بقلم صبحي منذر ياغي
الإرهاب وفق تعريف أحد أساتذة علم الاجتماع هو اي عمل عدواني يستخدم العنف والقوة ضد المدنيين، ويهدف الى إضعاف الروح المعنوية عن طريق إرهاب المدنيين بشتى الوسائل العنيفة. والإرهاب يستهدف الطائرات المدنية، وما تتعرض له من اختطاف، والمدينة المكتظة بالسكان وما ينالها من تفجيرات واغتيالات، ويعرف كل من يضلع في بث الخوف والرهبة في قلوب الآمنين بـ<الإرهابي>.
ولعلّ الإرهاب هو أخطر التحديات التي تواجهها المجتمعات في عصرنا، هذا ما أشار اليه الدكتور أحمد علو (عميد متقاعد) معتبراً انه في ظل تعقيدات الأزمات وتشابك المصالح، لا تبدو دولة أو ساحة بمنأى كامل عن مخاطر الأعمال الإرهابية وتداعياتها وإن تفاوتت المخاطر بين بلد وآخر ومرحلة وأخرى.
ثقافة الخوف
واستشهد الدكتور علّو بقول لمستشار الأمن القومي الأميركي السابق <زبغنيو بريجينسكي> حول ان استخدام تعبير الحرب على الإرهاب كان بهدف خلق ثقافة الخوف عن عمد لأنها «تحجب العقل وتزيد من حدة المشاعر، وتجعل من الأسهل على السياسيين الغوغائيين تعبئة الجمهور بالسياسات التي يرغبون في تمريرها».
واعتبر الدكتور علو انه قبل إعلان الحرب على الإرهاب كانت الحرب تعرف بأنها صراع مسلح بين القوات المسلحة لدولتين ضمن حدود واضحة المعالم كالحرب العالمية الأولى أو الحرب العالمية الثانية أو حرب الخليج الأولى أو الثانية، ولكن الحرب على الإرهاب غيرت كلياً المفاهيم القديمة في تعريف الحروب.لا توجد في هذا النوع من الحرب بقعة جغرافية معينة يمكن أن تعتبر جبهة القتال الرئيسة وحتى إذا تم تحديد حدود الصراع، فإن مجرد محاولة إطلاق تسمية على الحملة يكون موضوعاً مثيراً للجدل، فعلى سبيل المثال يطلق البعض تسمية غزو العراق 2003 على الحملة العسكرية التي أطاحت بحكم صدام حسين في العراق، بينما يسميها البعض الآخر«عملية تحرير العراق». ويطلق البعض تسمية المقاومة العراقية على العمليات المسلّحة التي كانت تشن على قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة والسلطات التي تشكلت عقب الحملة في العراق منذ 2003، بينما يطلق البعض الآخر عليها تسمية «العمليات الإرهابية». وهناك تباينات حتى بين المتفقين حول استعمال مصطلح معين مثل«المقاومة»، فالبعض يقسمها إلى تقسيمات ثانوية مثل المشروعة أو الشريفة وغير المشروعة، أو حتى إذا تم الاتفاق على تسمية الحرب على الإرهاب، فإنّ هناك اختلافاً في طريقة شن هذه الحرب.
في تموز/ يوليو العام 2005، تخلت الإدارة الأميركية عن استعمال مصطلح الحرب على الإرهاب وبدأت باستعمال مصطلح «الصراع الدولي ضد التطرف العنيف» Global Struggle Against Violent Extremism. ولكن بغض النظر عن التسميات، فإن هذا النوع من الحرب ما زال مثيراً للجدل.
تاريخ الإرهاب
يرى بعض الباحثين أن تاريخ العمل الإرهابي يعود إلى ثقافة الإنسان وحبه للسيطرة وزجر الناس وتخويفهم بغية الحصول على مبتغاه، بشكل يتعارض مع المفاهيم الاجتماعية الثابتة. وقد تم توصيف كلمة الإرهاب على انها العنف المتعمد الذي تقوم به جماعات غير حكومية أو عملاء سريون بدافع سياسي ضد اهداف غير مقاتلة، ويهدف عادة إلى التأثير على الجمهور.
كما يرون أن العمل الإرهابي عمل قديم يعود الى مئات السنين وليس حدثاً طارئاً في تاريخنا المعاصر. ففي القرن الأول الميلادي، قامت جماعة من المتعصبين اليهود بترويع وقتل اليهود من الأغنياء الذين تعاونوا مع المحتل الروماني في بعض مناطق فلسطين. وقد عرف هؤلاء في التاريخ باسم رجال الخناجر (Sicarii Zealots). كذلك فقد ظهرت في القرن الحادي عشر فرقة <الحشاشين> التي بثت الرعب بين بعض الحكام عن طريق القتل. وعلى مدى قرنين، قاوم الحشاشون الجهود المبذولة من الدولة لقمعهم وتحييد إرهابهم وبرعوا في تحقيق أهدافهم السياسية عن طريق الإرهاب.
