الاستحقاق الرئاسي يتأرجح على حبل الأهواء السياسية ولا يستقر على حال، والتأجيل سمته الوحيدة في ظل الخوف من أن يسود الفراغ بعد 25 أيار/ مايو موعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان، على الرغم من أن الحكومة <السلامية> تتسلم صلاحيات الرئيس دستورياً، في وقت لا يزال المرشحون المعلنون وغير المعلنين يتحضرون للسباق الرئاسي ومنهم نائب عاليه عضو اللقاء الديموقراطي النائب هنري حلو الذي أكد على الاستمرار في الترشح، إلا إذا حصل توافق على اسم آخر. فماذا يقول ابن النائب الراحل بيار حلو الذي ساهم في تأسيس حركة المحرومين <أمل> مع الإمام المغيّب موسى الصدر، وحفيد مؤسس الدستور الراحل ميشال شيحا؟!
<الأفكار> التقت النائب هنري حلو داخل مكتبه في الحازمية وحاورته على هذا الخط، وكيف ولدت فكرة ترشيحه وما الذي يرمي إليه من ذلك بدءاً من السؤال:
ــ بداية نسألك: ما الذي ورثته عن والدك الراحل بيار حلو، الذي كان صديق <الأفكار>، من مبادئ وقيم؟
- قد يجيب عني من يعرفني، وعلى كل حال ورثت عنه التمسك بالمبادئ والأخلاق والانفتاح والتواصل مع الناس. وأنا في صغري اعتدت رؤية كمال جنبلاط في بيتنا والإمام المغيب موسى الصدر وغيرهما من الشخصيات اللبنانية، بحيث توجد هناك شريحة كبيرة كان رحمه الله على صداقة متينة معها، وتربيت في هذا الجو ، وكان والدي يردد عبارة لم أنسها أبداً عندما كان يقول <إن السياسيين تناسوا الحس الاجتماعي الإنساني> لأنه كان يشعر مع الفقير والمحتاجين، وهكذا بدأ احتكاكي بالحياة السياسية والشأن العام وصولاً الى الجامعة حيث عشت في بيئة مختلطة لا تعرف التعصب أو التطرف.
ــ وماذا ورثت عن جدك ميشال شيحا؟
- للأسف عندما توفي جدي كان عمري سنة فقط، ولكن بالرغم من ذلك فهو الحاضر الدائم في البيت سواء عبر حديث الوالدة أطال الله في عمرها، أو عبر كلام الوالد رحمه الله. وبالتالي عشت في بيئة تتمسك بالمبادئ، والأهم كان الالتزام بالدستور الذي ساهم ميشال شيحا في ولادته، ولا بد من احترام هذا الدستور. وميشال شيحا عندما كتب الدستور ركز في أكثر من نصف مقالاته على الدين حيث كان يرى أن الدين محبة وانفتاح وحوار، وهذه المبادئ مترسخة في ذهني وأنا مؤمن بها وآمل بأن تطبق في لبنان.
ــ كما يقول البطريرك بشارة الراعي <شركة ومحبّة>؟
- صحيح مئة بالمئة، فهذه هي الأسس التي انطلقت منها.
اعتذار الوالد عن الرئاسة
ــ والدك رحمه الله رفض رئاسة الحكومة المؤقتة عام 1988 وبعدها رفض الرئاسة الأولى بعد اغتيال الرئيس رينيه معوض عام 1989 وقال: <أبعدوا هذه الكأس المرة عني>. فما الذي دفعك الى حمل كرة النار هذه بعكسه؟
- صحيح، فهو رفض لأن المهلة كانت قصيرة عندما فوتح بترؤس حكومة انتقالية مع اقتراب نهاية ولاية الرئيس امين الجميل، وما كان يستطيع تشكيل حكومة انتقالية خلال 48 ساعة نسبة للظروف التي كانت قائمة آنذاك خاصة وأن النية كانت تتجه لتشكيل حكومة جامعة، ولا بد من استشارات مع كل الأطراف، وكان يرى أن الوقت غير مفتوح للتواصل مع هذه الأطراف، سواء عند المسلمين أو المسيحيين، ولذلك اعتذر. أما عن الرئاسة فالوالد كان إنساناً غير عنفي ويؤمن بالحوار، وبالتالي ما كان يستطيع أن ينتخب رئيساً ويعمل على قمع ظاهرة تمرد ميشال عون بالقوة، بعد استنفاد وسائل الحوار كافة، وهو رجل سلام وحوار أو بمعنى آخر كان لا يحبذ دخول الجيش السوري قصر بعبدا والقضاء على العماد عون بالعنف.
