هل أعطت <دول القرار> الضوء الأخضر لإنجاز <تسوية> تحقق انتخاب رئيس جديد للجمهورية تحت عنوان <الرئيس التوافقي»، وهل صحيح ان المهلة الزمنية لهذا <الإنجاز> لن تتعدى نهاية شهر رمضان المبارك بحيث يلي عيد الفطر السعيد انتخاب الرئيس العتيد، إلا إذا تأمنت الأجواء المناسبة لتحقيق الانتخاب خلال الشهر الفضيل؟ وهل صحيح ان تسارع الأحداث العسكرية في العراق بعد سوريا وانتقال نشاط <داعش> والمنظمات التكفيرية الأخرى الى لبنان سرّع في انطلاق التحرك الدولي، لاسيما الأوروبي والأميركي، لإنهاء <الشغور> في الموقع الرئاسي الأول في لبنان، بحيث يكون الرئيس العتيد بعيداً عن الاصطفافات السياسية في فريقي 8 و14 آذار؟
هذه الأسئلة وغيرها على صلة بها، طُرحت بإلحاح خلال الأسبوع الماضي في الاندية السياسية والديبلوماسية، بعد بروز سلسلة مؤشرات أعادت للاستحقاق الرئاسي الزخم المفروض، بعدما كانت الأحداث الأمنية في ضهر البيدر ومدخل الضاحية الجنوبية ومنطقة الروشة تسرق الأضواء نهائياً، لاسيما وان الأمن الاستباقي الذي اعتمدته الأجهزة الأمنية اللبنانية بالتنسيق مع أجهزة استخباراتية غربية وأميركية أدى الى كشف شبكات إرهابية وخلايا نائمة كان أفرادها يخططون لتنفيذ عمليات إجرامية انتحارية أبرزها استهداف التجمعات الشعبية ذات الأكثرية الشيعية مثل تفجير مطعم <الساحة> على طريق المطار، إضافة الى استهداف شخصيات أمنية فاعلة أبرزها المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، والتي أحبطت كلها بفعل تحرك أمني استباقي حال دون تمكين الإرهابيين من تحقيق أهدافهم.
تحرّك السفراء... جدي
ولعل أبرز المؤشرات التي سُجلت للدلالة على انطلاق الصفارة جدياً لانتخاب الرئيس العتيد للجمهورية اللبنانية، الحراك غير المسبوق الذي قام به سفراء الدول الكبرى بالتنسيق مع ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في لبنان <ديريك بلامبلي>، الذين تحركوا في أكثر من اتجاه، تحت الأضواء حيناً، وبعيداً عن الأضواء أحياناً أخرى، وسط <استغراب> ديبلوماسي لافت لـ<عجز> القيادات السياسية اللبنانية عن الاتفاق على صيغة تؤمن انتخاب رئيس للجمهورية يكون على مسافة واحدة من الفريقين المتنازعين (8 و14 آذار)، بعدما تعذر اتفاق هذين الفريقين على انتخاب أحد <الأقوياء الأربعة> المطروحين على الاستحقاق الرئاسي.
