تمرّ الذكرى العاشرة لانطلاقة قوى 14 آذار هذه السنة بالعودة الى البدايات يوم أسس <لقاء البريستول> قبل ولادتها يوم 14 آذار/ مارس من العام 2005، وهي ستطلق يوم غد السبت وثيقتها السياسية الجديدة وستعلن عن ولادة المجلس الوطني الذي يجمع كل أحزاب وتيارات وشخصيات 14 آذار.. فما الذي حققته هذه الحركة خلال السنوات العشر الماضية ولماذا اللجوء اليوم الى إنشاء المجلس الوطني وهل الغاية إعادة الزخم لهذا التيار بعدما انسحب منه كثيرون بدءاً من التيار الوطني الحر والحزب التقدمي الاشتراكي وحركة التجدد الديموقراطي وقاطع أمانته العامة حزب الكتائب لفترة! <الأفكار> التقت منسّق الأمانة العامة لقوى 14 آذار النائب السابق الدكتور فارس سعيد وهو عضو اللجنة التحضيرية للانطلاقة الجديدة وحاورته في هذا الملف بالإضافة الى شؤون وشجون الوضع الداخلي لاسيما الرئاسي منه بدءاً من السؤال: ــ عشر سنوات على ولادة <ثورة الأرز>، فأين هي اليوم وما هي إنجازاتها وخيباتها؟ - هناك ورشة نقاش انطلقت في الذكرى العاشرة داخل قوى 14 آذار ولمجرد إطلاق هذه الورشة، نعتبر اننا حققنا إنجازاً لأننا لا نجد في تاريخ لبنان المعاصر تجمعاً سياسياً متنوعاً حزبياً وطائفياً ومذهبياً كما حال تجمع 14 آذار. ومن خلال نتيجة إطلاق هذه الورشة، تنبهنا الى اننا لم نقدّر قيمة ما حصل في العام 2005 من قبل الشعب اللبناني ولا قدّرنا أيضاً خطورة الانتفاضة المضادة في وجه انتفاضة الاستقلال، وبالتالي كان هذا الخطأ الكبير في عدم تقدير حجم التغيير الذي أنتجته هذه الانتفاضة والإنجاز الهائل الذي حصل من خلال وحدة اللبنانيين، كما دخلنا اليوم في مرحلة إعادة تقييم ما حصل لأننا نعتبر ان الظرف المحلي والإقليمي والدولي تبدل كثيراً منذ العام 2005 حتى اليوم. وألخصه بثلاث نقاط: الأولى، اننا تدرجنا رويداً رويداً، حيث كنا في العام 2005 ضمن دائرة اهتمام دوائر القرار الخارجية والعربية، وتدرجنا بعد عشر سنوات لنصبح نتخبط في محلية سياسية، وبالتالي خرجت قوى 14 آذار كانتفاضة بسبب تراكم أحداث المنطقة من دائرة الاهتمام الخارجي، واليوم إذا سألت أي دائرة من دوائر القرار الخارجية عن قضية لبنان فهي تتكلم فقط عن النازح السوري بما يمثل من عبء على لبنان واللبنانيين، وتتكلم عن حزب الله بما يمثل هذا الحزب من أداة يستخدمها الجانب الإيراني في القتال الدائر في سوريا، وبالتالي فبين النازح السوري وحزب الله ليست هناك دائرة خارجية تعير اهتماماً للتجربة اللبنانية المتمثلة بانتفاضة الاستقلال، ونحن نعترف انه بعد أحداث الموصل والقامشلي وقتل الطيار الأردني معاذ الكساسبة وحوادث باريس، فموضوع العيش المشترك أصبح ضرورة لا بد من التمسك بها من باب ان هذا العيش المشترك هو النموذج الذي يجب أن يكون الحل لكل أزمات المجتمعات أكان في العالم العربي والإسلامي أو على مساحة العالم الأوسع. وأضاف: الثانية، كان أملنا منذ العام 2005 ان يقترب حزب الله من التجربة اللبنانية ولكن بعد عشر سنوات أصبحت الطوائف تطمح لأن تصبح مثل حزب الله بمعنى انه نجح في دفع اللبنانيين للعودة الى مربعاتهم الطائفية والمذهبية والحزبية وأتت أحداث المنطقة حتى تخيف جميع اللبنانيين وتعيدهم الى هذه المربعات! أما الثالثة، فهي اننا أنجزنا الكثير عندما كنا موحدين عام 2005 وعندما كنا نطالب من خلال مساحة وطنية بالاستقلال والسيادة للبنان، وفشلنا عندما عدنا قبائل وعشائر وطوائف ومذاهب وأحزاب، وبالتالي فالتحدي أمام 14 آذار اليوم هو كيف يمكن أن نوحّد مجدداً موقفنا حول فكرة التجربة اللبنانية وهي تجربة العيش المشترك وان نجعل منها أوراق اعتمادنا الجديدة أمام الرأي العام اللبناني والرأي العام العربي والدولي.
