بقلم طوني بشارة
رئيس الإتحاد اللبناني الدولي لرجال الأعمال في إسطنبول سامر صقر: التحقيق لو استمر كان ليكشف الكثير من المستور لذا تم الضغط على شركة التدقيق للانسحاب
[caption id="attachment_83538" align="alignleft" width="375"] الرئيس ميشال عون يستقبل مدير الشركة _دانيال جيمس_ على رأس وفد في حضور الوزير غازي وزني والحاكم رياض سلامة.[/caption]
انسحاب شركة التدقيق الجنائي المالي "الفاريز ومارسال" من استكمال عملها في التحقيق في حسابات مصرف لبنان كان بمنزلة صاعقة صمت أذان اللبنانيين وقضت على أملهم الوحيد بمكافحة الفساد والفاسدين من أركان سلطة سابقين وحاليين.
فما سبب هذا الإنسحاب ؟ وهل هناك - كما صرح البعض - وجود تكتل محلي دولي لعرقلة التدقيق؟ ومن المستفيد من العرقلة ؟ وهل فعلاً إبرام العقد تم ناقصاً من قبل الجهات اللبنانية؟ وما تداعيات هذا الإنسحاب على المواطن؟ وهل من الممكن التعاقد مع شركة أخرى؟
صقر واحتمالات الانسحاب!
رئيس الاتحاد اللبناني الدولي لرجال الأعمال في إسطنبول سامر صقر قال بهذا الخصوص إن إنسحاب شركة "الفاريز ومارسال" من التحقيق الجنائي في لبنان هو بالتأكيد أمر معقد للغاية، ولكنه لم يفاجئ لا رجال الاقتصاد ولا رجال القانون على حد سواء. فرجال القانون لمحوا سابقاً الى إمكانية حدوث هذا الانسحاب. ومهما يكن من أمر، فالعقد قد تم فسخه، وهو كما حصل نسف بالتالي أمل أو حلم المواطن بكشف الفاسدين ومهربي الأموال ، وبالتالي حلم أبناء الثورة الحقيقية باستعادة الأموال المنهوبة، وجعلنا كمواطنين ضحية لمن استباح حقنا من فاسدين حالين وسابقين. لذا لا بد من السعي لمعرفة السبب الحقيقي لهذا الانسحاب .
*-كيف تصنف تداعيات هذا الانسحاب؟
- حكماً وبسبب اعتذار شركة "الفاريز ومارسال" عن متابعة مهمتها، نرى أنه قد تم تغييب وقطع لا بل إعدام الأمل الأخير للمواطنين، ذلك الأمل المتعلق بالكشف عن الفاسدين وناهبي المال العام. وهنا يمكننا الجزم كأصحاب حق بأن انسحاب شركة التدقيق المالي الجنائي، ومهما كانت أسبابه ، يصب في خانة الانتصار الكبير والمدوي للفاسدين من طبقة رجال الاعمال والمسؤولين اللبنانيين الذين اختلسوا وعلى مر السنين مال الشعب وعبثوا بحقوق المواطن مستغلين نفوذهم وسلطتهم.
*-أشرت الى ضرورة معرفة سبب او أسباب الإنسحاب فهل من احتمالات ؟
- كمعنيين بالأمر وكمتتبعين للأحداث توصلنا وبالتشاور الى شبه إجماع على وجود أربعة إحتمالات قد يكون أحدها أو بعضها مجتمعاً سبباً لانسحاب شركة التدقيق:
- الإحتمال الأول: الضغط الخارجي، فمن المحتمل ان تكون شركة التدقيق قد تعرضت للضغط او لضغوط من قبل قوة سياسية خارجية (أقصد هنا دولة لديها مصلحة او نية لإثبات ذاتها والتأكيد على دورها كقوة دولية) فضغطت على الشركة والزمتها على الانسحاب من السوق اللبنانية مما أدى الى طمس الحقائق . وهذا الإحتمال يبقى قائماً حتى إثبات العكس لاسيما وان مقر الشركة الاساسي هو نيويورك مما يدعم اعتقادنا بأن انسحاب "الفاريز ومارسال" قد يكون ضربة اميركية لفرنسا .