باريس تقود حملة <المرشح التوافقي>
وأوردت المصادر الديبلوماسية <جردة> للحراك الدولي الذي يستهدف إنجاز الاستحقاق الرئاسي أبرز ما فيها الآتي:
ثانياً: تسريب مصادر إعلامية قريبة من واشنطن و14 آذار عن أن مساعد الأمين العام للامم المتحدة للشؤون السياسية السفير الأميركي السابق في لبنان <جيفري فيلتمان> أبلغ قيادات لبنانية على صلة به بشكل دائم، (لاسيما عبر الرسائل النصية SMS) انه طلب من المستشارة السياسية للرئيس السوري بشار الأسد السيدة بثينة شعبان خلال لقائه بها في أوسلو الأسبوع الماضي، <ألا تعرقل> دمشق انتخاب رئيس جديد في لبنان، وان المشاورات الأميركية ـــ الفرنسية حول هذا الاستحقاق ستشهد حركة ناشطة، بعد اللقاء الذي جمع في العاصمة الفرنسية وزير الخارجية الأميركية <جون كيري> بالرئيس سعد الحريري، بعد لقاء الأخير مع الوزير الفرنسي <رولان فابيوس>. وفي هذا الإطار، تقول مصادر معنية ان السفير
<فيلتمان> أكد للقيادات اللبنانية التي يتصل بها دورياً ان الأمين العام للأمم المتحدة <بان كي مون> كلف ممثله في لبنان السفير <بلامبلي> متابعة الملف الرئاسي اللبناني مع القيادات اللبنانية المختلفة، وان اللقاء الذي عقده <بلامبلي> مع العماد ميشال عون بعيد لقاء بكركي، يندرج في هذا الإطار.أولاً: عودة الحياة الى الجهد الفرنسي لتحقيق توافق حول الرئيس العتيد من خارج محوري 8 و14 آذار، وذلك من خلال اللقاءات المتتالية التي عقدها مسؤولون فرنسيون لعلّ أبرزها لقاء وزير الخارجية الفرنسية <لوران فابيوس> مع رئيس تيار <المستقبل> الرئيس سعد الحريري، واللقاء المرتقب بين الرئيس الفرنسي <فرانسوا هولاند> ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط، إضافة الى لقاءات أخرى ستبقى بعيدة عن الأضواء من بينها لقاء مرتقب مع أحد أبرز المرشحين <التوافقيين> الذي جرى الإعداد له بين بيروت والرياض وباريس. وتقول المصادر الديبلوماسية ان باريس تحركت بالتنسيق مع الفاتيكان (عبر وزير خارجية الكرسي الرسولي المونسنيور <مامبرتي>) انطلاقاً من قرار دولي بعدم إطالة الفراغ الرئاسي في لبنان وسط التطورات الأمنية المتسارعة في سوريا والعراق وانتقال أعمال التخريب والتفجير الى الربوع اللبنانية، إلا أن المصادر نفسها تقول ان لا خطة محددة للحراك الفرنسي، لكن ثمة أفكار تم التداول بها تقوم على مقاربة الاستحقاق الرئاسي من زاوية استبعاد ـــ أو بالأحرى استحالة ـــ توافق الأطراف اللبنانيين على انتخاب أحد <المرشحين الأقوياء>، ولاسيما العماد ميشال عون أو الدكتور سمير جعجع، وبالتالي محاولة طرح أسماء <مرشحين توافقيين> على كل من السعودية وإيران وموسكو، إضافة الى فرنسا والولايات المتحدة الأميركية، للاتفاق على أحدهم وتسويقه لبنانياً، لاسيما وان الدول المعنية مباشرة، أي السعودية وإيران وسوريا تلتقي على أن لا مصلحة لأي منها بأن ينفجر الوضع الأمني في لبنان، وبالتالي ثمة رغبة بالاشتراك في <قبول> فكرة <الرئيس التوافقي> الذي <ترضى> عنه الدول المعنية رغم التباعد القائم بينها في مواضيع أخرى، ولا سيما الأحداث في سوريا والعراق.
ثالثاً: دخول بريطانيا على خط التحرك الديبلوماسي بالتنسيق مع باريس وواشنطن، لاسيما وان لندن ستتحرك في اتجاه دول الخليج العربي لاسيما منها سلطنة عُمان ودولة الإمارات العربية المتحدة والكويت، في حين تتولى واشنطن وباريس التشاور مع السعودية، على أن ينشط مستشار الرئيس الفرنسي <جان فرنسوا جيرو> على خط طهران ـــ باريس لاستكمال حلقة التشاور بالتنسيق مع موسكو التي سمت أحد المسؤولين ليكون صلة الوصل مع الفريق الفرنسي ـــ الأميركي ـــ الأوروبي المتحرّك في الملف الرئاسي اللبناني.
