الطفيل، بلدة لبنانية ليست جزيرة مقطوعة عن العالم ولا مكاناً يقع عند اطراف الكرة الارضية، بل هي بقعة جغرافية لبنانية معزولة عن وطنها الأم والمحرومة من ابسط مقومات الحياة. بلدة تبدو وكأنها من خارج الزمن لا أمن فيها ولا امان، وحده الله حارسها ووحدها الارادة هي من تُبقي ناسها على قيد الحياة.
الطفيل هي قرية لبنانية تردد اسمها بكثرة في الآونة الأخيرة عبر وسائل الإعلام وفي الاوساط الأمنية نظراً للموقع الجغرافي الذي تحتله هذه القرية اللبنانية عند آخر نقطة في الداخل السوري اضافة للدور الذي تلعبه في ظل الأزمة التي تشهدها سورية، وهي تتبع لقضاء بعلبك في محافظة البقاع، وتقع على الحدود بين لبنان وسورية وتمتد في الداخل السوري في منخفض بين جرود السلسلة الشرقية ، وترتفع حوالى 1700 متر عن سطح البحر ويقدر عدد سكانها بــ 5000 نسمة من طوائف مختلفة بينما يقدر عدد النازحين إليها من بلدات القلمون بحوالى 10000 نسمة معظمهم من أهالي عسال الورد، الجبة، حوش عرب وسهل رنكوس. ورغم انها لبنانية واهلها يحملون هوية بلدهم فإن العملة التي يتم التداول بها هي الليرة السورية.
هنا الطفيل، هنا البلدة لم يسمع أحد عنها طوال عقود من الزمن ومنذ تاريخ قيام الجمهورية اللبنانية، وتقع على الحدود اللبنانية مع سوريا، شاءت الجغرافيا أن تكون متداخلة بين الأراضي السورية واللبنانية. وللطفيل طريق وحيد يربطها بسوريا على الرغم من أنها لبنانية، كل شيء فيها يوحي بأنها سورية: لهجة الاهالي، اقتصادها الذي يعتمد على الداخل السوري، حتى انها تستمد إنارتها من سوريا اضافة الى التعليم، وإن سألت عن الرابط بينها وبين لبنان فستجد ان طريقاً ترابياً وعراً يمتد طوله لأكثر من 22 كيلومتراً هو الذي يربط هذه البلدة بأقرب نقطة لبنانية هي قرية بريتال البقاعية.
ومنذ اندلاع الازمة السورية وسيطرة المعارضة السورية على منطقة القلمون في ريف دمشق، اتخذت الاوضاع في بلدة الطفيل اتجاهاً آخر متعاطفاً مع المعارضة السورية، فكانت البلدة طريقاً لتهريب السلاح والمسلحين، الى قريتي <رنكوس> و<عسال الورد>، حتى ان المسلحين الذين فروّا في الفترة الاخيرة خلال معارك القلمون لجأوا الى جرود الطفيل وذلك بحسب الروايات التي يتناقلها عدد من اهالي القرى البقاعية وفي طليعتهم بريتال لسبب أن الجيش النظامي السوري لا يمكنه التوغل داخل ا
لاراضي اللبنانية، فشكلت مكاناً آمناً لهم.
الدولة اللبنانية تفك عزلة الطفيل بعد غياب!
الاسبوع ما قبل الماضي شعر اهالي الطفيل بعودتهم الى حضن وطنهم بعدما كسرت الدولة على قريتهم فدخلها الجيش اللبناني برفقة القوى الامنية عبر طريق فرعية تربطها ببلدة بريتال حاملين المساعدات الغذائية والطبية والعينية إلى اهاليها المحاصرين بإشراف الهيئة العليا للإغاثة التي يرئسها الدكتور محمد خير، واتحاد الجمعيات الإغاثية اللبنانية ودار الإفتاء في الجمهورية اللبنانية. وقد تضمّنت هذه المساعدات مواد غذائية ومازوتاً وخياماً ومواد لوجستية وطبية وعدداً من الصهاريج تحمل 6000 ليتر من مادة المازوت، إضافة الى 2000 بطانية ومستشفى ميداني لإسعاف عدد من الجرحى.
