منذ اندلاع الثورة في سوريا في منتصف آذار/ مارس 2011، شكلت الساحة السورية ارضاً خصبة <للجهاديين الاسلاميين>، الذين يعتبرون ان محاربة الطاغوت والكفار واجب شرعي وفي اي مكان من بلاد المسلمين. فالسلفية الجهادية عبارة عن جماعات أو أفراد، حملوا فكرة الجهاد المسلح ضد الحكومات القائمة في بلاد العالم الإسلامي، أو ضد الأعداء الخارجيين، والتزموا فكراً محدداً يقوم على مبادئ الحاكمية وقواعد الولاء والبراء.
مع تطور الاحداث والمعارك في سوريا، شهدت البلاد اقبالاً كثيفاً لأصوليين من مختلف الجنسيات، ومن عدة دول، الأمر الذي دفع بالاجهزة الاستخباراتية الغربية الى رصد حركة الجهاديين الاجانب في سوريا، وتعقب تحركاتهم.
وتشير تقديرات لدراسة استخباراتية أميركية انه <من أواخر عام 2011 وحتى 10 كانون الأول/ديسمبر 2013> وصل ما بين 3,300 و11,000 شخص إلى سوريا للقتال ضد حكومة الأسد. وتشمل هذه الأرقام الموجودين هناك في الوقت الحالي ومن عادوا إلى أوطانهم منذ ذلك الحين أو من تم اعتقالهم أو قتلهم. وفي حين ما زال العرب والأوروبيون يشكلون الجزء الأكبر من المقاتلين الأجانب (ما يصل إلى 80 في المئة).
غرب أوروبا
وتشير تقديرات الدراسة الاستخباراتية الأميركية إلى أن عدد المقاتلين من أوروبا الغربية يتراوح بين 396 إلى حوالي 1,937. ويمثل الأوروبيون الغربيون الآن ما يصل إلى 18 في المئة من المقاتلين الأجانب في سوريا، حيث يأتي معظم المجندين من فرنسا (63 ـــ 412)، وبريطانيا (43 ـــ 366)، وألمانيا، (34 ـــ 240)، وبلجيكا (76 ـــ 296)، وهولندا (29 ـــ 152)، وإذا قمنا بتعديل الرقم وفقاً لحجم السكان، فإن البلدان الأكثر تأثراً هي بلجيكا (بما يصل إلى 27 مقاتلاً أجنبياً/ المليون نسمة) والدنمارك (15)، وهولندا (9)، والسويد (9)، النرويج (8)، والنمسا (7).
الشرق الأوسط ـــ شمال أفريقيا
وتقول الدراسة انه <لا يزال الأفراد من بلدان الشرق الأوسط يمثلون أغلبية المقاتلين الأجانب (بنسبة 70 في المئة تقريباً). وأن ما يصل إلى 6,774 مقاتلاً من العرب غير السوريين و523 مقاتلاً إضافياً غير عربي من المنطقة (الأوسع) توجهوا إلى سوريا. وجميع الدول الخمس التي قدم منها أكبر عدد من المقاتلين الأجانب في سوريا هي جزء من الشرق الأوسط : فالأردن هو أكبر مساهمة منفردة (ما يصل إلى 2,089)، تليه المملكة العربية السعودية (1,016)، وتونس (970)، ولبنان (890)، وليبيا (556).
مناطق أخرى
وتشكل دول البلقان ودول الاتحاد السوفياتي السابق المناطق الأكثر أهمية لتجنيد المقاتلين الأجانب خارج دول أوروبا الغربية والشرق الأوسط. ففي البلقان يأتي أكبر عدد من المقاتلين الأجانب من كوسوفو (4 ـــ 150)، وألبانيا (9 ـــ 140)، والبوسنة (18 ـــ 60)، مع أعداد أقل من مقدونيا(3 ـــ 20) وصربيا(3)، وبلغاريا (1). ومن بين دول الاتحاد السوفييتي السابق، تأتي الأعداد الأكبر من روسيا(9 ـــ 423 باستثناء الشيشان: 36 ـــ 186)، كازاخستان(14 ـــ 150)، وأوكرانيا (50)، وقيرغيزستان (9 ـــ 30)، بينما يأتي حوالي 10 مقاتلين أو أقل من ذلك من الدول الأخرى. وأبرز الدول الغربية غير الأوروبية هي استراليا (23 ـــ 205)، وكندا (9 ـــ 100)، والولايات المتحدة (17 ـــ 60). وبلدان المنشأ البارزة الأخرى هي باكستان (7 ـــ 330)، والصين (6 ـــ 100)، والصومال (5 ـــ 68)، وأفغانستان (12 ـــ 23).
ما هي المجموعات التي ينضمون إليها؟
ووفق معلومات من باحثين ومتابعين لنشاطات التنظيمات الاصولية فإن أكثر المقاتلين الاجانب الذين وفدوا الى سوريا انضموا الى <جبهة النصرة>، وتنظيم <الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، وبعض المقاتلين باتوا أعضاء في <جيش المهاجرين والأنصار>، و<حركة أحرار الشام الإسلامية>، و<كتيبة صقور العز>، و<لواء الأمة>، و<حركة شام الإسلام>.
