بقلم علي الحسيني
[caption id="attachment_78806" align="alignleft" width="333"]
بعد هدوء استمر لفترة طويلة من الزمن، عادت الهتافات المُطالبة برحيل الرئيس السوري بشّار الأسد لتصدح مُجدّداً في سوريا وتحديداً في مدينة السويداء، من خلال تظاهرات سلميّة استعادت مشاهد من بدايات الثورة يوم نزل الشعب السوري إلى الشوارع ليهتف "يلا إرحل يا بشّار" احتجاجاً على تردّي الأوضاع المعيشيّة والإقتصادية والإجتماعيّة.
السويداء للأسد.. إرحل
تعود اليوم الدعوات المطالبة برحيل الرئيس السوري الأسد من منطقة سوريّة ينتمي معظم سُكّانها لطائفة الموحدين الدروز، مما استدعى النظام السوري ومجموعات مؤيدة له تمتد من سوريا إلى لبنان، إلى تسييس هذه التظاهرات نظراً للعلاقة الوثيقة التي تربط أهالي السويداء برئيس الحزب "التقدمي الإشتراكي" وليد جنبلاط الخصم اللدود للنظام السوري الذي كان رد في أحد جوانب معاركه السياسيّة مع زعيم الجبل، بارتكاب مجزرة مروّعة في السويداء. وكانت تلك المجزرة بمنزلة رسالة ثنائية لجنبلاط عموماً، ولأهالي السويداء على وجه الخصوص، بهدف تطويعهما والوقوف إلى جانبه في المعارك التي يخوضها ضد الفصائل المُسلّحة.ثمة من يسأل حول طبيعة الأسباب التي أدت إلى عودة مشاهد الغضب في العديد من المُدن والقرى السوريّة، خصوصاً وأن النظام السوري وكما بات معروفاً، يُسيطر اليوم على مساحات كبيرة من الجغرافيا السورية، كانت تخضع خلال السنوات الماضية، للجماعات المسلّحة. الإجابة تتعلّق بالوضع الإقتصادي طبعاً والذي وصل إلى الحضيض خصوصاً بعدما لامس سعر الدولار عتبة الـ 3200 ليرة سورية وذلك لأوّل مرّة في تاريخه، الأمر الذي انعكس على المعيشة بشكل عام مما أدّى إلى خروج العديد من الأهالي في أكثر من بلدة ومدينة، للتعبير عن غضبهم، وعلى رأسهم مدينة السويداء التي لطالما حاولت في الماضي، النأي بنفسها عن كل الصراعات السياسيّة سابقاً.
قتل ونهب واغتصاب.. من المسؤول؟
[caption id="attachment_78807" align="alignleft" width="444"]
وتكشف المصادر أن إستهداف السويداء وأهلها على يد النظام السوري، هو بمنزلة تدفيعها ثمن حياديتها عن كل ما حصل منذ بداية الثورة وقرارها بعدم إتخاذ أي موقف مُعاد ضد أي جهة، وذلك في وقت كان وما زال النظام يحاول عبثاً جرّها إلى المستنقع الذي يغرق فيه، بهدف توريط "الدروز" في حروب أهليّة سواء مع أهالي درعا مثل ما حصل في أذار الماضي، أو مع أهالي بلدتي القريّا وجرمانا. واللافت أنه في كانون الثاني الماضي، كانت وكالة "سانا" التابعة للنظام السوري، أوّل من نقل التظاهرة، وهي من المرّات النادرة التي تُغطّي فيها حدث كهذا، خصوصاً وأنه موجّه ضد الدولة والحكومة السوريّة.
وخلال اليومين الماضيين، أورد الإعلام المؤيّد للرئيس السوري، معلومات تقول بوجود "مندّسين" بين المتظاهرين في السويداء، يقومون بتحويل التظاهرات من مطالب معيشيّة مُحقّة إلى الدعوات لإسقاط النظام، في محاولة للعودة بسوريا إلى العام 2011، يوم تحوّلت التظاهرات من شعبيّة سلميّة، إلى مشروع حرب لم تنته آثاره بعد.
تحريض ضد جنبلاط
[caption id="attachment_78809" align="alignleft" width="335"]
هنا تكشف مصادر موثوقة لـ"الافكار" أنه في عزّ الغليان الذي تعيشه السويداء وعودة الشعارات الداعية لرحيل النظام السوري، ثمّة سيارة لسياسي لبناني ينتمي للطائفة الدرزيّة، كانت عبرت الحدود اللبنانية في منتصف الاسبوع الماضي إلى الداخل السوري، حيث التقت هذه الشخصيّة برئيس جهاز الأمن الوطني محمد ديب زيتون الذي حلّ مؤخراً بديلاً للواء علي مملوك الذي ترفّع بدوره إلى منصب نائب للرئيس السوري.