اجتماع أمني سبق موعد الدخول
قبل يومين من موعد الانطلاق نحو الطفيل كانت وزارة الداخلية والبلديات قد شهدت اجتماعاً امنياً جمع بالإضافة إلى الوزير نهاد المشنوق وقادة الأجهزة الأمنية كلاً من رئيس وحدة الامن والارتباط في حزب الله وفيق صفا والمستشار الامني للرئيس نبيه بري أحمد بعلبكي حيث تم التباحث خلاله في أفضل السبل التي تطلق العمل بها لإجلاء اللبنانيين من الطفيل إلى داخل الأراضي اللبنانية وتقديم المساعدات لهم بالشكل الذي يحافظ على سلامتهم وبدت الخطوة وكأنها استكمال للخطة الأمنية والانتشار الواسع الذي كان الجيش نفذه في العديد من القرى والبلدات البقاعية واللبنانية، حيث كان من أبرز ما تمّ الاتفاق عليه هو انتشار الجيش اللبناني على طول الطريق الترابية التي سيسلكها لبنانيو الطفيل، بالإضافة إلى حواجز مؤقتة تتولى تفتيش الوافدين من أجل الحفاظ على امنهم وسلامتهم.
وقبل ان يدخل الجيش والقوى الامنية الى الطفيل كان اهالي بريتال يعقدون لقاءً داخل مسجد البلدة قرروا خلاله التريّث في قطع الطريق جرود بريتال - عين البنية، على المساعدات المقررة لأهالي قرية الطفيل، لمدة ثلاثة أيام ريثما يتم الكشف عن مصير ياسر علي غنام اسماعيل الذي خطف منذ 6 أشهر عن طريق الطفيل رغم ان العديد من اهالي بريتال يؤكدون أن بعض شبان الطفيل قد انخرطوا في صفوف المجموعات المسلحة، بسبب ايمانهم بمشروع المعارضة السورية المسلّحة او ربم
بدوره يؤكد مصدر مسؤول في حزب الله أنّ الحزب أبدى إيجابية في التنسيق والتعاون مع الجهات المعنية في الدولة وذلك في سبيل الحفاظ على حياة المواطنين اللبنانيين وسلامتهم في الطفيل وهو الذي يعتبر أنّ هذه المهمة هي من أولى واجباته... ولكن وفي الجهة الاخرى فإنّ الأحداث الامنية الأخيرة التي شهدها البقاع والتي كان لها بالغ الأثر على المنطقة فرضت حذراً في التعامل مع الموضوع خوفاً من تسلل ارهابيين او سيارات مفخخة وما الى ذلك، وان أي اجراءات يطالب بها حزب الله هدفها الاول والأساسي الحفاظ على سلامة الأراضي اللبنانية واللبنانيين والجيش، لافتاً إلى أن ما حصل في البقاع لاسيما في القرى اللبنانية المحاذية للحدود السورية من خروقات أمنية واستهداف علني يفرض هذا النوع من الإجراءات>.ا لحماية اهاليها من القتل وأن بعض السيارات المفخخة مرت من الطفيل الى لبنان بعد خروجها من رنكوس السورية.
المشنوق يوضح اسباب اجتماعه بصفا
ومن المعروف انه وبُعيد لقائه بالحاج وفيق صفا خلال الاجتماع الامني في وزارة الداخلية تلقى الوزير نهاد المشنوق سيلاً من الرسائل المعترضة على وجود الاول داخل الاجتماع ورد الأخير بالقول ان <الخطة تهدف الى تخليص اللبنانيين الموجودين في المنطقة قدر الامكان من هذا الحريق سواء جاء من المعارضة ام من النظام وان التنسيق مع حزب الله يأتي انطلاقاً من كون الحزب جزءاً من الاشتباك داخل سوريا وغير ممكن تنفيذ خطة من هذا النوع دون التنسيق معه لأن له وجوداً عسكرياً في المناطق السورية>، وأضاف: <هناك ضرورة للتنسيق مع حزب الله للحرص على سلامة اللبنانيين في تلك المناطق، وممثل الحزب في الاجتماع ابدى ايجابية وحرصاً على أمن اللبنانيين الموجودين في قرية الطفيل>.