أنواع الإرهاب
وقد حددت وكالة المخابرات المركزية الأميركية الإرهاب في العام 1980 بأنه <التهديد باستعمال العنف أو استعمال العنف لأغراض سياسية من قبل أفراد أو جماعات، سواء كانت تعمل لمصلحة سلطة حكومية قائمة أو ضدها، وعندما يكون القصد من تلك الأعمال إحداث صدمة أو فزع أو ذهول، أو رُعْب لدى المجموعة المُسْتَهدَفَة والتي تكون عادة أوسع من دائرة الضحايا المباشرين للعمل الإرهابي».
أما لجنة الخبراء العرب التي اجتمعت في تونس في الفترة الممتدة من 22 الى 24 آب/ أغسطس 1989 لوضع تصور عربي أولي عن مفهوم الإرهاب والإرهاب الدولي والتمييز بينه وبين نضال الشعوب من أجل التحرر، فقد وضعت تعريفاً يعد أكثر الصيغ شمولية ووضوحاً، حيث ينص هذا التعريف على أن الإرهاب هو فعل منظم من أفعال العنف أو التهديد به يسبب فزعاً أو رعباً من خلال أعمال القتل أو الاغتيال أو حجز الرهائن أو اختطاف الطائرات أو تفجير المفرقعات وغيرها، بهدف تحقيق أهداف سياسية.. في غير حالات الكفاح المسلح الوطني المشروع من أجل التحرير والوصول إلى حق تقرير المصير في مواجهة جميع أشكال الهيمنة أو قوات استعمارية أو محتلة أو عنصرية أو غيرها، وبصفة خاصة حركات التحرير المعترف بها من الأمم المتحدة ومن المجتمع الدولي والمنظمات الإقليمية بحيث تنحصر أعمالها في الأهداف العسكرية أو الاقتصادية للمستعمر أو المحتل أو العدو، ولا تكون مخالفة لمبادئ حقوق الإنسان.
وتمارس دول بنفسها أو عبر عملائها وأدواتها الإرهاب والاغتيالات السياسية التي تستهدف كل من يشكل حجر عثرة في وجه مصالح هذه الدول، أو يخالفها ، وكثيراً ما تؤدي الاغتيالات التي تستهدف الشخصيات والرؤساء الى مقتل عدد من المرافقين، والمارة، والابرياء من المواطنين الذين يصبحون ضحية صراعات سياسية لا ناقة لهم فيها ولا جمل... حتى باتت هذه الجرائم الحلقة المفزعة في مسلسل الإرهاب الدموي المستمر منذ فجر التاريخ.
تمويل الإرهاب
بشكل عام، يمكن للجماعات الإرهابية الاعتماد على التمويل من اثنين من المصادر الأولية: داخلياً، يتم توليد التمويل عن طريق فرض ضرائب على الأفراد، وعلى الأعمال التجارية وطرق النقل، والعائدات من الخطف والفدية، وأرباح التجارة. ويتم توفير التمويل الخارجي من المانحين المتعاطفين مع القضية، سواء أكانوا من الداعمين الأثرياء (ويشار إليهم أحياناً باسم <السلسلة الذهبية>) أو من أبناء الدولة في الشتات. ويتم نقل التبرعات في بعض الأحيان بين الجماعات المتشابهة في التفكير.على سبيل المثال، ذكرت وسائل إعلامية أن جماعة <بوكو حرام> النيجيرية قد تلقت 250 ألف دولار من تنظيم <القاعدة> في بلاد المغرب الإسلامي في عام 2012.
في رسالة له عام 2005، دعا نائب زعيم <القاعدة> آنذاك أيمن الظواهري فرع التنظيم في العراق إلى تحويل 100 ألف دولار له نظراً لقطع العديد من خطوط التمويل الخاصة بالتنظيم. وفي حين أن التبرعات يمكن أن توفر مصدراً أولياً للتمويل، فإنها عرضة للتعطيل من قبل السلطات ولا يمكن الاعتماد على إمداداتها.
وللحصول على الاستقلال المالي، تحتاج الجماعات الإرهابية للانتقال من التمويل الخارجي الأولي إلى التمويل الذاتي الداخلي، وهو الأكثر صعوبة في تعطيله بالنسبة للمجتمع الدولي.
المخدرات
تعتبر حركة الشباب في الصومال مثالاً جيداً في هذا الصدد. ففي حين تحصل الجماعة على تمويل محدود من مصادر خارجية، فقد عملت على تطوير نشاطها المتعلق بتصدير الفحم النباتي بشكل جيد لتصل أرباحها السنوية من هذه التجارة إلى ٨٠ مليون دولار وفقاً لتقارير الأمم المتحدة. ففي المناطق الفسيحة في منطقة الصحارى أو الساحل القليلة السكان، يعتمد تنظيم <القاعدة> في بلاد المغرب الإسلامي على مصدرين رئيسيين: اختطاف السياح والعمال الأجانب للحصول على فدية لتخليصهم، ويُعتقد أن التنظيم قد حصل على ما يقارب 100 مليون دولار على مدى خمس سنوات من هذا النشاط، والسيطرة على طرق تهريب المخدرات والتي يتم تصديرها إلى أميركا اللاتينية على طول <الطريق السريع 10>.
