تحقيق صبحي منذر ياغي
انشغلت الاوساط الأمنية منذ مدة بالمعلومات حول قيام المخابرات الاميركية بالبحث والتحري عن اموال عراقية وكنز ذهبي عائدة للرئيس العراقي السابق صدام حسين أرسلت الى لبنان عام 2003 قبل سقوط النظام العراقي، ويصل المبلغ الى ما يقارب الـ 1,6 مليار دولار، إضافة الى كميات من السبائك الذهبية تردد ان زوجته اللبنانية سميرة شهبندر هي التي نقلتها الى لبنان.
حسب المعلومات الاميركية، ان هذا المبلغ نقل الى لبنان خلال الحرب على العراق عام 2003، عن طريق الحدود السورية - اللبنانية، بواسطة مهربين محترفين وهو موجود في مكان سري عند منطقة ريفية بقاعية، وجرى قبل ذلك سحب هذه الأموال النقدية من أرصدة الحكومة العراقية داخل الولايات المتحدة، على متن طائرات نقل طراز«سي 17»، تابعة للقوات الجوية إلى بغداد، علاوة على 5 مليارات دولار أرسلت عبر التحويل الإلكتروني، الا ان <ستيوارت بوين> الذي تم تعيينه عام 2004 مفتشاً خاصاً للتحقيق في شأن الفساد، وإهدار المال في العراق، هو الذي توصل فيما بعد الى معلومات حول اختفاء هذا المبلغ، وهذه الكميات من السبائك الذهبية.
وحسب ما يؤكده الزميل غسان الإمام في لندن، ان الكنز تصل قيمته إلى عشرين مليار دولار، بالإضافة إلى قطع ذهبية بقيمة مئتي مليون دولار. وهذا الكنز مفروض أن يكون مدفوناً في مكان ما (....) في لبنان. وأضاف مؤكداً: تبدأ حكاية الكنز في عام 2004، فقد شعرت إدارة الرئيس <جورج بوش> آنذاك أن النظام الشيعي القريب من إيران الذي أقامته في العراق، بعد إسقاط صدام حسين في العام السابق، بحاجة ماسة وفورية إلى ضخ المال في عروقه.
الحد من تبذير أموال العراق
وتابع الإمام: كان هناك أمام مجلس الكونغرس مشروع بتقديم مساعدة أميركية ضخمة إلى النظام العراقي الجديد. وأود أن أشير هنا إلى أن <كوفي أنان> الذي كان آنذاك أميناً عاماً للأمم المتحدة، طلب من مجلس الأمن فتح تحقيق في فضيحة اختلاسات ضخمة تورط فيها موظفو البرنامج من دول كبرى، كروسيا... والطريف أن الغرض من إنشاء البرنامج كان الحد من تبذير نظام صدام لأموال العراق على قصوره ومنتجعاته، وعلى شراء ذمم الأحزاب الفاشية الأوروبية، وأعوانه، ومرتزقته من ساسة وصحافيين عرب وأجانب، للدفاع عنه، منذ فرض العقوبات الدولية عليه، بعد طرد قواته من الكويت في عام 1991.
وأضيف فأقول (الكلام لغسان الإمام): إن التقديرات الأميركية لقيمة رشى صدام بلغت 10,1 مليار دولار، تلك التي تمكن من «نشلها» فقط من أصل 67 مليار دولار، أنفقها البرنامج منذ إنشائه في عام 1996/ 1997، إلى توقفه مع نشوب الحرب(2003).
وكانت المفاجأة الكبرى لإدارة <بوش> اكتشافها أن الأموال المحوَّلة لم تنفق على الإدارة العراقية، ولا على إعاشة ملايين العراقيين ولا لتسديد الرواتب المتأخرة، بل تواصل فقدان المال المحوَّل، بعد تشكيل الحكومة العراقية الثانية (برئاسة إبراهيم الجعفري وزير الخارجية الحالي)، ثم الثالثة (حكومة نوري المالكي).
بدلاً من تكليف المخابرات المركزية الأميركية <سي آي إيه> أو مكتب التحقيقات الفيدرالي (المباحث الجنائية <إف بي آي>)، عمد <بوش> إلى تكليف صديق شخصي له، من رجال الأعمال في تكساس هو <ستيوارت بوين> لمعرفة أين اختفت الأموال العراقية، بعد وصولها إلى بغداد.