أسباب <قنبلة> عون
وتضيف المصادر أن طرح العماد عون سيؤدي عملياً الى إطلاق <نقاش حاد> بينه وبين خصومه السياسيين الذين سيحملونه مجدداً مسؤولية إعطاء الأولوية لقانون الانتخابات النيابية والرئاسية بدلاً من التركيز على إنجاز الاستحقاق الرئاسي، علماً أن صيغة انتخاب الرئيس من الشعب مباشرة تتطلّب تعديلاً في الدستور وهي تعني عملياً إنهاء النظام البرلماني الديموقراطي واستبداله بالنظام الرئاسي على غرار ما هو حاصل في دول عربية وأجنبية عدة. وثمة من يرى أن اقتراح عون يضع المعنيين أمام خيار من اثنين: إما القبول بالدخول في مسار طويل عنوانه التبديل الجذري في النظام اللبناني، أو القبول بالعماد عون رئيساً للجمهورية لإنقاذ الاستحقاق الرئاسي من الدخول في نفق الانتظار المفتوح على كل الاحتمالات...في غضون ذلك، ربطت مصادر سياسية مطلعة بين تقدم خيار <المرشح التوافقي> الذي يسعى إليه الحراك الديبلوماسي الدولي، وبين إعلان العماد ميشال عون يوم الاثنين الماضي رؤيته لقانون انتخابي جديد يحقق التمثيل المسيحي الحقيقي الذي يعكس الشراكة بين المسلمين والمسيحيين في لبنان، كالقانون الأرثوذكسي أو صيغة متطورة، وإطلاقه الدعوة الى أن يكون انتخاب رئيس الجمهورية من الشعب مباشرة، وعلى مرحلتين. ورأت هذه المصادر أن في <القنبلة> السياسية التي فجّرها عون من خلال دعوته الثنائية التي طاولت العملية الانتخابية النيابية والاستحقاق الرئاسي على حدٍ سواء، أكثر من رسالة لعل أهمها <تعثر> الحوار القائم بينه وبين الرئيس الحريري في الوصول الى <خواتيم سعيدة>، لاسيما وأن <الجنرال> وصلت الى مسامعه معطيات عن اللقاء الذي جمع الحريري بالنائب جنبلاط في باريس جعلته لا يرتاح الى مسار الحوار، إضافة الى التحرك الذي يقوم به سفراء الدول الكبرى (ما عدا سفيري روسيا والصين)، والأجواء التي ينقلها زوار بكركي عن البطريرك الراعي الذي أصيبت علاقته مع عون بـ<فتور غير مسبوق> بعدما صنّف <الجنرال> تحرّك سيد بكركي بأنه يصب في خانة <المرشح التوافقي> ويستبعد العماد عون من خلال تحميله ـــ بشكل أو بآخر ـــ مسؤولية تعطيل انتخاب رئيس الجمهورية.
الأزمة باتت أزمة نظام
أما العماد عون، فهو يرى أن مقترحه المزدوج (نيابياً ورئاسياً) هو المخرج الطبيعي من الأزمة الراهنة التي استحالت <أزمة نظام>، إضافة الى أنه يحفظ حقوق المسيحيين ويؤمن المشاركة الوطنية الحقيقية، بدلاً من أن يبقى انتخاب النواب المسيحيين في عدد من الدوائر الانتخابية بأصوات الناخبين المسلمين، وكذلك انتخاب نواب مسلمين (رغم عددهم القليل) بأصوات ناخبين مسيحيين، الأمر الذي أنتج <لا عدالة> في التمثيل النيابي وأخلّ بالتوازن الحقيقي بين المسلمين والمسيحيين الذي هدف إليه اتفاق الطائف، لأن عون يعتبر أن التوازن الفعلي لا يكون من حيث العدد، بل من حيث القدرة على ترجمة إرادة المشاركة الوطنية بعدالة ومساواة لتعطي النتائج الوطنية المنشودة منها. أما بالنسبة الى انتخاب رئيس الجمهورية من الشعب، فيعتبره العماد عون ضرورة يحتمها ميثاق العيش المشترك الذي اهتز مراراً بعد اتفاق الطائف، نتيجة الخلل في تمثيل الرئاسات الثلاث.
في أي حال، من الواضح انه بين حراك السفراء في الداخل والمواكب خارجياً من الدول الفاعلة، وبين طروحات العماد عون ثمة حلقة قد تبقى مفقودة الى إشعار آخر... هي رئاسة الجمهورية!