لبنان الذي يعاني الفراغ الرئاسي والتعطيل المجلسي والمساكنة الحكومية بالتوافق، يتعرّض اليوم عبر مؤسسته العسكرية لهجمة إرهابية في عرسال البقاعية وجرودها أودت بحياة عشرات العسكريين بين شهيد وجريح ومفقود ومخطوف، في وقت حزمت الحكومة أمرها وأعطت الجيش الغطاء الكامل للقضاء على بؤر الإرهاب في عرسال، مع ترك الباب مفتوحاً لوساطة هيئة علماء المسلمين بوقف للنار وإطلاق العسكريين وخروج المسلحين من الأراضي اللبنانية. فماذا تقول قوى 14 آذار عن هذا الواقع الذي يعيشه لبنان؟
<الأفكار> استضافت في مكاتبها المنسق العام لقوى 14 آذار النائب السابق فارس سعيد وحاورته في هذا السلك الشائك، بالإضافة الى شؤون الاستحقاق الرئاسي والوضع المسيحي عموماً بدءاً من السؤال:
ــ بداية نسألك: هل أنت مع وصول قائد الجيش العماد جان قهوجي الى رئاسة الجمهورية؟
- وصول رئيس جمهورية من المؤسسة العسكرية معناه أن الطبقة السياسية فاشلة، رغم نجاح المؤسسة العسكرية وتأكيدها بأنها العمود الفقري للبنان. فأنا لا أعارض وصول العماد جان قهوجي شخصياً، بل أعارض وصول قائد الجيش، وعلى كل حال، لم ننتقل بعد من المعركة حول الرئيس الى التسوية حوله. فهناك أسماء وأبرزها سمير جعجع وميشال عون، لكن هذه الأسماء لا تصلح لكي تكون أسماء تسوية، ولذلك عند الحديث عن التسوية يبرز اسم العماد جان قهوجي.
الدولة خيار المسيحيين
ــ هل ما يحصل في عرسال يجعل حظوظ العماد قهوجي أكثر من غيره؟
- بالعكس، فالاستقرار في لبنان يساهم في إيصال قائد الجيش، أما ضرب الاستقرار فإنه يضرب أيضاً صدقية الرجل، ويمكن وصول عسكري في زمن الاستقرار لا العكس.
ــ كماروني نسألك: هل أنت خائف على المسيحيين فعلاً؟
- أنا لا أخاف على المسيحيين في لبنان، وحتى لا أخاف على المسيحيين في البلدان العربية. فمشروع المسيحيين وضمان بقائهم في لبنان والمنطقة هو قيام الدولة وليس لهم أي مشروع بديل، أو أي إطار تنظيمي إلا الدولة والقانون. فالمسيحيون ليسوا عشائر وليسوا أصحاب ولاية وليسوا أصحاب خلافة، بل تربطهم بالدولة ارتباطات وثيقة ومباشرة، وعندما تنهار الدولة كما حصل في العراق، يدفعون الثمن لأن لا وجود لأي إطار رديف للدولة بالنسبة لهم، وبالتالي فبقدر ما يعيشون الخطر كما حال غيرهم، فإن لديهم مناسبة ذهبية بأن يخوضوا عملية قيام الدولة المدنية في مواجهة من ينادي بولاية الفقيه أو من ينادي بالخلافة الإسلامية.
ــ أين الدولة؟
- في كل العالم العربي بدءاً من لبنان، لأن دورهم الأساسي هو في لبنان ويتأثر كل مسيحي بدورهم سواء أكان موجوداً في العراق أو في سوريا أو الأردن أو فلسطين، وحتى في مصر.
ــ يعني لبنان هو الضمانة للمسيحيين في المنطقة؟
- صحيح، فما الذي يجعل الأرمن يجيئون من مئة سنة الى لبنان ويبنون برج حمود، وما الذي جعل السريان يبنون منذ 70 سنة حي السريان في الأشرفية، إلا شعور المسيحي العربي بأن هذا البلد هو مرقد عنزة لكل مسيحيي المنطقة، وبالتالي فمن يريد مساعدة مسيحيي الموصل أو مسيحيي سوريا أو حتى مسيحيي الأردن وفلسطين، عليه أن يساعد نفسه وأن يساهم في إخراج ملف رئاسة الجمهورية من هذا الشلل الذي يصيبه وأن يسارع في انتخاب رئيس جديد للجمهورية، لأنه يحز في قلب المسيحيين أن يروا ميشال عون وهو الذي يمثل شريحة واسعة من الرأي العام المسيحي وهو يتضامن مع غزة والموصل في المجلس النيابي، مع صدقية هذا التضامن، ويذهب الى المجلس النيابي، وعندما تكون هناك جلسة لانتخاب رئيس الجمهورية، لا يذهب.