الاقبال الاصولي السني للمشاركة في الحرب السورية الى جانب الثوار السوريين مرده برأي الباحث احمد كموني خلال حديثه مع <الافكار> الى مشاركة حزب الله الواسعة والميليشيات الشيعية العراقية (كتائب عصائب الحق)، وقوات من الحرس الثوري الايراني إلى جانب نظام الأسد. وربما يكون ذلك قد أدى إلى تكريس مفهوم بأن الصراع في سوريا بات طائفياً، وأن السنة بحاجة إلى الوقوف معاً من أجل وقف تقدم الأعداء <الشيعة>. وفي الواقع أن هذا النوع من التضامن أدى إلى حشد هذا العدد من المقاتلين السنة الأجانب>.
وبرأي كموني: أن تجنيد المقاتلين الأجانب سوف يستمر، في ظل غياب الحل السلمي، والدوافع الأساسية للذهاب إلى سوريا ستظل كما هي، دون ان ننسى ان عملية الحشد الحالية هي أكبر من جميع عمليات حشد المقاتلين الأجانب الأخرى منذ حرب أفغانستان في ثمانينات القرن الماضي. ورغم أن صراعات أخرى مثل تلك التي حدثت في العراق والصومال وأفغانستان استمرت لفترات أطول (بكثير)، إلا أن أياً من تلك الصراعات لم يستطع حشد هذا العدد من المقاتلين الأجانب. وحتى العمليات الجهادية المناهضة للسوفييت في ثمانينات القرن الماضي لم تجذب هذا العدد من الأجانب كما في سوريا خلال الفترة الزمنية نفسها.
تونس.. أم الربيع العربي
والثورة السورية كانت لها تردداتها على معظم الدول العربية وحتى الاوروبية والأميركية، وباتت سوريا في عين العاصفة، ووفق تقارير اوروبية ان تونس التي تعتبر أم الربيع العربي الذي انطلق منذ ان أحرق الـ(بو عزيزي) نفسه، باتت أكثر الدول المصدرة للثوار والمجاهدين، وهذا ما دفع بالزميل حازم الامين للتأكيد بأن «الجهاد في سورية> يُشكل اليوم واحداً من أبرز أشكال الانقسام السياسي في تونس، فدولة «الربيع العربي> هي اليوم أكثر من يُرسل المقاتلين الى سورية. في العاصمة وفي ضواحيها، وفي المدن التونسية البعيدة، لا سيما مدن الجنوب والوسط، مئات بل آلاف من العائلات التي غادر شبان منها الى «الجهاد> في سورية>.
وأكد الامين ان معظم من تلتقيهم في تونس، لا بل جميعهم، لهم أقارب أو معارف أو جيران غادر أفراد منهم الى شمال سورية عبر تركيا. كما أن الأمر لا يقتصر على شرائح اجتماعية دون غيرها. صحيح أن البيئات الفقيرة كانت أكثر من سلك طريق «الجهاد»الى تلك الدولة البعيدة، لكن تبع الفقراء الى هناك مئات من خريجي الجامعات التقنية ومن أبناء الفئات المتوسطة والمتوسطة العليا. واذا كان الجنوب التونسي أول من بادر للذهاب الى سوريا كونه يشكل القاعدة التقليدية للإسلاميين، فإن الوسط والشمال لحقا به، لا بل فاقاه حماسة، وها هي مدينة بنزرت المناضلة في أقصى الشمال تتحول عاصمة «للمجاهدين في سورية>.
بعد تونس تندرج ليبيا في عداد الدول المصدرة للجهاديين، وهي محور رئيسي للعديد من المقاتلين الذاهبين إلى سوريا. فجماعات مثل <أنصار الشريعة في ليبيا> قد وفّرت التدريب لليبيين وتونسيين وغيرهم من شمال أفريقيا. بالإضافة إلى ذلك، فقد سافر العديد من السوريين إلى ليبيا للتدريب، ثم عادوا إلى وطنهم لاستخدام مهاراتهم الجديدة ضد النظام.
من ناحية اخرى أشارت مصادر الى مشاركة أعداد كبيرة من الجهاديين السعوديين والخليجيين في سورية تحت لواء جماعات جهادية، وان عدداً كبيراً منهم لقي حتفه، ومعظم هؤلاء ذهبوا الى القتال بتحريض من رجال دين عبر فضائيات سعودية وخليجية، وقد أدركت المملكة العربية السعودية خطورة هذه الظاهرة وبدا ذلك من خلال الأمر الملكي الذي أصدره العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز وقرر بمقتضاه معاقبة كل من يشارك في <اعمال قتالية> خارج المملكة بالسجن بين ثلاث سنوات وعشرين سنة انطلاقاً من <سد الذرائع> ومنع الاخلال بالامن و<الضرر بمكانة المملكة>، كما تطاول العقوبة كل من يؤيد الجماعات <الارهابية> أو يتبنى فكرها أو الافصاح عن التعاطف معها، بأي وسيلة كانت، أو دعمها مالياً أو التحريض على الدعم، أو التشجيع عليه، أو الترويج له بالدعم أو الكتابة.