الصلح لـ<لأفكار>: لحماية اهالي الطفيل داخـــل ارضهم
وطالب المفتي الصلح <بمتابعة ما اتخذه مجلس الوزراء من قرار في تأمين حماية المواطنين في أرضهم، لا نقلهم وتهجيرهم الى الداخل اللبناني، والعمل على تأمين طريق آمنة لعودة النازحين من الطفيل الى ديارهم ووطنهم وتأمين وصول المزيد من المساعدات عن طريق القوى الأمنية والعسكرية لا سيما وإننا قمنا قبل عدة سنوات وبالحد الادنى بتأمين المساعدات التي تم نقلها وتوزيعها آنذاك في بلدة الطفيل عبر الجيش اللبناني. ولأننا نعلم أن المعاناة أكبر من وصفها، سنعمل جاهدين بإذن الله تعالى لايصال صوت الطفيل واهلها الى كل المعنيين في دولتنا التي تشهد صراعات سياسية نأمل أن تنتهي لما فيه مصلحة للوطن وللمواطن، وذلك لكي يضعوا نصب أعينهم الطفيل التي هي بحاجة الى انتفاضة الوزارات، وخصوصاً الأشغال العامة والطاقة والكهرباء والتربية والتعليم وغيرها من الوزارات لتثبيتها على خارطة الوطن>.وانطلاقاً من جملة اكد فيها الوزير المشنوق أنه <سيقوم بأي شيء منطقي وعملي حتى ينقذ أهالي بلدة الطفيل الحدودية من المأساة التي قد يتعرضون لها>، ناشد مفتي بعلبك الهرمل الشيخ خالد الصلح الرؤساء الثلاثة وكل المعنيين، <الحفاظ على تثبيت أهلنا في بلدة الطفيل اللبنانية في قريتهم التي تقع على بعد أقل من ثلاثة كيلومترات من الحدود السورية، والمطلوب اليوم أمام ما يحصل من تهجير ومن هدم للمنازل واعتداء على الآمنين، ان يتوجه رئيس الجمهورية برسالة الى مجلس الأمن، إذ ان الأطفال يُقتلون دون ذنب هناك وهي اراضٍ لبنانية يُعتدى عليها ولا ندري بأي حجة>.
مختار الطفيل: عتبنا على حزب الله
يُقال ان اهل مكّة ادرى بشعابها. ومن ادرى بشعاب الطفيل من مختارها علي الشوم الذي تحدث لـ<الأفكار> عن المصاعب التي يواجهها الاهالي في ظل الظروف الصعبة التي تعيشها هذه البلدة الحدودية. يقول الشوم بداية: <الدولة اللبنانية غائبة تماماً عن الطفيل ما عدا في موسم الانتخابات والاهالي بأكثريتهم الساحقة يصوتون لكتلة <الوفاء للمقاومة> في كل انتخابات يشاركون فيها، لكن لديهم عتب كبير على حزب الله، إذ إن أي نائب لهم لم يزرهم طوال عمر الازمة السورية للاطمئنان عليهم او مساعدتهم>.
وعن خطة الدولة لفتح طريق للقرية لاخراج الاهالي منها، يقول الشوم ان الدولة تأخرت كثيراً، لكن <ان تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي، فالاهالي يشعرون بغصة بسبب اهمال الدولة لهم، لأن الدخول الى لبنان يحتاج الى عبور الاراضي السورية على الرغم من أنّ أبسط حقوق المواطن في اي دولة ان تكون هناك طريق للتنقل داخل بلده، لا ان يجتاز حدود بلد آخر للدخول الى اراضي بلده>. ويؤكد انهم <بحاجة الى مساعدات عاجلة من مواد غذائية وطبية وغيرها، فالوضع في البلدة هذه الايام غير مستقر، والاهالي يعيشون حالة قلق دائم، ومنهم من يريد المغادرة ومنهم من لا يريد ذلك>.