المجلس الوطني لثورة الأرز
ــ هل لهذا السبب إطلاق الوثيقة السياسية الجديدة؟ - صحيح. ــ وماذا عن المجلس الوطني حيث يؤخذ عليكم استلهام هذه التجربة من المعارضة السورية التي أنشأت مجلساً وطنياً لها؟ - لا، أبداً. مجلسنا ليس رديفاً لمؤسسات الدولة أو بديلاً عنها، بل هو إطار مرن لتنظيم العلاقات بين مكونات 14 آذار وله صفة استشارية ولا يتمتع بأي صفة تقريرية ويضم مجموعة واسعة من قادة الرأي والإعلاميين والصحافيين والشخصيات السياسية والنواب الحاليين والسابقين في إطار مرن تديره مجموعة من قادة الرأي أيضاً وتشكل داخله لجان متخصصة وتجتمع كل شهرين أو ثلاثة أشهر أو كلما تدعو الحاجة لإصدار توصيات ذات طبيعة وطنية بدون الغوص في السياسة اليومية لأن هذا الأمر متروك للأمانة العامة وقيادات 14 آذار ولأحزابها، وقد يتميز هذا المجلس بأنه الإطار السياسي الوحيد في العالم العربي والإسلامي وربما في كل العالم بأنه يضم مسلمين سنّة وشيعة ودروزاً وعلويين ومسيحيين من كل المذاهب، وذلك في لحظة من الاستقطاب المذهبي ليس على مساحة العالم العربي والإسلامي فقط، إنما على مساحة العالم كله لاسيما مع تنامي ظاهرة اليمين المتطرف في فرنسا وألمانيا وغيرهما ضد الوجود الإسلامي، خاصة مع تدفق النازحين العرب من شمال أفريقيا عبر البحر المتوسط والحوادث التي حصلت في أكثر من بلد، الأمر الذي أعاد طرح ملف العيش المشترك في أوروبا، كما هو مطروح أيضاً على مساحة العالم العربي والإسلامي موضوع الحرب الشيعية - السنية الموصوفة في اليمن والعراق وسوريا، وكيف يمكن تفاديها من خلال إعادة الاعتبار للتجربة اللبنانية، بحيث نعتبر إذا توحدنا كأحزاب ومستقلين من كل المشارب ومن كل المواقع التي تكون النسيج الاجتماعي والسياسي لقوى 14 آذار، فإننا قادرون على تقديم أوراق اعتمادنا مجدداً الى كل العالم على قاعدة التجربة اللبنانية، وان نعود إطاراً قد يفيد في عملية إنقاذ لبنان والحفاظ على سلامته. ــ يحكى أن اسم زميلكم النائب السابق سمير فرنجية مطروح ليكون رئيساً للمجلس الوطني والبعض من الأحزاب يعارض الأمر. فما صحة ذلك؟ - أتمنى ذلك، ولكن سمير فرنجية لم يطلب ذلك، واسمه غير مطروح. وأعتقد ان كل ما سنقوم به هو إعلان إنشاء المجلس الوطني وإعلان هيئة تحضيرية تنبثق عن الهيئة العامة وتأخذ مهلة شهر كامل تحضر فيه النظام الداخلي ويطلق المجلس بحلته النهائية. ــ هل كل أحزاب وتيارات قوى 14 آذار ستكون متمثلة في المجلس وماذا عن موقف حزب الكتائب الذي سبق وعارض ممارسات الامانة العامة؟ - هناك نقاش جدي وديموقراطي وصحي مع كل مكونات 14 آذار، بما في ذلك الكتائب والقوات و<المستقبل> والاحرار واليسار الديموقراطي، وبعض الاطراف لديها ملاحظات طبيعتها إدارية وبعض الأطراف تطرح ملاحظات طبيعتها سياسية، وهذا الأمر طبيعي جداً، ونحن في نقاش دائم وورشة مستمرة، وبالتالي المجلس الوطني سيضم كل مكونات 14 آذار. ــ حتى حركة التجدد الديموقراطي التي سبق وأعلنت انسحابها من قوى 14 آذار عام 2009؟ - حركة التجدد خرجت رسمياً من 14 آذار عام 2009 بعد الانتخابات، إنما نحن ندرك ونعرف أن حركة التجدد الديموقراطي في صلب 14 آذار وفي ضميرها وقلبها ولها عطاءات كبيرة في مجال الأدبيات السياسية التي صدرت عن قوى 14 آذار. وهذه الحركة لم تخرج حتى تعود وإنما هي في صلب 14 آذار وسنطرح على أركانها كل ما يحصل.