وكان الإعلامي السعودي المعروف داوود الشريان قد شن حملة ضد الدعاة الذين يحرضون المواطنين السعوديين على الجهاد في سورية، ويقومون بتجنيدهم، ولا يستبعد داوود الشريان وفي إطار هذا القانون، أن تجري السلطات السعودية اعتقالات تستهدف بعض الدعاة الذين حرضوا على الجهاد في سورية.
تنامي المجموعات المتشددة
وتخشى الدول التي يخرج منها (الجهاديون) ان يعود هؤلاء الى بلادهم بعد انتهاء الثورة في سوريا، ويمارسوا أعمالاً ارهابية داخل دولهم، كما حصل مع الذين عــــــادوا مـــــن ارض الجهـــــاد ضد الروس في افغــــــانستان، وعرفوا بـ ( الافغان العرب).
الباحث في مكافحة الارهاب جاسم محمد، اشار: الى ان الخبراء في مكافحة الإرهاب حذروا من أن الشبان الأوروبيين والعرب العائدين من مناطق القتال في سوريا يمثلون التهديد الرئيس على صعيد إمكان شنهم أعمال عنف في بلدانهم. وسُلطت الأضواء من جديد على تنامي وجود المجموعات المتشددة في أوروبا بعد تزايد أعداد المتطرفين القادمين منها إلى سوريا للقتال مع المجموعات المتطرفة، بعد أن أضحت البلاد التي تشهد صراعاً منذ حوالى العامين، مصدر جذب للمقاتلين من بلاد القوقاز والمغرب ومن جيرانها الشرقيين ومن أوروبا وحتى أميركا.
الرحلة الجهادية
غالباً ما تبدأ الرحلة الجهادية من تركيا المجاورة، وتحديداً من مدينة أنطاكية، على بعد أربعين كلم فقط من حدود بلدية <ريحانلي> التركية، التي تحولت الى ممر لعبور المقاتلين الاجانب الوافدين الى تركيا والراغبين في القتال على أرض سوريا، وفي المدينة.. محلات لبيع تجهيزات وبزات عسكرية وأجهزة اتصال لاسلكية وألبسة عليها شعارات اسلامية، لكن صاحب المحل ينفي اي علاقة لسلعه مع التنظيمات الاسلامية، فهو يقول انه بييع تجهيزات الصيد.
الأوروبيون كانوا حريصين على مكافحة الارهاب في دول الصراع لكي لا يقترب كثيراً من الضفة الاخرى للبحر الابيض المتوسط. لكن رغم هذه السياسات الاحترازية، فقد تحولت اوروبا الى مناطق لتدفق اللاجئين الى سوريا، أبرزهم من بلجيكيا وهولندا والمانيا وبريطانيا، اي أوروبا الغربية.
ولكن كيف يحصل التطوع في اوروبا؟
تجيب مصادر استخباراتية أوروبية في بيروت، ان ما يحصل في أوروبا من عمليات تطوع للمقاتلين يكون من خلال:
- شبكة عمل تعمل لصالح التنظيمات <الجهادية> بينها القاعدة والنصرة وباقي التنظيمات.
- بواسطة جمعيات إسلامية ومنظمات اسلامية تنشط من داخل أوروبا باسم الدين.
- عبر شبكة <الانترنت> كوسيلة للتواصل بين رفقاء السلاح بعد عودتهم، وهذه الاتصالات تحفز مشاعر التطوع.
- أغلب المتطوعين هم من الذين فشلوا في حياتهم ولم يستطيعوا الحصول على تعليم أو فرص عمل.
- شعور بعض المهاجرين من اصول اسلامية بالتهميش.
إجراءات أمنية
وتقوم الدول الاوروبية بفرض رقابة مشددة على بعض الافراد الذين يحملون ميولات <جهادية> قبل سفرهم، وتكون المراقبة البشرية والفنية، وفق أحكام قضائية وغير مخالفة للدستور، وإغلاق بعض الجمعيات والمؤسسات المتشددة التي تدعو الى التطرف والعنف.
وتجد أوروبا صعوبة في منع المتطوعين من السفر، بسبب عدم سفرهم مباشرة الى مناطق الصراع ومنها سوريا و<وزيرستان>، ومن هناك على سبيل المثال يتوجه المتطوعون وفق تعليمات شبكة العمل الى تركيا. ويسلكون محطات عدة غير مباشرة، تتضمن بيوت آمنة في داخل سوريا، بالقرب من الحدود السورية، أشهرها منطقة <ريحانلي> التركية. ويسافر المقاتلون الى داخل سوريا من تركيا في باصات صغيرة، بعد تجمعهم من قبل شبكة العمل. ولا يتم إدخال المقاتلين في ساحات القتال مباشرة إلا بعد إخضاع المتطوع لدورة تصل الى شهر تتضمن دروساً قتالية وفي العقيدة <الجهادية>. ولا يتم قبول أي متطوع إلا بتزكية من وكيل شبكة العمل في تلك الدولة.