منذ فترة يلاحظ متابعون "تناغماً" بين المواقف التي تصدر عن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ورئيس "القوات اللبنانية" الدكتور سمير جعجع في عناوين عريضة تركز على "محور الممانعة " وما يسمى بــ "هيمنة" المشروع الايراني على لبنان. والتقى جنبلاط وجعجع في تصاريحهما التصعيدية عند "مواجهة" التوجهات الايرانية والحديث عن ان لبنان اصبح "منصة صواريخ". كذلك التقى الرجلان، كل من موقعه ومن دون تنسيق مسبق او معلن، على دعوة الرئيس سعد الحريري الى الاعتذار عن عدم تشكيل الحكومة والالتحاق بصفوف المعارضة، تاركاً لــ "محور الممانعة" مسؤولية ادارة شؤون البلاد من خلال تشكيل حكومة من لون واحد مماثلة لحكومة الرئيس حسان دياب طالما ان تشكيل حكومة اختصاصيين مستبعد في الوقت الحاضر نتيجة رفض معلن من "التيار الوطني الحر" وغير معلن من حزب الله.
كذلك يلاحظ المتابعون ان ما يقوله جعجع في هذا التوجه يقول مثله جنبلاط وإن كان بأسلوبه الخاص الذي يتميز به عن سائر القيادات السياسية اللبنانية، الامر الذي طرح اكثر من سؤال حول امكانية التقاء جنبلاط وجعجع في وضع يتجاوب تقارب الافكار والمواقف، الى اكثر من ذلك اي ما تردد في الآونة الاخيرة عن وجود رغبة في قيام "جبهة وطنية عريضة" تناهض الحكم القائم "المستقوي" بالتحالف بين "التيار الوطني الحر" وحزب الله، مع كلام كثير عن وجود مساع في هذا الاتجاه لم يتبناها احد حتى الآن، باستثناء الالتقاء على دعوة رئيس الجمهورية العمــــاد ميشال عون الى "التنحي" او "الاستقالة" حيناً، او الدعوة الى اسقاط "المنظومة" كلها من فوق الى تحت، بدءاً من بعبدا وانتهاء بسكان ساحة النجمة!.
تسارع مصادر الحزب الاشتراكي الى القول إن الحزب ليس في وارد قيام "جبهة" بالمعنى السياسي للكلمة بل تكوين رأي عام وطني من دون اطار منظم يقوم على ثوابت سيادية عريضة هدفها تحقيق عزلة لبنان وعودة انفتاحه على بعده العربي والمجتمع الدولي، وفي كلام جنبلاط اشارات واضحة الى هذا التوجه لرصد ردود الفعل وذلك للخروج من الانقسامات الداخلية الصغيرة وتأمين نوع من الرأي العام الداخلي المشترك حول الخطوط العريضة بعيداً عن لغة التخوين، وتحقيق معارضة داخلية مكونة من اصوات في كل الاماكن تعمل على الحفاظ على مصلحة لبنان الوطنية وتوازنه وانفتاحه وعلى صيغته الفريدة التي تكاد تصبح في خطر. وما يعزز هذا التوجه، في رأي المصادر نفسها، ان لا مؤشرات مشجعة حول الموضوع الحكومي الذي لا يزال يراوح مكانه على رغم ان الرئيس المكلف سعد الحريري يتحدث عن حكومة قد لا تملك قراراً في السياسة الخارجية والاصلاحات الداخلية، وفي مثل هذه الحالة ما هي الفائدة من تشكيل هكذا حكومة....