ــ طالما الأمر كذلك، ما الذي دفعك لدخول المعركة رغم أن الانقسام لا يزال عمودياً وكل طرف يطرح مرشحه ولا يرضى بأنصاف الحلول والتوافق؟
- أولاً لست مرشحاً ضد أحد بمن فيهم العماد ميشال عون أو الدكتور سمير جعجع أو غيرهما، فأنا خائف من الفراغ الذي يمكن أن نصل إليه. وكما رأينا فالنصاب بدأ يطير مرة تلو الأخرى، ولا جديد في هذا الشأن، ولذلك فالطرح الآخر يكون في الحوار والانفتاح والاعتدال وجمع الكلمة كحل وحيد لتفادي الفراغ وإجراء الاستحقاق الرئاسي قبل انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان. وبالتالي فالخطر المحدق بلبنان هو الفراغ وغبطة البطريرك الراعي سبق وأطلق صرخة لتجنّب هذا الاحتمال، ولذلك ما يهمني هو إنقاذ البلد، وإذا كان هناك شخص آخر يجمع المواصفات المطلوبة من الحوار والانفتاح، ويكون مقبولاً من الجميع فليكن، ولا مشكلة آنذاك عندي لأن البلد أهم من الأشخاص، ولا يجوز رفع شعار <أنا أو لا أحد>. فنحن جميعاً نأتي فيما بعد، والبلد قبلنا والأولوية هي الوصول الى إنقاذ البلد عبر انتخاب رئيس يجمع ولا يفرق، وأعطي مثلاً عن حكومة المصلحة الوطنية برئاسة تمام سلام والتي جمعت كل المكونات الأساسية تقريباً وأراحت البلد وفرضت الأمن والاستقرار حتى قبل أن تتصدى للشؤون المعيشية والاقتصادية.
وتابع يقول:
- نحن اليوم عندما نجد أن هناك تواصلاً بين وزارة الداخلية نهاد المشنوق ومنسق أنشطة حزب الله الحاج وفيق صفا لحل المشاكل الأمنية، فهذا جيد لأنه يساهم في إيجاد الحلول وهذا دليل على أن مشاركة الجميع هي الأساس، وكذلك الحوار والتواصل. ورأينا ما حصل في طرابلس والبقاع، ولم يكن أحد يعرف أن الأمن سيعود الى عاصمة الشمال وتفكك المتاريس والحواجز ويصادر السلاح، وكذلك حصل الأمر في البقاع ومناطق أخرى.
رئيس صنع في لبنان
ــ هل هذا نتيجة التوافق الداخلي أم أن هناك قراراً إقليمياً ما جعل الأمور تهدأ بسحر ساحر؟
- لبنان ليس جزيرة، يعيش وحده ولا يتأثر بما يحصل في المنطقة. لا شك أن أحداث المنطقة تؤثر عليه وتنعكس سلباً على الداخل، لكن الجواب كان دائماً بأن هناك تأثيراً خارجياً إذا حصلت أي مشكلة، وأن لبنان مجرد ساحة وصدى، ولا أحد ينكر ذلك، لكن في النهاية لا تهبط الحلول إلا عبر الجلوس الى طاولة تجمع اللبنانيين وتبدأ الانطلاقة من الداخل، وإذا توسع البيكار فيكون تتويجاً لحركة الداخل لأن التأثير الأساسي يبقى داخلياً، وكلما توسعت الموجة كلما خفّ تأثيرها. والنقطة الأساسية تكمن في لبنان واللبنانيين فيما بينهم، ولذلك فالحل يكون لبنانياً تماماً كما تكون المشكلة لبنانية.
