بقلم خالد عوض
العيون مشدودة إلى اليونان وانتخاباتها المرتقبة يوم 25 كانون الثاني (يناير) الجاري. فصعود اليسار وتمكنه لاحقاً من تشكيل حكومة سيدخل اليونان في مفاوضات صعبة مع الإتحاد الأوروبي قد تؤدي إلى خروجها من <اليورو> والعودة إلى عملتها القديمة <الدراخما>. وبينما كانت ألمانيا تعارض بشدة منذ سنتين أي كلام عن خروج اليونان من منطقة <اليورو>، أعلنت المستشارة الألمانية <انجيلا ميركل> منذ أيام انها لن تكون ضد ذلك ان كان هذا هو خيار اليونانيين. والتحول في الموقف الألماني يعود إلى عدة أسباب:
1- كلفة خروج اليونان من منطقة <اليورو> أصبحت أقل من بقائها فيها. البلاد بحاجة إلى مزيد من الديون والحالة السياسية الداخلية تنذر بكساد حقيقي وانكماش اقتصادي سنة 2015.
2- لن تلحق اليونان أي دولة أوروبية أخرى لأن معظم الدول التي كانت تعاني من أزمة مالية في طريقها إلى التعافي. كان الخوف في السابق ان تتدحرج كرة الخروج من <اليورو> إلى البرتغال وايرلندا ولكن الدولتين في حالة مالية وسياسية مستقرة نسبياً وليستا في وارد العودة إلى عملتيهما السابقتين.
3- اليونان لم تتعاطَ بجدية مع المعايير المالية الأوروبية خاصة في مسألة العجز في الموازنة. وهناك تذمر ألماني متفاقم من نقص الشفافية في المالية اليونانية وفشل الحكومة بالقيام بإصلاحات تحد من الفساد.
مهما افضت الأحوال في اليونان نهاية هذا الشهر، فإن الأزمة هناك لن تحوّل إلى أزمة أوروبية. ولكن العبرة الحقيقية هي في كيفية تعامل الأسواق المالية مع اليونان التي وصلت نسبة دينها العام من الناتج المحلي إلى160 بالمئة، وهي فوائد ستضطر اليونان إلى القبول بها للحصول على مزيد من القروض؟ أو انها ستطبع <الدراخما> وتتجه إلى تضخم غير مسبوق؟
الحالة اليونانية تهم لبنان بشكل مباشر لأن الأسواق المالية ستتعامل معنا بالنظارات اليونانية. أوجه الشبه كثيرة: لا نمو اقتصادياً يذكر. نسبة الدين العام من الناتج المحلي تناهز 140 بالمئة وتتصاعد. الفساد ضرب أطنابه. الأزمة السياسية معقدة والمجلس النيابي الممدد لنفسه عاجز عن انتخاب رئيس، لا بل عندنا ما هو أسوأ من اليونان من ناحية غياب الشفافية: لا موازنة منذ عشر سنوات.
ماذا يعني كل ذلك؟ كلفة الاستدانة عام 2015 لن تكون كما كانت في السنوات الثلاث الماضية رغم كل التخبط السياسي الذي مررنا به. يمكن ان نرى فوائد تصل الى 8 بالمئة على سندات الخزينة هذا العام خاصة إذا ارتفعت الفوائد على الدولار مع الصيف. هذا يمكن ان يؤدي إلى نمو في زيادة الدين العام وخدمته وبالتالي العجز السنوي، واضطرار الحكومة إلى استحداث واردات إضافية عن طريق رفع الضرائب. انسوا السلسلة في الوقت الحاضر. إقرارها سيصعّب كثيراً الاستدانة. وإلى ان يتبين حجم التراجع في تحويلات اللبنانيين من الخليج بسبب تراجع أسعار النفط ستراقب المصارف اللبنانية عن كثب مستوى العجز في الميزانية لتقرر حجم التمويل الذي يمكن ان توفره ومستوى الفوائد الذي ستقبل به. هذا ما يفسر هرولة وزير المال الى إقرار بعض الضرائب والحراك المستجد في ملف النفط.
ليس الحق على اليونان. ومن غير المجدي لوم الطقم السياسي والنظام الطائفي وإلى ما هنالك. حتى الفساد ميؤوس من الحرب عليه رغم ما بدأه الوزير أبو فاعور. فجأة أصبحت المشكلة في أسلوب الوزير <الاستعراضي> وليس في لبّ المشكلة التي يتصدى لها. وزير المال يبشرنا من الجمارك بإشعاعات نووية علّها تنسينا عجزه عن القيام بكل ما وعد به من إصلاحات. هذا هو الاستعراض بذاته وليس ما يقوم به وزير الصحة. الجمارك ضبطت شحنة غير مطابقة للمواصفات. أين الغريب؟ وأين البطولة؟ أرأيتم حجم الأغراض التي تم عرضها في المرفأ؟ هل عرفتم اسم المستورد؟ لا يكفي مؤتمر صحافي لينسينا ورشة محاربة الفساد التي وعد بها وزير المال.
المشكلة في عدم قدرة اللبنانيين على التمييز بين الصح والخطأ.
آلان حكيم على خطأ. عندما تكون المشكلة في غذاء الناس والنتيجة وعي استثنائي في القطاع الخاص لا يمكن إلا انتقاد أسلوب الوزير.
وزير المال لم يقم بما وعد به. لا تكفي بعض الصحون المشعة لتمحو ذلك.
وزير الصحة على حق في مسألة الغذاء، ولكنه مقصر لأن وزارته وافقت على ترخيص مصنع طحن <الكلينكر> الاسمنتي في زحلة تماماً كوزارة الصناعة ووزارة البيئة. الوزارات الثلاث مشتركة في منح الترخيص بسرعة قياسية.
عندما نحاسب الوزراء بالمقياس المجرد للصح والخطأ، نكون على خطى مختلفة عن اليونان. ليس هذا ما يحصل اليوم. راقبوا اليونان إذا أردتم ان تعرفوا مستوى الفوائد التي سنضطر إلى استدانتها هذه السنة.