مضمون الوثيقة السياسية
ــ وما هي مسودة الوثيقة السياسية وأبرز عناوينها؟ - أولاً، هناك مسح للأوضاع الحالية وإبراز لخطورة الوضع الذي يعيشه لبنان. وثانياً، هناك إعادة اعتبار للتجربة اللبنانية التي ستبقى نموذجاً لحل أزمة لبنان والمنطقة وربما العالم. فهذا هو العنوان العريض للوثيقة، وإذا كانت هناك من إفادة وطنية وعربية ودولية من 14 آذار فهو هذا النموذج اللبناني، على أن تكون هذه الحركة مؤتمنة على هذه التجربة وأن تجعل منها نموذجاً ومثالاً يحتذى به.
معادلة السيادة والاستقرار
ــ والعلاقة مع الفريق الآخر الذي يشكل نصف اللبنانيين؟ - منذ عام 2005، قدم فريق 14 آذار للفريق الآخر كل ما لديه من وسائل من أجل قيام تفاهم معين، وحزب الله يفرض على لبنان معادلة قديمة جداً بدأت بها منظمة التحرير عام 1969 واستمرت مع الميليشيات والرئيس الياس سركيس وبعده الرئيس أمين الجميل، ومن ثم استمرت مع الجيش السوري والرئيسين الياس الهراوي وإميل لحود، واليوم أصبحت بين الحرس الثوري الإيراني والدولة اللبنانية. وهذه المعادلة عاشها جيلي بكل تفاصيلها وهي تقوم على شيء سهل جداً: <أعطونا جزءاً من السيادة، نعطي لبنان جزءاً من الاستقرار>. وتابع يقول: - ما يحصل أن اللبنانيين يعطون دوماً جزءاً من السيادة من العام 1969، لكنهـم لـم يحصلوا على الاستقلال، وهذا الموضوع يتكرر، وهذه المعادلة ثابتة تتبدل عناوينها ربما، ولكن المعادلة تبقى كما هي، وأيضاً أدخلت 14 آذار نفسها في هذه المعادلة وهذا (الابتزاز) الذي فرضه السلاح غير الشرعي الذي يتساكن مع السلاح الشرعي المتمثل بالدولة اللبنانية، وبالتالي أعطت 14 آذار التحالف الرباعي والحكومة التي تألفت بعد العام 2005 ودخل حزب الله للمرة الأولى إليها، وأعطت من خلال اتفاق الدوحة وقالت إن السماء تتسع للجميع من بعد انتصار 14 آذار عام 2009، وذهبت الى شعار <سين - سين> واقترحت مؤتمراً للمصالحة والمسامحة وذهبت باتجاه حكومة وحدة وطنية برئاسة تمام سلام، وكل مرة كانت تعطي 14 آذار بالمفهوم السيادي ظناً انها ستحصل على جزء من الاستقرار لكنها تكون قد تنازلت في السيادة ولم تحصل على الاستقرار. ــ وماذا عن الحوار الجاري في هذه الحالة؟ - يجب أن تكون هناك شبكة تواصل بين الناس والاحزاب حتى إذا حصل شيء ما تكون هناك <لجنة سياق بيروت> في إشارة الى اللجنة الحكومية إبان الحرب الأهلية، إنما نعتقد ان الأزمة التي يعيشها حزب الله هي أزمة كبيرة ناتجة عن قتاله في سوريا وفي المنطقة، وهو يحتاج الى أن يعود الى البيت اللبناني، بمعنى النموذج اللبناني من العيش المشترك، وطالما ان هذا البيت اللبناني موجود، قد يعود إليه، ولكن إذا أطيح به، فلن يعود إليه، ومسؤولية 14 آذار هي الحفاظ على هذا البيت اللبناني حتى يستوعب في لحظة مشاكل الناس ومن ضمنهم حزب الله.