ــ على ذكر التدخل الخارجي، فالرئيس يتم صنعه في الخارج بشكل دائم مع بعض الاستثناءات. فهل هذا قائم اليوم في نظرك أم أن المحيط الإقليمي منشغل بنفسه وبأمور أهم من لبنان وكذلك العالم الخارجي؟
- جلسة الأربعاء الماضي الأولى كانت صناعة لبنانية مئة بالمئة، والتأثير الخارجي ممكن لكن ليس الى حدّ التدخل ومن الممكن أن يكون هناك <فيتو> على بعض الأشخاص، ولكن التدخل المباشر غير موجود اليوم، وبالتالي لدينا فرصة حقيقية لانتخاب رئيس صناعة لبنانية.
ــ البعض يقول إن النائب وليد جنبلاط رشحك كي لا يشعر بالإحراج تجاه أي فريق من هنا أو هناك، ولكي يبقى بيضة القبان في اختيار الرئيس العتيد، بعد حصول تسوية معه. بماذا ترد؟
- وليد بك سبق وأجاب عن هذا السؤال وقال إن ترشيح هنري حلو جاء بعد التشاور وان ترشيحي مستمر وليس مناورة، وبالتالي موقفه واضح وصريح. ونحن خلال الجلسات التي حصلت داخل الكتلة أو بالانفراد مع وليد بك كانت بهذا الاتجاه. فهناك قناعة لدى الكتلة أن ترشيح هذا الشخص يوصل الفكرة التي تطرحها اليوم، وهي مواجهة الفراغ لا أكثر ولا أقل، وأكرر ما قلته بأن لبنان والكيان والدستور أهم من الأشخاص.
ــ سبق وتركت جبهة النضال الوطني مع بعض زملائك من مروان حمادة الى فؤاد السعد الى انطوان سعد، واليوم عاد اللقاء الديموقراطي الى كامل عدده وعديده. فما عدا ما بدا وما الذي تغير؟
- لا ننسى أننا نعيش في عالم يتغير بمجمله، فالمعطيات والمعادلة ومقاربة الأمور تتغير. فالوضع في أواخر نيسان/ أبريل 2014 لا يشبه الوضع الذي كان قائماً في كانون الثاني/ يناير من العام 2011، فالمنطقة كلها اشتعلت، وبالتالي هناك مقاربة جديدة ومعادلة جديدة، ولا بد أن نتأقلم مع ما يحصل سواء في لبنان أو في المنطقة، وبالتالي فالمسيرة كلها هي ترشيح لقناعة بأن البلد لا يقوم إلا بمشاركة كل أبنائه.
ــ يعني مع كسر الاصطفافات في 8 و14 آذار لإعادة خلط الأوراق من جديد؟
- أكيد، فانتخاب الرئيس يتم بالنصف زائداً واحداً، لكن لا بد من تأمين نصاب الثلثين أو بمشاركة الجميع، وبالتالي ندور حول أنفسنا ونعود الى التوافق في النهاية.
ــ الجلسة الأولى وحصولك على 16 صوتاً، كيف قيّمتها وما عنت لك هذه الأصوات؟
- هناك نواب مقتنعون بهذا الخط، وكان بإمكانهم وضع ورقة بيضاء وكلهم أرادوا أن يعبروا عن قناعاتهم بوضع اسمي، وهذه انطلاقة مسيرة نأمل أن توصل هذا الفكر الى رئاسة الجمهورية.
ــ هل صحيح كما يقال إن بعض أعضاء اللقاء أو على الأقل واحد منهم لم يعطك صوته؟
- الاقتراع سري وقد حكي كثيراً عن فلان وعلان، والبعض اعترف أنه أعطاني صوته مثل النائب سليم كرم، لكن بغض النظر عن ذلك، فالاقتراع عملية سرية، وبالتالي هو حرّ بأن يضع الاسم الذي يريده. وطبعاً فمن صرح بأنه وضع اسمي فهذا التصريح يؤكد ذلك، ولكن البعض الآخر لم يصرح، وأنا أحترم حرية كل نائب.