- الاحتمال الثاني: انسحاب "الفاريز ومارسال" قد يكون من باب الضغط أيضاً على لبنان، لا سيما وان المعنيين بالامور المالية - الاقتصادية في لبنان صرحوا مراراً وتكراراً بأن التحقيق بمثابة مفتاح او خشبة خلاص للمواطن من تداعيات الازمة المالية - الاقتصادية التي يعاني منها لبنان حالياً . لذا من المحتمل ان بعض الدول وحفاظاً على مصالحها ومكتسباتها الاقتصادية والسياسية في لبنان فضلت ان يبقى لبنان ضعيفاً يتخبط في ازمته. مما يعني ان هناك ضغوطاً مورست على الشركة للانسحاب من اجل إبقاء لبنان على وضعه المأساوي.
- الاحتمال الثالث: وهو الاحتمال الأقل نسبة بالحدوث ولكنه يبقى قائماً، الا وهو وجود خشية لدى الشركة من ملاحقة قانونية لها من بعض المتضررين من التدقيق، لاسيما وانه قد تم سابقاً تسريب معلومات حول مضمون لائحة الاسئلة التي ارسلت الى مصرف لبنان. أي بمعنى آخر ان الشركة انسحبت خوفاً من مقاضاتها جزائياً.
- الاحتمال الرابع: وقد يكون الاحتمال الأكثر شيوعاً وهو عدم حصول الشركة على المعلومات اللازمة لاتمام التحقيق. وفي حال ثبت ذلك يمكننا الجزم عندها بأن الجانب اللبناني لم يكن جدياً بمسألة التحقيق، وهي (اي الشركة) لا تريد ان تشوه سمعتها ففضلت الإنسحاب.
[caption id="attachment_83539" align="alignleft" width="250"] سامر صقر التدقيق كان سيساعد على كشف الأموال المنهوبة وهذا ما لم يرق لأهل السلطة[/caption]*- في حال ثبت الاحتمال الرابع الذي أعتبرته الأكثر شيوعاً، أي عدم وجود نية تعاون من قبل الجهات اللبنانية، فلماذ أبرم أساساً هذا الاتفاق؟
- بالواقع يبدو أن بعض من في السلطة أراد وعن مضض من خلال تسليم شركة "الفاريز ومارسال" التدقيق المالي الجنائي إمتصاص النقمة الشعبية والإحتواء المؤقت للثورة (ثورة 17 تشرين مع بدايتها). تلك الثورة التي طالبت بمحاكمة الفاسدين وباستعادة الأموال المنهوبة ، واقصد هنا الثورة الحقيقية أي ثورة الناس المنهوبة أموالهم والمسلوبة لقمة عيشهم. وهنا وبمراقبة موضوعية علمية وقانونية لما حصل أرى ان انسحاب الشركة يثبت ان قرار المحاسبة كان يفتقد للجدية منذ اللحظة الأولى التي تم فيها التوقيع على الاتفاق مع الشركة.
منظومة الفساد وتمسكها بالحفاظ على مصالحها
*- وكأنك تشير الى وجود منظومة مشتبه بها داخل السلطة وخارجها ، لها مصلحة بتمييع عمل التدقيق؟
- لا يخفى على احد بأن لبنان كان ولا يزال أسير منظومة الفساد التي تحكمت وانفردت بالحكم لفترة طويلة و بأساليب متعددة، واللافت أن هناك مجموعات غطت وما زالت تغطي على بعضها البعض ولاعتبارات عدة، منها التحالفات الانتخابية - المحسوبية والزبائنية إن كان في التوظيف أو بخلق مؤسسات او جمعيات موازية لمؤسسات الدولة .
*- وكأنك تقصد أن المحافظة على الغايات والمصالح والمكتسبات الشخصية أوصلت الى فسخ العقد؟
- بتحليل شخصي أرى ان ليس هناك مصلحة لبعض السياسيين إن كانوا من اركان السلطة حالياً او من خارجها، بتطبيق التدقيق المالي الجنائي، وقد بدأ بعضهم بالمطالبة بالتدقيق لاستهداف شخصية معينة لكن ما لبث ان تبين لهم بأن التدقيق في حال استمر سيكشف فساد كل المنظومة المشاركة وغير المشاركة في السلطة. مما يعني ان التحقيق لو استمر سيكشف الكثير من المستور. وقد يكون ذلك سبباً لطرد الشركة.