الا ان المصادر الاشتراكية لا تخفي وجود تباين في بعض المواقف بينها وبين "القوات اللبنانية" على رغم التقاطع الظاهر بين الطرفين في ملفات عدة منها حماية لبنان والوحدة الوطنية وتحييد البلاد عن الصراعات وعدم ابقاء لبنان رهينة صراع اقليمي، وتضيف: "نتحدث نحن والقوات في هذه المواضيع المشتركة، لكن الاتفاق حول المخارج لم يتظهر حتى الآن، ونتباين في الخيارات المطروحة حول ملفات عدة ابرزها قانون الانتخاب وموضوع استقالة رئيس الجمهورية". وفي هذا السياق ترى المصادر الاشتراكية ان المطلوب عموماً لجمع القوى السيادية تنسيق اكبر او اعادة صياغة في بعض المواضيع وتحديد النقاط الاساسية والاهداف المشتركة، حتى لا يكون لكل فريق منحى خاص به بل التوصل الى عناوين موحدة للحفاظ على البلد. وتحتاج الترجمة الى نقاش في كثير من المواضيع علماً ان العناوين السيادية متقاربة، لكن هناك ضرورة في الاتفاق على ترجمة مشتركة فيما تختلف الظروف وبعض الاهداف في بعض الاحيان".
ملاحظات "القوات"
على الضفة الاخرى، اي "القوات اللبنانية" ثمة من يتحدث بارتياح عن مواقف جنبلاط وتلاقيها مع مواقف معراب في كثير من المواضيع. وتقول مصادر قواتية في هذا السياق إن المواقف متشابهة بين "القوات" والاشتراكي سواء في الموضوع الاقليمي او الوضع الحكومي في ما يتعلق بدعوة الرئيس المكلف الى التموضع في المعارضة وترك الفريق الحاكم يشكل حكومة بمفرده. وقد استقالت القوات من الحكومة منذ سنة واربعة اشهر وقالت بأن يتولى فريق الممانعة مسؤولية الحكم بنفسه. ويكمن الفارق بين الموقف القواتي وموقف الاشتراكي في هذا الملف، في نظرة الاخير الى المشاركة في الحكومة مع تيار المستقبل، حيث يتحدث مع الرئيس المكلف ويتشاور معه في اختيار الشخصية الوزارية التي ستمثل الدروز من خلال تسمية احد المناصرين. وتعود طريقة تعامل الاشتراكي مع الملف الحكومي ربما الى هواجس بشأن الحفاظ على تمثيل الدروز في الدولة، لكن جنبلاط يؤمن بما تؤمن به "القوات" في الموضوع الحكومي ولا تباين في العناوين العريضة. وترى المصادر نفسها ان الحريري ليس في وارد الانسحاب من المشهد الحكومي في وقت لا تراهن القوات على فكرة منح فرص والاتفاق على حكومة مع الثلاثي الحاكم. وتأمل تشكيل معارضة مع جنبلاط لكنها ترى انه يتردد في الوقوف بشكل واضح وصريح الى جانب القوات اللبنانية، وذلك ربما يرتبط بحسابات معينة، على رغم الايمان بالقضايا الكبرى نفسها رغم التباين في وجهات النظر حول بعض التفاصيل الداخلية كالنظرة الى الادارة وحجم اللامركزية، وهي كلها مسائل قابلة للمعالجة باعتبار ان العناوين الكبرى تجمع الفريقين.
ولأن التباين الابرز يدور حول قانون الانتخاب، فإن مصادر "القوات" ترى ان اجراء انتخابات نيابية وفق القانون الحالي عنصر قوة بالنسبة الى الكتل السيادية التي تؤمن بلبنان حر ومستقل ولن تشكل خطراً على الاشتراكي وموقعه. لا يجب القلق من تحرر الصوت المسيحي لأن صوته سيادي، فيما قانون الدائرة الواحدة سيؤدي الى مصادرة هذا الصوت السيادي الذي يرفض ربط لبنان بالصراعات والمحاور، في وقت ترى الاكثرية الحاكمة اليوم ان الرأي العام المسيحي تبدل نحو تحول جذري لا يؤيد حزب الله. لا بد من توحيد الصوت السيادي والعريضة الوطنية غير كافية وحدها. ومن المهم الاتفاق على الاسس المستقبلية المرتبطة بالسنوات المقبلة، خصوصاً ان معاودة انتخاب رئيس جديد من اتجاه رئيس الجمهورية الحالي ميشال عون لن تؤدي الى اي فائدة، فيما المطلوب اكثرية نيابية سيادية والا ستبقى الامور تراوح مكانها.
في اي حال، "التناغم القواتي - الاشتراكي" يبقى في اطار التلاقي على "القطعة" ومن الصعب راهناً ان يصبح تلاقياً متكاملاً...