وقال الامام: أبقى <بوين> تحقيق لجنته سرياً طوال عشر سنوات تقريباً! لم يتكلم قط، إلا في الأسابيع القليلة الماضية، ليعلن أنه أصيب بالذهول عندما اكتشف أن مليارات من الدولارات جرى تحويلها، بمعرفة الحكومات العراقية المتعاقبة في السنوات العشر الأخيرة، إلى لبنان. وبدلاً من إيداعها في المصارف رسمياً، فقد أودعت في مستودع محصن وضخم، تحت الأرض في الريف اللبناني!
<بوين> يملك الآن مستمسكات ووثائق حصل عليها في التحقيق، لنقل 1,2 إلى 1,6 مليار دولار فقط إلى لبنان. لكنه لا يملك إثباتات عن المليارات الأخرى التي تم نقلها، وذلك «لأسباب خارجة عن إرادتنا>!
أبلغ <بوين> المخابرات الأميركية الداخلية والخارجية نتائج تحقيقاته، طالباً منها مواصلة التحقيق. ويقول إن هذه الأجهزة المخيفة لم تحرك ساكناً. وتذرعت بأن «المال عراقي». وأضيف من عندي أن المخابرات الأميركية تعرف أن نهب النظام الشيعي العراقي لموارد العراق النفطية يفوق بكثير سقف النهب المروع في عهد صدام حسين.
ينوه <بوين> أيضاً بأنه تحدث إلى نوري المالكي بخصوص «الكنز» الذي نقل إلى لبنان، فلم يقم بأي تدبير لاستعادته، بل أبدى، في صدِّه وجفائه، استياءه من الطريقة العلنية التي نقلت بها أميركا المال إلى العراق! أكثر من ذلك، فقد رفضت السفارة الأميركية في <عوكر> التعاون مع محققي <بوين>، لمعرفة مكان المستودع، وحذرتهم من البحث عنه، ربما لأنها تعرف من دون أن تقول هي و<بوين> - إنه موجود في أرض يسيطر عليها حزب الله ورجال إيران في لبنان.
وحسب غسان الامام، ان الرفض الأميركي الرسمي للتعاون مع <بوين> في عهدي <بوش> و<أوباما> راجع إلى الأدب الأميركي في عدم إحراج النظام الإيراني، سواء أمام إسرائيل بخصوص الملف النووي، أو أمام النظام العراقي الذي أطلق حرية الميليشيات الشيعية العراقية الثلاث التي تديرها إيران، في العودة مع فلول الجيش العراقي، إلى غزو مناطق السنة، وارتكاب أعمال منافية لحقوق الإنسان فيها، بحجة مكافحة «داعش»، كالنهب، والترويع، والاعتداءات الجنسية، وتهجير السكان بالقوة.
وقد نقل <بوين> معلوماته إلى سعيد ميرزا النائب العام اللبناني سابقاً، فتظاهر باستعداده للتعاون. ثم ما لبث أن اعتذر! ربما بعد الاتصال مع السلطات التنفيذية والسياسية اللبنانية.
وفي معلومات خاصة لـ<الأفكار>، ان الرئيس صدام حسين كان منذ عام 1999 يحول الاموال الى لبنان لصالح زوجته اللبنانية سميرة الشهبندر، والدة ابنه (علي) التي كانت تقيم في بغداد، وكانت التحويلات تصل الى مسؤول في مؤسسة عامـــة في بيروت - ما زال في مركزه لليوم- (هناك وثائق صادرة عن المخابرات العراقية في تلك الفـــترة تؤكد تحويل الاموال لهذا المسؤول بالاسم).
وكانت المعلومات قد أكدت ان زوجة صدام حسين اللبنانية سميرة شهبندر جرى إبعادها من قبل صدام الى لبنان ايام الهجوم الاميركي على العراق عبر الحدود السورية اللبنانية، برفقة عدد من مرافقي صدام حسين، وتسلمتها مجموعة من المهربين من بينهم عدد من اللبنانيين الذين كانوا من حزب البعث العراقي، وجرى نقل الشهبندر الى لبنان، وبقيت في حماية شخصية لبنانية لفترة طويلة. وجرى إخفاء المبالغ المالية العائدة لها في مكان سري في البقاع مع كمية كبيرة من الذهب.
