بقلم خالد عوض
أعلنت قطر منذ أيام عن إنشاء مدينة متكاملة للخدمات اللوجستية على مساحة ٦ كيلومتر مربع لتحفيز قطاعات التوزيع والنقل والتخزين. الجديد في ذلك ليس خبر الإعلان عن منطقة اقتصادية جديدة في الخليج فهذا يحدث باستمرار. دبي كانت السباقة في إنشاء مناطق اقتصادية حرة متعددة الاختصاصات وكرت السبحة بعد ذلك في معظم الدول الخليجية.
الإعلان القطري هو إشارة جديدة إلى الوعي الخليجي المتزايد بأن هناك اقتصاداً شرق أوسطياً غير النفط يستوجب تموضعات اقتصادية خاصة حتى يتمكن من تحقيق نمو مستدام. المسألة المهمة أيضاً أن قطر وضعت <رؤية قطر ٢٠٣٠> التي تمثل تصوراً متكاملاً للدور الاقتصادي الحيوي الذي تنوي الإمارة الخليجية أن تقوم به مستقبلاً وان استضافة كأس العالم لكرة القدم في ٢٠٢٢ هي إحدى محطات هذا الدور وليست هدفاً بحد ذاته رغم أهمية حصوله لأول مرة في الشرق الأوسط.
هناك عدة أمور تسرع حالياً في التوجه الخليجي الجدي إلى تنويع الاقتصاد:
- السبب الأول هو الانخفاض في أسعار النفط والغاز وصعوبة عودة هذه الأسعار إلى مستويات ٢٠١٣ و ٢٠١٤، على الأقل في السنوات الخمس الآتية لعدة أسباب أهمها: تراجع النمو الاقتصادي في الصين والإنتاج الأميركي المتصاعد من الوقود الأحفوري ورفع إيران إنتاجها، وبالتالي تصديرها بحوالى مليون برميل يومياً بعد إزالة العقوبات.
- السبب الثاني للأهمية الإستراتيجية التي يوليها الخليجيون لتنويع اقتصاداتهم هو نسبة الشباب منهم الآتون إلى سوق العمل والذين لا يمكن لقطاع النفط وحده أن يستوعبهم.
- الأمر الثالث هو الطاقة الاقتصادية الهائلة الموجودة في الشرق الأوسط والتي لا تستثمر كما يجب. هناك أكثر من ٣٥٠ مليون عربي بحاجة الى عشرات مراكز الأعمال (Business Hubs) بينما لا يوجد اليوم فعلياً إلا واحد هو دبي. وأي زيارة لدبي اليوم تظهر بكل وضوح أن الإمارة تخطت مرحلة الإشباع وأنها في مرحلة ما يسمى الفائض من النجاح وهذا مؤشر لضرورة وجود عدة أماكن شبيهة.
خلاصة كل ذلك هو أن هناك مساحة اقتصادية حقيقية في المنطقة يمكن أن يستثمرها لبنان ليس فقط في السياحة والخدمات المصرفية بل في قطاعات إنتاجية أخرى تستفيد من المزايا السياحية والبنكية التي يتمتع بها البلد لتوفير منصة اقتصادية حيوية للمنطقة.
ورغم أن الحسم السياسي والعسكري والجغرافي في سوريا والعراق ليس واضحاً في المدى القريب إلا أن الدور الاقتصادي الممكن للبنان يجب أن لا ينتظر الحلول بل يسبقها. وهذا لن يأتي من حكومة غرقت في النفايات أو من تشريعات لمناطق حرة من مجلس نيابي معطل ولا من رؤية سديدة لرئيس جمهورية غائب بل من مبادرات شاملة يقوم بها القطاع الخاص فيكون هو من يطرح الحلول بدل أن يلعن ظلام الدولة. وتماماً كما تأسست <سوليدير> يمكن إنشاء عدة شركات مساهمة تملك عقارات في مناطق لبنانية مختلفة لتطوير مراكز اقتصادية متنوعة الاختصاص. هذه المناطق يمكن أن تجذب الشركات الصغيرة والمتوسطة وحتى بعض الشركات الأجنبية الكبرى التي أصبحت تنظر إلى لبنان ببعض الإيجابية بسبب المرونة الاقتصادية والمالية التي أثبتها في العقود الثلاثة الماضية وبسبب محافظة بعض الجامعات على مستوى متميز في التعليم العالي.
البلد بحاجة إلى مبادرات اقتصادية لا تنتظر الحكومة. وبوجود قطاع مصرفي لديه فائض من السيولة، فالتمويل متوافر ومصرف لبنان يمكن أن يكون له دور تحفظي في ذلك. أما الاكتفاء بمؤتمرات الحدب والندب أو انتظار حلول سحرية من حكومة أو طاقم سياسي ينتمي إلى القرون الوسطى فهو إعلان استقالة لبنان من المستقبل الاقتصادي الكبير الآتي إلى المنطقة مهما تأخرت الحلول السياسية أو ساءت الأمور الأمنية.