*-أيعني ذلك أن هناك إجماعاً سياسياً محلياً على عرقلة التحقيق؟
- محتمل، لاسيما وان عراقيل كثيرة وضعت في طريق التدقيق الجنائي بهدف تمييعه ومن ثم نسفه والغائه من أساسه، لأنه الخطوة الاصلاحية الأولى والاساسية لمعرفة كيف تم صرف لا بل نهب أموال الدولة وبالتالي أين تم الهدر والى اين تم تهريب الاموال؟. فالتدقيق فعلاً جزء من المنظومة التي كانت ستساعد على كشف الاموال المنهوبة وهذا الامر من ضمن ما نصت عليه المبادرة الفرنسية وذلك يلتقي مع مبادئ الثوار. واللافت هنا ان الجميع يدعي تأييد مبادرة ماكرون، فلماذا السماح بنسفها اذاً؟. كما ان الاتفاق مع شركة التدقيق أبرم ناقصاً، وكانت غايته كما يبدو الوصول الى عرقلة عمل الشركة.
*-ما المقصود بأن العقد قد أبرم ناقصاً؟
- بالعودة الى مضمون العقد نلاحظ أنه للأسف لم يتضمن بالأساس بنداً واضحاً وصريحاً يلزم مجلس النواب بتشريع قانون خاص أو حتى قانون مؤقت يفرض على مصرف لبنان عدم التسلح بقانون النقد والتسليف الذي ينص على التكتم عن المعلومات وعن السرية المصرفية، خصوصاً لجهة الحسابات المصرفية الدائنة.
*- هناك إصرار من قبلك على عدم وجود النية او الجدية لدى أركان السلطة بالتدقيق؟ فعلى ماذا ارتكزت؟
- أعتقد وبتحليل شخصي أنه من الأساس، لم يكن لدى المعنيين النية الصادقة للكشف عن السرقات والسارقين، وذلك ربما حتى لا ينفضح أمرهم، فتعمدوا بشتى الطرق المحلية والدولية عرقلة عمل "الفاريز ومارسال" تمهيداً للوصول الى اعتذارها عن متابعة مهمتها.
*-على ماذا ارتكزت في تحليلك هذا؟
- كان من المجدي ولو كانت هناك نية للتعاون، على سبيل المثال لا الحصر، أن تطالب وزارة المال أقله بكشف حساب من مصرف لبنان وتسلمه إلى شركة التدقيق، لاسيما انه وعند توقيع عقد التدقيق كان الجميع يعلم بوجود مبدأ السرية المصرفية، وقانوناً كما اشرت سابقاً، بإمكانهم التوصل الى مخرج متى توفرت النية. لذا لو كانوا جديين كان عليهم إتمام هذه الخطوة بدل عرقلة عمل الشركة والضغط عليها وبشتى الطرق ان كانت محلية او دولية من اجل فسخ العقد معها.
*- فسخ العقد واقع لا محالة ، والشركة طالبت بحقها حتى تاريخه (150 الف دولار)، فهل سيكون بقدرة لبنان التعاقد مع شركة أخرى؟
- أشرت في بداية حديثي الى وجود أربعة احتمالات قد يكون أحدها او بعضها السبب الذي دفع "الفاريز ومارسال" الى الانسحاب. لذا اذا كان الانسحاب تحت تأثير ضغط دولي كبير فمن المستبعد ان تقبل اي شركة أخرى التعاقد مع لبنان من اجل التدقيق وذلك لاعتبارات دولية .اما بالنسبة للاحتمالات الأخرى فقد نتمكن من التعاقد مع شركة تدقيق أخرى في حال تم إزالة ما عرقل عمل الشركة السابقة، ولكن اعتقد ان الكرة في حال استمرار العرقلة، قد تصبح مجدداً في ملعب صندوق النقد الدولي، والحل يكون بتشكيل حكومة اختصاصيين غير مسيسين، أي وزراء يفضلون مصلحة المواطن على مصالح بعض القادة السياسيين.
*- البعض يعتبر أن الأمل الوحيد يبقى بمبادرة من قبل الدول النافذة والمؤثرة في السياسة الدولية، أي بالولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي أو بريطانيا والأمم المتحدة، فهل تؤيد ذلك؟
- الأمل الوحيد هو باجتماعنا كمواطنين تحت راية واحدة وليس تحت رايات حزبية متعددة، أي علينا أن نتوحد فيما بيننا ونوحد مطالبنا وأراءنا لكي نتمكن من التفاوض ومن موقع قوي مع المجتمع الدولي وذلك من أجل تحقيق ما نصبو اليه من محاربة الفساد بكل جوانبه السياسية والاقتصادية والمالية.