ــ ميشال عون لديه شعور بأنه الأحق بالرئاسة كممثل للمسيحيين وسبق وظلم عندما أخرج من قصر بعبدا بطائرات الجيش السوري، ولذلك يعتبر نفسه الأصلح للرئاسة، فيما ترشح سمير جعجع لمنع وصول ميشال عون للرئاسة وقطع الطريق عليه. فكيف ترى هذه الصورة؟
- لم يكن ترشيح سمير جعجع مع حفظ الالقاب لأسباب إلغائية لوصول ميشال عون، فسمير جعجع تقدم ليرشح نفسه من دائرة القوات اللبنانية، ثم من دائرة 14 آذار، وقدم برنامجاً واضحاً وحظي بدعم كل 14 آذار، وأصبح مرشح هذه القوى. وأعتقد أنه من خلال ترشيحه ساهم في لبننة هذا الاستحقاق وحاول بشكل واضح ان يجعل منه لبنانياً قادراً على التنفيذ، لكن عندما تجاوزنا مهلة 25 أيار/ مايو الماضي، دخل لبنان في الفراغ على مستوى الرئاسة، وكان هناك من يخطط بأن يعوض عن هذا الفراغ بأحزمة أمان منها تأليف حكومة المصلحة الوطنية ومنها التمديد للمجلس النيابي. وأعتقد أن من يعبر من المسلمين والمسيحيين عن رغبته في ايجاد حل لأزمة الرئاسة عليه ايضاً ان يحاول من مساحة وطنية مشتركة ان يصل الى رئيس للجمهورية يساهم في انقاذ البلد الذي يعاني من شتى المشاكل لاسيما الامنية منها .
وتابع يقول:
- هناك خطآن في مقاربة موضوع الرئاسة: الاول قام به الفريق المسيحي عندما قال ان الاستحقاق الرئاسي هو في صلب الاهتمام المسيحي وان المسيحيين سيجتمعون في مكان ما وسيبلغون المسلمين برأيهم ، والخطأ الثاني ارتكبته الطبقة السياسية الاسلامية عندما قالت للمسيحيين ان يتفقوا على قرار ويبلغوها به وان كان اركان هذه الطبقة في انتظارهم مع حكومة المصلحة الوطنية والمجلس الممدد له ، لكن لا الفريق المسيحي وضع ملف الرئاسة حيث يجب ان يكون في دائرة الاهتمام الوطني وليس فقط في دائرة الاهتمام المسيحي خاصة وانه ليس صحيحاً ما قدمه الفريق المسيحي من ان الشيعة يأتون برئيس المجلس وان السنة يأتون برئيس الحكومة ، فأنا كمسيحي لا يقنعني هذا الكلام واذا تصرفت الطبقة السياسية كقبائل وعشائر يجب ان تدرك انها مؤتمنة على لبنان كله بما فيه من مسيحيين ومسلمين. الخطأ الثاني الذي ارتكبته الطبقة السياسية الاسلامية هو اسوأ من الخطأ الاول عندما تركت الامر للمسيحيين وقالت ان <من كان عند اهلو ع مهلو >.
لا رئيس في القريب العاجل
ــ نفهم منك أن لا رئيس للجمهورية في القريب العاجل؟
- لا، لسوء الحظ...