هذا هو خصمي الحقيقي
ــ 52 ورقة بيضاء في الدورة الأولى. ما يعني لك هذا حيث كانت الملكة البيضاء؟
- هذا تعبير ديموقراطي، وهذا الامر يعيدنا الى مبدأ التوافق، لأن الذين اقترعوا بـ52 ورقة بيضاء يعرفون أن أصواتهم لن تصنع رئيساً كما يريدون، وفضلوا المشاركة من خلال وضع ورقة بيضاء، وهذا أمر جيد.
ــ وماذا عن الاقتراع لأسماء ضحايا الحرب وبعض الرموز؟
- بالنسبة لي طوينا صفحة الحرب، وإذا أخذنا وضع قضاء عاليه الذي أمثله، أعتبر أننا طوينا هذه الصفحة، والذي حصل في قضاءي بعبدا والشوف حصل في كل لبنان، وبالتالي فلا يجوز نبش الماضي والعودة الى الوراء، ولا بد أن نتطلع الى المستقبل، وهذا ليس معناه أننا يجب أن ننسى ما حصل، بل لا بد أن نتذكره لكي نتعلم منه.
ــ البعض يطالب برئيس ذي سيرة حسنة في ماضيه وحاضره لكي يكون مستقبله كحاضره وماضيه. فهل هذا ضروري؟
- بالنسبة للمستقبل، فلا بد أن يكون الرئيس واعداً، وبالنسبة للماضي لا أحد يمحو الماضي، ولكن نتعلم منه لنحسن الحاضر والمستقبل كي لا نرتكب الأخطاء ذاتها، فالماضي هو مدرسة للمستقبل، ولا يحق لي أن أنتقد هذا أو ذاك، وما حصل في الماضي حصل، والحرب الأهلية ذكرى أليمة لا بد لكل لبنان أن ينساها بعدما يتعلم منها ويتطلع نحو المستقبل.
ــ هل إذا تكرر فقدان النصاب نتجه نحو الفراغ؟
- نرجو ألا يحصل ذلك، وفقدان النصاب سيتكرر إذا لم تطرأ معطيات جديدة بانتظار التوافق أو إيجاد صيغة معينة تجمع الكل من خلال مرشح وتحصل العملية الانتخابية، وعلى كل حال فهناك خطر يتهددنا، وهو احتمال الفراغ للأسف، ولذلك ترشحت، وأعتبر أن الفراغ هو خصمي الحقيقي.
ــ وهل وارد عندكم التنازل لمرشح من هذا الطرف أو ذاك، طالما أن كل فريق ينطلق من 55 الى 57 نائباً والكتلة الوسطية تحسم الأمر هنا أو هناك؟
- المعادلة الأساسية حضور الثلثين، وأي فريق يملك إمكانية التعطيل، وبالتالي فالمشاركة لا بد منها ليتم الاستحقاق، ومن هنا فلا بد من رئيس يجمع الكل عبر التواصل مع الجميع.
ــ هل النواب في الطائف الذين وضعوا هذا الشرط كانوا يؤكدون أن لبنان لا يُحكم إلا بالتوافق؟
- أكيد، فلا أحد يحكم بلداً ويكون مع فريق ضد فريق آخر.. فالبلد يُحكم مع الأشخاص وليس ضد الأشخاص، ورئيس الجمهورية حكم ولا يمكن أن يكون منحازاً لفريق ضد آخر. فهذه ليست مهمته وهو المؤتمن على الدستور ووحده الذي يحلف اليمين.
ــ هل هذا هو الرئيس القوي أم الذي يملك شعبية وكتلة نيابية؟
- هذه مهمة الرئيس، لأن السلطة التنفيذية أصبحت في يد مجلس الوزراء مجتمعاً، وبالتالي فالرئيس هو الحكم الصالح والساهر على تطبيق الدستور وجمع اللبنانيين.
ــ وما هو شعارك في المعركة؟
- الحكم رؤية وهي نقطة الانطلاق نحو كل شيء، وبالتالي شعاري هو تطبيق الدستور وهذا هو الأساس.