إذا كان مجلس الوزراء قد نجح في منع امتداد الفراغ الى مجلس القضاء الأعلى من خلال تعيين أعضائه غير الحكميين، بعدما طرح وزير العدل اللواء أشرف ريفي الموضوع من خارج جدول الأعمال بالتفاهم مع رئيس الحكومة تمام سلام، فإن الإشكالية التي برزت بعيد التعيين تمثلت في النص القانوني الذي يفرض على أعضاء المجلس أداء اليمين القانونية أمام رئيس الجمهورية في حضور وزير العدل، الأمر الذي يعني في ظل استمرار الشغور الرئاسي ان هذا الأمر لن يتحقق طالما لم ينتخب رئيس الجمهورية، فكيف سيتم التعاطي مع هذا الاستحقاق الذي يواجه السلطة القضائية، وهي السلطة الثالثة في البلاد؟
مصادر معنية بهذه المسألة أكدت انه في حال وُجد النص القانوني بَطُل الاجتهاد، وبالتالي فإن أداء القسم يعتبر أمراً ضرورياً لممارسة أعضاء مجلس القضاء الأعلى عملهم، وأي تدبير آخر سيجعل عمل القضاة معرضاً للطعن في حال توافق المعترضون على إجراءات يمكن أن يتخذها مجلس القضاء الأعلى وينشأ عنها متضررون. إلا ان المصادر نفسها اعتبرت ان الحالة الاستثنائية التي يمر بها لبنان أفرزت واقعاً غير مسبوق، ما دفع بالمسؤولين الى اعتماد إجراءات غير مألوفة منها تجاوز قسم اليمين أمام رئيس الجمهورية وانتظار انتخابه على ألا يؤدي ذلك الى تعليق عمل المؤسسة التي يفترض بأعضائها أداء القسم.
سابقة لجنة الرقابة على المصارف
وتورد المصادر نفسها <سابقة> لجنة الرقابة على المصارف التي باشرت عملها من دون ان يؤدي الأعضاء فيها اليمين القانونية أمام رئيس الجمهورية، على أن يتم ذلك فور انتخابه. وقد اعتبرت المصادر ان هذه الخطوة شكّلت <سابقة> ستعتمدها الحكومة في كل التعيينات التي تفرض أداء القسم أمام الرئيس، بمعنى ان يصار الى اعتماد مبدأ <اليمين المؤجل>، بحيث يتمكن الأعضاء من ممارسة عملهم منعاً لامتداد الشغور الى السلطة القضائية في الدولة.
واستبعدت مصادر قضائية معنية اللجوء الى <بدعة> أداء اليمين أمام مجلس الوزراء مجتمعاً، نظراً لما تتركه هذه الخطوة من سلبيات وما يمكن ان تحمله من تفسيرات واجتهادات ليس الوقت الآن لها، إضافة الى وجود معارضة واسعة داخل مجلس الوزراء لهذه الخطوة التي لم تعتمد منذ ان بدأ الشغور الرئاسي قبل سنة وبضعة أيام.
على أي حال، وبصرف النظر عما ستؤول إليه المداولات في ما خص تعذر أداء اليمين، فإن مراجع رسمية أكدت لـ<الأفكار> ان مجلس القضاء الأعلى سيلتئم بحلته الجديدة يوم 13 حزيران/ يونيو الجاري بعيداً عن الاعتبارات السياسية وتداعياتها، وسيكون أمامه إطلاق ورشة تنظيمية مع خطة للنهوض يتحدث عنها الوزير أشرف ريفي بكثير من التفاؤل بإمكانية تطبيقها لتحقيق الإصلاح المنشود في الجسم القضائي، وتأتي في المقدمة التشكيلات القضائية الموسعة التي سيعمل مجلس القضاء الأعلى على إعدادها لرفعها الى وزير العدل ومنه الى رئيس الحكومة والوزراء المعنيين (المال والدفاع) تمهيداً لإقرارها، لاسيما وان المناقلات القضائية لا تحتاج الى موافقة مجلس الوزراء، بل تصدر بمرسوم عادي.