ــ الى متى؟
- الانتقال من مرحلة المعركة الى مرحلة التسوية لن يتم بإرادة وطنية بل بإرادة إيرانية، فرئاسة الجمهورية هي ورقة بيد إيران من أجل تحسين ظروف مفاوضاتها على الطاولة مع الولايات المتحدة الأميركية، وإذا أرادت الولايات المتحدة الإفراج عن الاستحقاق الرئاسي، ستفرج إيران عن هذه الورقة وسيأتي رئيس تسووي. وإذا لم تسارع الولايات المتحدة الى الاهتمام بالاستحقاق الرئاسي وتكتفي بوجود الحكومة الحالية وبالمجلس الممدد له، فهذا يعني ان موضوع الرئاسة سيتأخر، وحتى هذه اللحظة وضعت إيران هذه الورقة على طاولة المفاوضات ولم تكترث الولايات المتحدة بدفع ثمن هذه الورقة، ولذلك لم ننتقل بعد الى مرحلة التسوية.
ــ ما هو المخرج إذاً لبنانياً؟
- المخرج هو استمرار دعم ما تبقى من مؤسسات وطبعاً المؤسسات العسكرية وأولها الجيش، وأن نخرج من دائرة المراوحة في مسألة الاستحقاق ونعمد الى انتخاب رئيس ونتجاوز المربع الأول الذي يقول إما ميشال عون وإما الفوضى، ونحن الآن في الفوضى الموصوفة. وهنا أعتقد أن المطلوب القيام بجهد لبناني للحصول على دعم عربي ودولي لإيلاء الشأن الرئاسي الاهتمام اللازم لأنني أعتقد ان أحداث العراق وسوريا هي متقدمة على موضوع رئاسة الجمهورية، وبالتالي على اللبنانيين إقناع الخارج بأن الحالة الفوضوية في سوريا قد تنتقل الى لبنان بحيث يتم الضغط لتسهيل انتخاب الرئيس الجديد.
ــ هناك الانتخابات الرئاسية المؤجلة والانتخابات النيابية الداهمة أيضاً، فأين يجب أن تكون الأولوية هنا؟
- لا أولوية تسبق انتخاب الرئيس وهي أولوية مطلقة لا بل أولوية الأولويات وبالتالي يجب إعادة ترتيب الأولويات للخروج من المأزق وإنقاذ البلد مما يتخبط فيه من مشاكل لاسيما الأمنية منها، وتجنباً للدخول في الفوضى وتفلت الأمور من عقالها والدخول مجدداً في حروب أهلية.
ــ هل ترى شبح الحرب الأهلية من جديد؟
- سبق للبنانيين أن جربوا هذه الحرب واكتووا بنارها وتعلموا الدرس ولن يكرروا التجربة، وبالتالي هناك مناعة لدى اللبنانيين في مواجهة الحرب الأهلية، ناهيك عن أن هناك قراراً إقليمياً ودولياً بتحييد لبنان عن الأحداث الجارية في المنطقة.
وأضاف:
- وهناك مقولة للكنيسة المارونية مفادها ان اولادها يَقتلون ويُقتلون ويتقاتلون. وأعتقد ان هذه المقولة تنسحب على كل الطوائف التي قَتلت وقُتلت وتقاتلت. وحاولنا أيضاً في لبنان أن ننشئ كيانات طائفية صافية ظناً منا أن هذا الأمر يحمينا من العنف، ولكن كل هذه التجارب أدت الى اقناع اللبنانيين بأن الحرب لا تُفيد وان لبنان يتمتع بقرار دولي يرفض أن تنتقل النار السورية إليه، لكن قناعة اللبنانيين والقرار الدولي قد يسقطان، طالما أن الفراغ موجود في رأس الدولة، خاصة وأن هذه المسألة لها مدة زمنية من الحياة ومن بعدها يصبح لبنان مقبلاً على إعادة تكرار تجربة الحرب الأهلية.
ــ وكيف قرأت ما حصل في عرسال؟
- ما رأيته في عرسال هو فشل محاولة وضع السنّة في وجه الجيش اللبناني بعدما حاولوا ذلك في طرابلس وصيدا، بدليل انه سقط في عرسال شهداء دفاعاً عن القوى النظامية. هذا أولاً، وثانياً، ادعاء حزب الله بأنه يقاتل في سوريا من أجل حماية لبنان، فهذه مقولة سقطت أيضاً في عرسال بدليل أن <داعش> و<النصرة> أصبحا في الأراضي اللبنانية ويتعاملان مع حزب الله على قاعدة الفعل وردة الفعل بالقوة نفسها وبالاتجاه المعاكس، وثالثاً الخروج من هذا المأزق لن يكون إلا من خلال تدويل الحدود اللبنانية - السورية. وكما نجحنا في ذلك مع اسرائيل فعلينا أن نسعى لتدويل الحدود السورية - اللبنانية عبر القرار 1701 وفقاً للبند 12 منه الذي يفسح في المجال أن تطلب الحكومة اللبنانية من مجلس الأمن توسيع مهام القرار 1701 حتى نضبط الحدود اللبنانية - السورية. فلا حل إلا عبر القرار 1701 وإلا لن يبقى واحد منا.
