بقلم علي الحسيني
[caption id="attachment_83524" align="alignleft" width="364"] الجوع كافر[/caption]اتسعت رقعة الفقر في لبنان بشكل مُخيف وذلك عقب الأزمات المالية والاقتصادية التي عصفت به منذ بداية العام الجاري، بالإضافة إلى جائحة "كورونا" التي خلّفت بدورها أضراراً كبيرة على كل الصعد وخصوصاً الإقتصادية بحيث ارتفعت نسبة البطالة إلى مستوى غير مسبوق نتيجة إهمال السياسيين لهذا الجانب أولاً وانصرافهم الى التلهّي بمصالحهم، وأيضاً نتيجة تأثر مئات إن لم نقل آلاف المؤسسات بالوضع ككل، مما اضطرها إمّا إلى إغلاق أبوابها او تخفيض عدد العمّال لديها، أو الإنتقال إلى الخارج ريثما تتوضّح صورة الوضع في لبنان بشكل أفضل.
البنك الدولي: الفقر في لبنان سيواصل التفاقم
في تقرير له نشره منذ أيّام قليلة، حذّر البنك الدولي من أن الفقر في لبنان سيواصل التفاقم حيث من المتوقع أن تبلغ نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي 194 في المئة ومن المتوقع أن يُصبح أكثر من نصف السكّان تحت خط الفقر بحلول العام المقبل. وانتقد البنك الدولي السلطات اللبنانية بسبب الغياب المتعمد لإجراءات فعالة على صعيد السياسات متهماً إياها بالغياب المتعمد لإجراءات فعالة على صعيد السياسات الأمر الذي أدّى إلى تعريض الاقتصاد لركود شاق وطويل. وقال التقرير: يعاني لبنان من استنزاف خطير للموارد، لاسيما رأس المال البشري، فيما أصبح نزف العقول خيار اليائسين على نحو متزايد.
ولفت البنك الدولي الى أن السلطات اختلفت فيما بينها بشأن تقييم الأزمة، وتشخيصها، وحلولها، موضحاً ان النتيجة كانت سلسلة من تدابير السياسات غير المنسقة، وغير الشاملة، وغير الكافية والتي فاقمت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
أرقام مخيفة في أعداد الفقراء
يبلغ عدد اللبنانيين تحت خط الفقر 1,5 مليون وعدد اللبنانيين فوق خط الفقر 2,5 مليون نسمة، إضافة إلى 178,200 لاجئاً فلسطينياً تحت خط الفقر و91,800 لاجئاً فلسطينياً فوق خط الفقر، في حين يبلغ عدد اللاجئين السوريين المسجلين لدى الأمم المتحدة بصفتهم لاجئين تحت خط الفقر 720 الفاً، واللاجئين السوريين المسجلين فوق خط الفقر 780 الفاً، وذلك وفقاً لما أوردته دراسة للأمم المتحدة حول الفقر في لبنان تحت عنوان "الحاجات ذات الأولوية". وأظهرت الدراسة ارتفاع نسبة أعداد الفقراء في
[caption id="attachment_83526" align="alignleft" width="333"] ضد الجوع وبس[/caption]لبنان بنسبة 61 في المئة منذ العام 2011 لغاية العام الماضي وأن 28,55 في المئة من سكان لبنان يعيشون بأقل من أربعة دولارات يومياً.
مصدر وزاري معنيّ إلى حد كبير بأزمة الفقر التي تطال لبنان، يُشير إلى أنه عندما ترتفع نسبة البطالة من نحو 25 في المئة إلى 32 في المئة وهي مرشحة لأن تصل إلى 65 في المئة في حال استمر الوضع الحالي، معنى ذلك ارتفاع في معدلات الفقر. فمعدلات الفقر اليوم تطال تقريباً 55 في المئة من الشعب اللبناني، منهم 25 في المئة دون خط الفقر دخلهم الشهري لا يكفي لتأمين الغذاء الصحي والسليم، و30 في المئة فقراء دخلهم يكفي لتوفير الغذاء لكنهم عاجزون عن توفير الطبابة والتعليم والسكن الملائم واللباس وغيرها، وعندما نتحدث عن ارتفاع نسبة البطالة فهذا يعني ارتفاع نسبة الفقر.
ويُضيف: إن 90 في المئة من اللبنانيين لديهم الرغبة في الهجرة والسفر، لكن القدرة قد لا تكون متوافرة لأن السفر والهجرة مرتبطة أولاً بمدى تسهيل الدول إعطاء التأشيرات، وثانياً توفر فرصة عمل في الخارج وثالثاً مدى إمكانية توافر المال. ويوضح الوزير المعني أنه في العام 1917 وصل عدد المهاجرين إلى 18 ألفاً، وعام 2018 وصل العدد إلى 33 ألفاً وعام 2019 وصل إلى 66 ألفاً، وإذا أردنا أخذ أوّل فترة 3 أشهر من العام الحالي فقد وصل العدد إلى 25 ألفاً مقابل 19 ألفاً في الفترة الماضية، مما يعني وجوداً للارتفاع في عدد المهاجرين من لبنان في الأشهر القليلة المُقبلة.