الرئاسة تنتظر التحوّلات
ــ وماذا عن الرئاسة، وهل أصبحت تنتظر التوافق الإقليمي أم يمكن أن تكون صناعة لبنانية ولم يفت الأوان بعد رغم مرور الجلسة رقم 20 بدون أن تنتج رئيساً؟ - لا أعتقد أن هناك مجالاً لإنتاج رئيس بإرادة لبنانية لأن الموضوع خرج من يد اللبنانيين منذ أيار/ مايو الماضي، والخطأ الكبير الذي ارتكبه الجميع في موضوع الرئاسة هو انه عندما اجتمع الموارنة في بكركي وقالوا إن هذا الأمر من اختصاصهم، وهم سيتفقون ويبلغون المسلمين عن ذلك، فرحب المسلمون بالأمر وقالوا انهم سيشكلون حكومة برئاسة سني وستمدد رئاسة المجلس برئاسة شيعي، وعندما يتفق المسيحيون مع بعضهم البعض يتم إبلاغهم بما حصل. ــ ولن يتفقوا؟! - لن يتفقوا... فهذا هو الخطأ الأول الذي ارتكبه المسيحيون لأنهم نقلوا موضوع الرئاسة من مسؤولية وطنية مشتركة الى شأن مسيحي، والخطأ الثاني، ارتكبه المسلمون عندما قالوا ان الموضوع هو من اختصاص المسيحيين. ونحن نأمل أن تكون خطوة 14 آذار المنهجية عنواناً لعودة موضوع الرئاسة لأن يكون مسؤولية وطنية. ــ وكيف تفسر قول وزير الداخلية نهاد المشنوق ان لا رئاسة إذا لم يكن العماد ميشال عون هو الرئيس أو انه يختار من يريده؟ - وكأنه يريد القول إن الرئيس يختاره إيراني، فإيران اختارت ميشال عون، وبالتالي علينا أن نرضخ لهذه الإرادة أو نقاومها. وأنا من الناس الذين سيقاومون هذه الإرادة حتى لو بقيت وحدي. ــ ولماذا لا تفسر هذه المقولة من ضمن الإرادة المسيحية طالما ان بكركي تحدثت عن الأربعة الكبار، وبالتالي فالعماد عون هو أكثرهم تمثيلاً شعبياً ونيابياً؟ - إذا أردنا انتخاب أفضل ماروني، فليكن في هذه الحالة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، فنحن نريد أفضل رئيس لبناني ولا نريد أفضل ماروني رغم ان منصب الرئاسة للموارنة، وإذا أردنا انتخاب ماروني وشئنا إجراء فحص دم، فمن أفضل من الذي يضع زناراً أحمر على خصره؟! - متى تنضج في تقديرك الطبخة الرئاسية؟ - سنشهد انتخابات رئاسية في الربيع المقبل حسب تقديري، وهناك ثلاثة مؤشرات مرتبطة بذلك: الأولان داخليان ويتمثلان بالإعلان عن توقف المفاوضات بين العماد عون والدكتور جعجع، والمعركة المرتبطة في الجرود عند الحدود الشرقية. والثالث، إقليمي يتعلق بالاتفاق النووي الإيراني - الأميركي، وبالتالي عندما يتم رصد هذه المؤشرات وتحركها سلبياً أو إيجابياً، فهذا يعني التسريع في الانتخابات الرئاسية، وقد يحصل ذلك في الربيع المقبل وتحديداً بدءاً من أول نيسان/ أبريل فما فوق. ــ نأمل ألا تكون كذبة أول نيسان؟ - (ضحك) وقال: لا...