تجارة الرهائن
يُستخدم الخطف من أجل الحصول على فدية على نحو متزايد من قِبل الجماعات الإرهابية.وتشير التقديرات إلى أن تنظيم <القاعدة> في شبه الجزيرة العربية، ومقرّه اليمن، قد جنى 20 مليون دولار بين عامي 2011 و2013 بهذه الطريقة. ورصدت الأمم المتحدة ربحية هذه التجارة، وكشفت مؤخراً أن الجماعات الإرهابية قد جنت ما يقدر بـ120 مليون دولار من مدفوعات الفدى بين عام 2012 و2014. ويعتقد أن <داعش> قد جنت وحدها 45 مليون دولار في العام الماضي فقط.
فمنذ هجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، سعى المجتمع الدولي لعرقلة الجماعات الإرهابية من خلال استهداف مواردهم المالية. كانت الخطوة الأولى للرئيس الأميركي <جورج دبليو بوش> في ما يسمى بـ<الحرب على الإرهاب> هي ضرب الأساس المالي لشبكة الإرهاب العالمية. ومع ذلك كما نشهد في جميع أنحاء شمال سوريا والعراق، فإن منع التمويل عن المتطرفين ليست مهمة سهلة طالما تطوروا من الاعتماد الخارجي إلى الاكتفاء الذاتي الداخلي.
وتاريخ البشرية حافل بجرائم الإرهاب والاغتيالات السياسية التي طالت رؤساء وملوكاً وشخصيات بارزة ولعل أبرزها اغتيال ولي عهد النمسا <فرنسوا فردينان> على أيدي احد الصربيين المتطرفين التي كانت الشرارة الاولى لاندلاع الحرب العالمية الاولى عام 1914.
أسباب الاغتيال في منظور اوغاسبيان
تعتبر عمليات الاغتيال من اهم فصول الإرهــــاب، ومــــن أبــــــرز الوسائل التي يلجأ اليهــــا الإرهابيــــــون لتحقيـــــق مآربهــــم وغاياتهم، وأسباب الاغتيال ودوافعه، كثيرة ومنوعة.
النائب جــان اوغاسبيان الذي كان برتبة مقدم في الجيش اللبناني، وفي عداد لواء الحــــرس الجمهـــــوري ايـــــام الرئيس اليــــــاس الهــــــراوي، يــــــرى ان اهـــــم أسباب عمليـــــات الاغتيال هي:
- أسباب ثورية أو سياسية: اذ انه غالباً ما تلجأ المجموعات التي تشعر برغبة في تغيير الحكم القائم الى اغتيال كبار المسؤولين، ويعتقد القاتل ان الاشخاص المستهدفين يمثلون الحكم الذي هو سبب القمع وعدم الانصاف والاضطهاد.
- أسباب اقتصادية: يُعتبر الضحية في عمليات الاغتيال مسؤولاً عن الاحوال الاقتصادية السيئة والفقر والحرمان التي تؤثر مباشرة على دولة ما أو مجموعة من الناس، وعلى القاتل نفسه.
- أسباب ايديولوجية ودينية: يؤمن القاتل ان الضحية تعرّض المبادىء التي يؤمن بأهميتها للخطر. وقد تنبثق الأسباب الايديولوجية لعملية اغتيال من معتقدات دينية وعقائدية، اذ يأمل القاتل في تغيير النظام القائم. وقد يرغب القاتل في لفت الانظار المحلية والعالمية لمجموعته عن طريق استخدام الإرهاب. المناضلة الفلسطينية السيدة <تريز هلسة> التي شاركت مع مجموعة من الفدائيين في 8/5/1972 في خطف الطائرة البلجيكية <سابينا> وعلى متنها 80 مواطناً اسرائيلياً، اعتبرت في حديث سابق لها ان عملية الخطف هذه كانت لسببين: الاول، إسماع صوت القضية الفلسطينية في المحافل الدولية. والثاني الضغط على اسرائيل لإطلاق سراح السجناء الفلسطينيين...
- أسباب شخصية: يغتال القاتل شخصاً بدافع الثأر أو الغيرة أو الكراهية أو الغضب الشديد، أو بسبب خلافات نسائية وعائلية أو دوافع شخصية أخرى.
- أسباب نفسية: يكون الخلل العقلي والعاطفي أو التعصب من أهم العوامل المسببة لأغلب الاعتداءات التي وقعت، وفي معظم الاحوال تظهر على الرجال الذين يرتكبون عمليات اغتيال علامات تدل على انهم يعانون مشاكل نفسية حتى ولو كانت الأسباب الحقيقية لعملية الاغتيال ثورية أو اقتصادية أو ايديولوجية، ولا يشكّل وجود اكثر من سبب واحد لعملية الاغتيال أمراً غريباً الا ان الأسباب النفسية هي الأكثر شيوعاً.