من الفقر الى الموت
هي قوارب الموت التي أصبحت بمثابة الورقة الأخيرة في هذه الحياة بالنسبة الى مئات العائلات التي تُجرّب حظها مع البحر من اجل العبور إلى ضفاف آمنة. آخر هذه التجارب كانت منذ فترة وجيزة مع عائلات طرابلسية اختارت الهروب من الجوع عبر قوارب لا تصلح حتّى لصيد الأسماك، لكن الموت كان أسرع حيث اختار الطفل سفيان ابن العامين والنصف عام بعد أن اسلم روحه نتيجة الجوع والعطش، مما اضطر والده الى رمي جثته في البحر بعدما انتفخت بسبب اضطرار والده الى وضع مياه من البحر داخل عبوة الحليب بعد نفاذ مياه الشرب من على متن القارب.
وفي ظل الوضع المتردي الحالي، تكشف مصادر أمنية أن مافيات التهريب عادت لتنشط بكثرة في هذه الأيام وغالباً ما تتم عمليات التهريب من ميناء طرابلس، ومن هناك إلى اوروبا. وتشير المصادر إلى أنه في كثير من الأحيان يقع الهاربون على قوارب الموت في مصيدة شبكات التهريب التي تتقاضى الأموال من الناس قبل صعودهم إلى القوارب حيث تبلغ القيمة خمسة ملايين ليرة عن كل شخص، لتعود وتتركهم إما في عرض البحر، أو أن توصلهم إلى حدود الدولة القبرصية ثم تتركهم ليواجهوا مصيرهم مع خفر السواحل.
سيناريوات سوداوية
في تقرير أعدته مراسلة صحيفة "تلغراف" البريطانية في بيروت "أبي تشيزمان" عن
[caption id="attachment_83525" align="alignleft" width="339"] الوزير رؤول نعمة: فعلنا كل ما في وسعنا.[/caption]الوضع الاجتماعي في لبنان، تحت عنون "سيناريوهات سوداوية" توقّعت أن يموت عدد غير قليل من الناس من الجوع في هذا البلد الصغير جراء الأزمات المتلاحقة التي تعصف به وتحديداً نتيجة تعرّض لبنان لأسوأ أزمة اقتصادية في التاريخ الحديث، بعد أن فقدت الليرة اللبنانية أكثر من 80 في المئة من قيمتها في الأشهر الأخيرة، وتحديداً منذ تشرين الأول العام الماضي عندما بدأت الاحتجاجات لمكافحة الفساد في البلاد. ولفتت إلى أن ازمة "كورونا" ساعدت أزمة في تفاقم الأزمة الاقتصادية وارتفاع البطالة وانخفاض قيمة الأجور وارتفاع الأسعار، بالإضافة إلى وجود حوالي 1.5 مليون لاجئ، وهو الأعلى على مستوى العالم مقارنة بعدد السكان.
هذا الكمّ من الأزمات والتخبط، دفعت وزير الاقتصاد في حكومة تصريف الأعمال راؤول نعمة للقول إن الانتكاسة الاقتصادية التي تعرض لها لبنان جعلته دولة فاشلة تعيش في خضم أزمة غير منظورة من جانب العالم، لكن سيتم في نهاية المطاف الاتفاق على خطة إنقاذ مع صندوق النقد الدولي لمساعدة لبنان لأنه في نهاية كل طريق، ضوء لا بد أن يشعّ نوره.
ورداً عن سؤال حول ما إذا كان من الإنصاف وصف لبنان بأنه دولة فاشلة، قال: بالطبع إنها كذلك، فالأزمة الاقتصادية أدت إلى انهيار الأشياء الأساسية. وفي جانب آخر، فإن الحكومة فعلت كل ما هو مطلوب للخروج من هذه الأزمة وعلى الحكومة المُقبلة أن تعمل على الطريق نفسه لاحتواء الأزمة بأسرع وقت. وتحدث نعمة عن إخفاقات الحكومات المتعاقبة في لبنان، وقال : نحن ندفع ثمن الإدارة السيئة للاقتصاد والجانب المالي من اختلالات الموازنة وميزان المدفوعات لمدة 30 عاما. الكثير من الناس الذين كانوا ميسوري الحال باتوا الآن على حافة الفقر.