي هدف من الأهداف المعلنة... وهذه النظرية الأميركية لإدارة <أوباما> اعتمدت أميركياً وأوروبياً مع النظام الإيراني في الخلاف حول منظومة السلاح النووي ان حقق الحوار بين الدول الخمس الكبرى زائداً واحداً مع أركان النظام الإيراني نتائج كبرى تجسدت بالاتفاق المبدئي الذي تم أخيراً توطئة لمشروع الاتفاق الأساسي والهدف الذي سيتم الإعلان عنه وتوقيعه قريباً، بعد أن تمكنت إدارة <أوباما> من لجم توجهات اسرائيل القائلة بشن الحرب على المفاعلات الايرانية وتدميرها حتى لو أدى ذلك الى حرب إقليمية تعطل الملاحة النفطية والتجارية في الخليج من جهة وتعرض السلام العالمي لخطر الانزلاق الى حرب عالمية نووية من جهة أخرى.. طبعاً، إن قبول الخليجيين بالتوجه الأميركي الذي سيعرض في <كمب دايفيد> يفترض إعداد العدة لشهر عسل في علاقات هذه الدول مع إيران. وهذا هو بيت القصيد. هل يقبل الخليجيون هذا التوجه؟ وهل اسرائيل مستعدة لبلعه؟ أم انها مع الصهيونية العالمية ستعملان على تعطيل مفاعيل هذا التوجه ونسفه من أساسه لأن التوجه الاسرائيلي واضح وينطلق من ضرورة قيام الدولة اليهودية وتقسيم سوريا والعراق الى دويلات، وتدمير التوجه الإيراني لامتلاك سلاح نووي باستخدام العنف؟! أوساط عربية وشرق أوسطية كانت تتوقع من الزعماء الخليجيين أن يزوروا الكونغرس وان يلقي كبيرهم العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز خطابــــاً أمـــــام مجلسي النــــواب والشيـــوخ وأمام الرأي العام الأميركي والرأي العام العالمي ليسمع الجميع صوت العرب وما يطمحون الى تحقيقه لشعوبهم ودولهــــم، وخاصــــة الشعب الفلسطيني وللمنطقـــــة من خلال الأسس الواضحة التي ارتكزت عليها المبادرة العربية التي أطلقتها قمة بيروت العربية، وهي سعوديــــة المنشأ، لحل أزمة الشرق الأوسط سلمياً وقيام السلام على أساس الاعتراف المتبادل بين العرب والإسرائيليين... لكن هذا لم يحصل، ربما لأن أركان قمة <كمب دايفيد> لا يريدون الظهور أميركياً بمظهر وكأنهم يتعمّدون الرد على <نتنياهو> في الكونغرس... لا شك، من الناحية اللبنانية، هناك ارتياح في لبنان لدعوة الرئيس سعد الحريري لمواكبة قمة <كمب دايفيد> عن قرب، مما يثبت دور لبنان ووجوده. وحبّذا لو رافقه وفد لبناني رفيع على المستوى الوطني لما في هذه الخطوة من معانٍ لمدى اعتماد العالم على صيغة العيش المشترك القائمة في لبنان الرسالة والعيش مع الآخر واحترامه والمشاركة معه في إقامة وطن يحترم حقوق الإنسان وحريته كنموذج لحل أزمات المنطقة وفي طليعتها أزمة الشرق الأوسط وفلسطين واسرائيل، وسوريا والعراق بدلاً من أحلام التفتيت والتقسيم والحروب التدميرية.... ويبقى السؤال مطروحاً بانتظار القمة: هل ينجح المؤتمرون في <كمب دايفيد> في وضع خارطة طريق لحل أزمات المنطقة ومواجهة الإرهاب، خصوصاً الإرهاب الإسرائيلي، على أساس اعتماد الحوار والحلول السياسية، أم على أساس خارطة الطريق الإسرائيلية - الصهيونية والعثمانية الآيلة الى اعتماد الحروب والتدمير والقتل والتهجير والتقسيم المعتمدة اليوم في سوريا والعراق؟! الكل في غرفة الانتظار علّ وعسى!