مرت بهدوء... ومشلب مفتاح الحل
وكان التعيينات القضائية قد مرّت <بهدوء> في مجلس الوزراء على الرغم من عدم الحديث عنها قبل الجلسة، وبدت انها وليدة <تفاهم> بين الكتل الوزارية الكبرى داخل المجلس وهي حملت الى مجلس القضاء الأعلى القضاة ميشال طرزي (رئيس غرفة لدى محكمة التمييز والرئيس الأول الاستئنافي في بيروت)، وطنوس مشلب (رئيس الهيئة الاتهامية في جبل لبنان)، وعفيف الحكيم (رئيس هيئة القضايا في وزارة العدل)، والقاضي مروان كركبي والقاضي محمد وسام المرتضى (رئيس الغرفة الابتدائية في بعبدا). وبذلك انضم القضاة الجدد الى الأعضاء الحكميين في المجلس اي رئيسه القاضي جان فهد ونائب الرئيس المدعي العام التمييزي سمير حمود ورئيس هيئة التفتيش القضائي أحمد أكرم بعاصيري، والى القاضيين المنتخبين حبيب حدثي (رئيس الغرفة الأولى لدى محكمة التمييز)، وغسان فواز (رئيس الغرفة الثامنة).
وأشارت مصادر وزارية الى انه لم يحصل نقاش <حاد> على الأسماء المطروحة لعضوية المجلس بعد حلول القاضي طنوس مشلب (الذي سبق ان طُرح لرئاسة مجلس القضاء الأعلى بدعم من التيار الوطني الحر) في المقعد الماروني، ما شكل <مفتاح الحل> لتمرير التعيينات، علماً ان التنافس كان قد حصل في انتخاب القاضيين حدثي وفواز في انتخابات دارت بعيداً عن الأضواء في القاعة الكبرى لمحكمة التمييز في قصر العدل وأشرف عليها القاضي فهد، وبلغ عدد الناخبين 30 قاضياً من محاكم التمييز برؤسائها ومستشاريها في كل غرفها المدنية والجزائية، وهي تُمثل وفقاً للقانون بقاضيين داخل مجلس القضاء الاعلى، وقد حل حدثي وفواز مكان القاضية سهير الحركة والقاضي المتقاعد أنطوان ضاهر اللذين كانا قد فازا في انتخابات العام 2013.
لا نساء... وتمثيل المحافظات اقتصر على بيروت والجبل
وتوقفت مصادر معنية أمام خلو مجلس القضاء الأعلى بتركيبته الجديدة من العنصر النسائي بعدما كان يضم ثلاث قاضيات هن سهير الحركة وماري دنيز المعوشي وميرنا بيضا، وهو أمر يحصل للمرة الأولى منذ زمن، إذ كان المجلس يضم عادة عضواً أو أكثر من القضاة السيدات، مع العلم أن نسبة القضاة السيدات في الجسم القضائي اللبناني باتت 44 بالمئة. واللافت أيضاً أن أعضاء في مجلس القضاء سيحالون على التقاعد خلال العام 2017، أي انهم لن يكملوا مهلة السنوات الثلاث على تعيينهم، في حين يتقاعد آخرون في العام 2021.
أما العضو الأصغر سناً، فهو القاضي محمد المرتضى الذي سبق أن عين في مجلس القضاء الأعلى بين العامين 2009 و2012 وشغل مركز أمانة السر، وسيعود إليه هذا المركز ثانية، وهو قريب من القاضي فهد. وسُجل أيضاً حصر تمثيل المحافظات في مجلس القضاء الأعلى بمحافظتي بيروت وجبل لبنان فقط دون سائر المحافظات الأخرى، خلافاً أيضاً لما كان يحصل في تركيب المجالس السابقة.
ريفي يعمل لنقل مديرية
السجون الى وزارة العدل
كشف وزير العدل اللواء أشرف ريفي أنه يعمل على وضع اللمسات الاخيرة على الهيكل التنظيمي لوزارة العدل الذي يلحظ انتشار مديرية للسجون تابعة للوزارة، بدلاً من كونها تابعة لوزارة الداخلية، ومديرية أخرى تختص بسوق الموقوفين وتأمين الحراسة لقصور العدل ومرافقة القضاة وحمايتهم، لاسيما أولئك الذين ينظرون في قضايا الإرهاب. ويعتزم ريفي تقديم خريطة لإعادة توزيع المحاكم على كل المناطق اللبنانية عملاً بمبدأ الإنماء المتوازن واللامركزية الإدارية. كما يعمل على توسيع قصر العدل في بيروت ومبنى وزارة العدل ومقر جديد لمجلس شؤون الدولة، إضافة الى استحداث قصور عدل جديدة و36 محكمة منفردة في مراكز الأقضية اللبنانية.