خاتم حمورابي
وكان جهاز أمني لبناني تبلغ معلومات وصلته مؤخراً ان من بين الاموال والسبائك الذهبية العائدة لصدام حسين، والتي أرسلت الى لبنان، خاتم أثري يقدر بملايين الدولارات، عائد للحقبة الاشورية القديمة في العراق، ويعرف بـ (خاتم حمورابي)، وهو موجود لدى شخص لبناني كان مسؤولاً سابقاً في احد الاحزاب الفاعلة، وغادر لبنان الى الخارج، وكلف أحد الاشخاص بمحاولة بيع هذا (الخاتم ) لتجار الآثار. وحصلت <الافكار> على صورة لهذا الخاتم التي عرضت على أحد تجار الأثريات، مع صورة عن تقرير أمني سابق عن جهاز المخابرات العراقية، يؤكد عملية تحويل الاموال الى لبنان لصالح زوجة الرئيس العراقي.
سميرة الشهبندر...
سميرة الشهبندر لبنانية من إحدى الأسر الغنية، كان والدها تاجراً، تعرف إليها صدام عام 1986 من خلال طباخه الأول كامل حنا، وتزوجها بالسر دون علم زوجته الأولى، وأنجبت له ابنه علي. هذا الزواج سبب خلافات في عائلة صدام حيث قام ابنه عدي بقتل الطباخ كامل حنا لأنه كان برأيه السبب في هذا الزواج.
وذكرت صحيفة <ذي صنداي تايمز> اللندنية أنها التقت زوجة صدام عن طريق وسيط بمساعدة أحد أقربائها في بغداد، حيث تم اللقاء بين الوسيط وسميرة الشهبندر داخل مطعم في مدينة بعلبك. وفي اللقاء تحدثت سميرة، الشقراء ذات العينين البنيتين، التي اعتبرت أقرب شخص الى صدام خلال سنوات حكمه الأخيرة، عن علاقتها بالرئيس العراقي السابق منذ البداية حتى مغادرتها الأراضي العراقية عن طريق سوريا برفقة ابنهما علي، الذي أصبح حالياً الابن الوحيد لصدام بعد مقتل عدي وقصي، ابنيه من زوجته الأولى ساجدة.
بكى صدام لأنه عرف
انهم خانوه
وروت سميرة كيف التقت صدام في بغداد يوم دخلتها القوات الأميركية في 9 نيسان (أبريل) 2002، وقالت انه أعد للحرب جيداً وكان واثقاً من النصر، لكنه مع ذلك رتب لها عدة بيوت سرية للإقامة، كان حراسه الشخصيون ينقلونها مع ابنها من منزل الى آخر. وقالت انها في بداية الحرب مكثت في منزل عند حي المنصور الفاخر في بغداد مع رجل وامرأة مسنين صديقين لوالدتها. بعدئذٍ، نُقلت إلى ديالا قرب بعقوبة وأقامت في منزل بلا تكييف، وظل حراس صدام يحضرون بلا سابق إنذار وينقلونهما من مكان إلى آخر، لكنهم في الأسبوع الثالث على الحرب أعادوهما إلى منزل آخر في حي المنصور، ما لبث صدام أن زارها فيه وهدّأ مخاوفها عقب الأنباء المزعجة التي كانت تسمعها من الإذاعات ومحطات التلفزيون، قائلاً انها أخبار سخيفة وأن لدى الجيش العراقي خطة لجر الأميركيين إلى بغداد والقضاء عليهم.
نحو الحدود السورية
وأضافت سميرة أن صدام عاد لاحقاً بعد الانهيار وظهر عليه اكتئاب شديد واختلى بها في غرفة جانبية وبكى منتحباً. وقالت انه <عرف أنهم خانوه>. لكنه طلب منها ألا تخاف وعانق علي وقبله وطلب منه أيضاً ألا يخاف، كان ذلك في آخر يوم ظهر فيه صدام علناً في بغداد، حيث ذكرت في حينه تقارير صحافية نقلاً عن سكان حي المنصور أنهم شاهدوه في الحي يوم سقوط المدينة.