ويُتابع الشوم: المعاناة التي ليس لها حدود، تبدأ بالطريق. ومطلبنا الأول الذي نادينا به منذ ان نال لبنان استقلاله وما زلنا مصرين عليه، هو الطريق ومن ثم الطريق الذي يبقى الشريان الحيوي الذي يصلنا بالوطن. لأنه حين نريد الوصول الى الوطن، علينا قطع مسافة تصل الى نحو 150 كلم عبر الأراضي السورية، فيما المسافة التي تصلنا بالوطن لا تتجاوز الـ 22 كلم. وسأل: لماذا لم تتحرك الدولة، وهل هي عاجزة عن تأمين الموارد المطلوبة لتأهيل الطريق لا سيما وأن الرئيس نجيب ميقاتي حين كان وزيراً للأشغال العامة السابق قبل سنوات عديدة، وعد بأنه سيعمل لشق الطريق وتأهيلها وتعبيدها لتصبح الطفيل جزءاً من الوطن؟ فمتى؟.
كما ناشد وزير الطاقة والمياه معالجة مسألة المياه في القرية. فمنذ سنوات تم حفر بئر ارتوازية قدرت بـ 7 إنش، لكن حتى الآن لم يتم تزويد البئر بمولد للكهرباء لضخ المياه في خزان أعد لهذه الغاية ومنه للقرية، لاسيما أن مياه عين الضيعة ملوثة ولا تصلح للشرب ما يُحمّل الأهالي أعباء اضافية في شراء المياه من الجوار بسعر يصل الى 500 ليرة سورية.
الطلاب يهجرون مدرستهم
يرفض مدير مدرسة الطفيل محمود الشوم الحديث معنا عبر الهاتف فبرأيه ان الشكوى لغير الله مذلّة خصوصاً وانها المرّة الالف التي يُناشد بها الدولة اللبنانية عبر وسائل الاعلام للقيام بواجباتها تجاه هذه البلدة الحدودية، <التواصل مع وزارة التربية والتعليم العالي في لبنان يتم مرة واحدة لا أكثر في العام الدراسي>. فجأة ينقطع الاتصال، هناك من نصحنا الاتصال به على الرقم السوري، هي مخابرة دولية داخل بلد واحد فيُعيد على مسمعنا <أن المدرسة فتحت ابوابها وهي تضم في صفوفها مرحلتي الروضات والابتدائي للعام الدراسي الحالي. وقد سجل فيها ستون طالباً وطالبة ويوجد فيها مدير وأربعة معلمين. أما لصفوف المتوسط والثانوي، فالعدد الأكبر من طلاب القرية انتقلوا مع أهاليهم الى القرى السورية المجاورة للحدود لتحصيل علمهم>.
ينتهي النهار ولا ينتهي الحديث عن بقعة ارض منسية عند أطراف حدود هذا الوطن، ينتهي الحديث وتنتهي المساعدات ومعها ينتهي الدوام الرسمي لمدرسة الطفيل، لكن القصف على البلدة وأطرافها وحده لا ينتهي رغم الاصوات المرتفعة والتي تؤكد ان لا إرهابيين ولا مجرمين ولا مطلوبين هنا. وحده الموت يطوّقهم من الجهات الاربع، ووحدها الوثائق تؤكد أنهم لبنانيون مثلنا لكن الى ان ينالوا هويّات تؤكد مواطنيّتهم لا بد من الوقوف عند جملة وجّهها أحد الرعاة في الطفيل الى الدولة اللبنانية <زوروني كل سنة مرة>.