ــ بعدما رأينا مشهد تهجير المسيحيين من الموصل ومنظر تكسير الصلبان وتفجير الكنائس، كيف كان شعورك؟
- نحن متجذرون في هذه المنطقة والرأي العام الماروني ينقسم الى قسمين: قسم له نظرة أقلوية للأمور، وقسم آخر يعتبر أن الضمانة الوحيدة لنا هو العيش المشترك مع المسلمين والدفاع عن هذه الفكرة على قاعدة أن تاريخاً يربطنا بالمسلمين وحاضراً مشتركاً ومستقبلاً مشتركاً أيضاً. فالبطريرك الياس الحويك لم تكن لديه وسائل اتصال حديثة مع الغرب إلا من خلال مؤتمر <فرساي> وطرح المشاكل التي كان يعاني منها المسيحيون وهي ذاتها التي يعانون منها اليوم، إذ عند سقوط الامبراطورية العثمانية عام 1919 وبدء الانتداب الفرنسي طرحت الأسئلة ومنها ما إذا كنا سنخاف أو سنهاجر أو نهجّر أو نرحل بالبواخر، وقيل إن اسرائيل خلقت لنفسها مجتمعاً صافياً عبر <وعد بلفور> وهل نفعل مثلها ونجعل من لبنان وطناً قومياً مسيحياً؟ لكن البطريرك الحويك وباتجاه فطري قال إننا آباء الفكرة اللبنانية التي ترتكز على تجربة العيش المشترك، ونحن اليوم وبعد 90 سنة وأكثر، صار لنا طبيب ومهندس ومحامٍ في الخليج، وصارت علاقاتنا مع المنطقة علاقات أخوّة وتاريخ وحاضر ومستقبل مشترك، والإسرائيليون مجبرون أن يبنوا جداراً عازلاً بينهم وبين المنطقة لكي يعيشوا بسلام، وبالتالي تجربتنا هي التجربة الناجحة وخيارنا هو الخيار الناجح وهو خيار يجب المحافظة عليه من قبل المسيحيين. وهكذا وضع الموصل وحلب وحمص يجب أن يكون من خلال العيش المشترك وبناء مساحة مشتركة بينهم وبين المسلمين.
واستطرد يقول:
- طبعاً أنا أرفض الخلافة الإسلامية، كما أرفض ولاية الفقيه وأسعى مع مسلمين يشاطرونني الرأي لبناء دولة حديثة قادرة على إعطاء الحق للمواطن العربي والضمانات للجماعات الطائفية.
لا لدعوات حمل السلاح
ــ يعني دعوة البعض لحمل السلاح مرفوضة؟
- أكيد وبشكل مطلق، لأن ضمانة المسيحي هي الدولة وإذا وجد المسيحيون أن صورة الدولة تهتز يبحثون عن ضمانات أخرى، وهناك أناس يقولون ان الضمانة هي الإتيان من مجلس الأمن بقرار لحماية الأقليات في المنطقة، وفي رأيي ان مجلس الأمن لن يستجيب لمثل هذه المطالب، وهناك أناس يطرحون ضمانة ذاتية من خلال حمل السلاح. وأنا أقول ان الضمانة الكبيرة عبر مجلس الأمن لا تحمي ولا الضمانة الصغرى عبر حمل السلاح تحمي أيضاً، فلا ضمانة للمسيحيين إلا من خلال المساحة المشتركة مع المسلمين الذين يشبهونهم.
ــ يعني دعوة البطريرك بشارة الراعي للحوار مع <داعش> مرفوضة أيضاً؟
- البطريرك الراعي قال ذلك من باب إعطاء الانطباع بأن الكنيسة المارونية تتميز بالشجاعة المطلقة التي تذهب حتى حدود الحوار مع <داعش>.