وتكشف المصادر أن الشخصيّة وصلت إلى دمشق حاملة في جعبتها مجموعة اتهامات ومطالب، أبرزها اتهام جنبلاط شخصيّاً، بالوقوف وراء تظاهرات السويداء بمعاونة بعض القياديين من داخل حزبه عن طريق التواصل مع عدد من الناشطين في السويداء، وذلك تماهياً مع التحريضات التي تقوم بها إسرائيل ضد النظام السوري عبر مجموعات ناشطة من دروز إسرائيل، ودائماً بحسب الشخصيّة السياسيّة "ابو العُرّيف" كما تُسميها المصادر.
[caption id="attachment_78811" align="alignleft" width="363"]
الفقر يبلغ ذروته.. وجندي يُطالب بإعدامه
[caption id="attachment_78810" align="alignleft" width="258"]
تشير إحصائيات نشرتها صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، إلى أن الحرب المستمرة قضت على الطبقة المتوسطة، وتوسعت الثغرة القائمة أصلاً، بين الفقير والغني داخل سوريا، وباتت نسبة 80 في المئة من السكان، على الأقل، تعيش تحت خط الفقر، بموازاة تركز الثروة في أيدي عدد من الشخصيات التي تملك الثروة في البلاد، وتقدم الدعم المالي للنظام، وتسهم في بقائه في الحكم، بأساليب أسهمت في انهيار ما تبقى من اقتصاد البلاد، والذي لم يعد سوى هيكل عظمي عما كان قبل الحرب.
هذا الواقع انعكس بشكل علني على وسائل التواصل الاجتماعي في سوريا من خلال مطالبة عنصر في الجيش السوري بإعدامه، وذلك بسبب رفض المسؤولين تقديم العلاج له عقب إصابته بالشلل قبل سنوات. وكتب المجند السابق بشير يوسف هارون، الذي أصيب بشلل رباعي وكان التقى مع الأسد وزوجته أسماء في وقت سابق، منشوراً طويلاً عبر صفحته على "فايسبوك" يقول: اقطعوا عنا الهواء، عاملونا كحصان السباق الذي إذا أصيب أطلقوا عليه النار لأنه لم يعد ذا فائدة. وأشار إلى أن لجنة روسية كانت قد قررت تقديم علاج لجرحى النظام السوري، وإخراج عدد منهم إلى روسيا لتلقي العلاج المناسب، إلا أنّ الأمر لم يتم. واتهم كل المسؤولين بالتقصير وهدد بالانتحار للخلاص من هذه الحالة المادية والمعيشية التي يكابدونها.
وكانت أسماء الأسد، قدمت لهارون "هدية" وصفت بأنها "مكرمة" العام الماضي، تمثلت بعربة جر للتنقل، ما اعتُبر إهانة لجيش النظام من قبل الموالين عموماً. علماً أن النظام يحرص على استغلال المجندين السابقين الذين يجب عليهم المشاركة في الدعاية للتجنيد وتلميع صورة النظام، عبر عرض أنفسهم أمام الكاميرات وجعل ظروف إصاباتهم الخاصة علنية، مع توجيه رسالات الشكر والامتنان لـ"القيادة الحكيمة" في كل خطوة يقومون بها.
السويداء.. الدور والتاريخ
[caption id="attachment_78808" align="alignleft" width="509"]
تتربّع السويداء فوق قمم سلسلة جبلية بركانية خامدة يطلق عليها جبل العرب، ويُشار اليها من قبل البعض باسم "فنزويلا الصغيرة" بسبب التدفق إلى المدينة من المهاجرين الفنزويليين من أصول سورية من الأثرياء. وسكان المدينة هم بشكل رئيسي من الموحدين الدروز إلى جانب أقلية كبيرة من أتباع الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية، إذ يبلغ عدد سكانها 430,221 نسمة. ولمحافظة السويداء تاريخ حافل بالبطولات ولقد دحر فيها كثير من المحتلين وآخر من هزم المحتل الفرنسي الذي كان من القوى والدول الاستعمارية الكبرى. وقد تصدّى أبناء الجبل للمحتل الفرنسي وسطّروا صفحات مشرقة دفاعاً عن بلادهم تحت قيادة سلطان باشا الأطرش القائد العام للثورة السورية الكبرى.
وكان الشيخ وحيد بلعوس الذي اغتيل في شهر تموز(يوليو) 2015، قائداً لفصيل عسكري، أخذ على عاتقه مهمة حماية الجبل من قوات النظام والميليشيات الطائفية التي تعرف بقوات الدفاع الوطني، كما حمل الفصيل على عاتقه حماية شباب المنطقة من السحب الإجباري إلى الخدمة العسكرية لجيش النظام. كما تعهد البلعوس في آخر التصريحات التي صدرت عنه قبل اغتياله، بحماية الاعتصامات التي كانت شهدتها مدينة السويداء، للمطالبة بالقضاء على الفساد والمفسدين، وقد اتهم ناشطون سوريون النظام باغتياله، نظراً لتصريحاته.