عقب هذا اللقاء حضر حراس صدام وحملوها معهم في سيارة شحن صغيرة وانطلقوا نحو الحدود السورية، فيما كان ابنها علي يتبعها في سيارة أجرة (تاكسي). وذكرت سميرة أن قافلتها توقفت وسط الطريق في مكان لم تقدر على تحديده، إلا أنها تتذكر وجود مطعم ومسجد في المكان الذي جرى فيه آخر لقاء لها مع صدام.
وقالت أن صدام حضر إلى المكان بسيارة عادية متخفياً بلباس بدوي الى درجة أنها لم تتعرف عليه في البداية، لكنها أسرعت نحوه وعانقته. كان ذلك بعد سقوط بغداد بـ12 يوماً. وقالت انه <طلب منها ألا تسأل عن حاله، وأبلغها أن كل ما يريده هو أن تبقى سالمة، وسلمها حقيبة يد في داخلها خمسة ملايين دولار نقداً، فيما قام أحد مرافقيه بإدخال صندوق ثقيل إلى سيارة الشحن التي كانت تقلها، ثم قال لها صدام: <يمكنك استعمال محتويات هذا الصندوق إذا شعرت بحاجة إلى ذلك فعلاً>.
أمسك بيدها ووضعها فوق قلبه
ثم أمسك بيدها ووضعها فوق قلبه وقال لها ان كل شيء سيكون على ما يرام. وأضافت أنها بعد هذا اللقاء ظلت تبكي طوال الطريق حتى وصلت الى دمشق حيث مكثت ثمانية أيام قبل أن تنتقل إلى لبنان. وعندما فتحت الصندوق وجدت في داخله سبائك تزن 10 كيلوغرامات ذهباً تقدر قيمتها بنحو 85 ألف جنيه استرليني. وقالت انها عندما وصلت إلى الحدود اللبنانية تسلمت وابنها جوازي سفر جديدين يحمل الأول اسم خديجة والثاني اسم حسن. وأبلغت الصحيفة أن صدام ظل على اتصال بها طوال الوقت، مع أنه لم يكن يعطيها الكثير من التفاصيل أثناء مكالماته الهاتفية معها، وعندما كانت اتصالاته تنقطع كان يبعث لها برسالة خطية بعد يومين أو ثلاثة يشرح لها سبب عدم اتصاله.
وأوردت الصحيفة عن سميرة تفاصيل قصة زواجها من صدام، حيث قالت انها كانت متزوجة من طيار عراقي عندما وقع نظر صدام عليها في بداية الثمانينات الماضية، أثناء رحلة مدرسية شاركت فيها ابنته الصغرى. وقالت ان زواجها في تلك المرحلة كان يمر بصعوبات، وصودف أن سافر زوجها الذي أنجبت منه ولداً وبنتاً إلى الخارج، لتفاجأ بصدام وقد حضر لزيارتها في البيت حاملاً باقة من الورود. وقالت انها أدركت في تلك اللحظة أن الرجل وقع في حبها، وهكذا أصبحت خليلة له. ولاحقاً خطف صدام زوجها وأرغمـــه علـــى التنـــازل والطـــلاق، ثم عيّنــه في منصب عالٍ في <الخطوط الجويــــة العراقيـــة> لتتزوج هي من صدام.
وقالت سميرة ان زواج صدام منها أثار حفيظة زوجته ساجدة وأبنائهما، فاعتدى عدي على أحد مرافقي صدام وقتله أثناء حفلة استقبال رسمية أقيمت لزوجة الرئيس المصري سوزان مبارك، وقالت انه أقدم على ارتكاب هذه الجريمة لاعتقاده ان هذا المرافق كان الوسيط بينها وبين صدام. فغضب الرئيس وأمر بوضع ابنه في السجن عقاباً له على جريمته. لكنها قالت ان قصي الابن الثاني لصدام من ساجدة كان متفهماً لزواج أبيه منها وتقبل الأمر بكل هدوء لأنه اكتشف أن والده كان سعيداً.