ظاهرة جديدة اسمها الخوف باتت تسيطر على حياة مجمل اللبنانيين تمنعهم من ممارسة حياتهم بشكل طبيعي، بل اكثر من ذلك فإن هذه الظاهرة ألزمت معظم أبناء الشعب اللبناني البقاء في منازلهم وعدم ارتياد الاماكن العامة خوفاً من انتحاري يمكن ان يُفجر نفسه بين الناس او سيارة ملغومة يمكن ان تجتاح هذه المنطقة او تلك لتحصد ارواح الابرياء. وبين الخوف والموت اصبح اللبناني يعيش حياة صعبة ومعقدة وسط سؤال وحيد يتبادر الى ذهن الجميع هو، هل سيقع انفجار اليوم؟
لم يعد الخوف من التفجيرات هاجساً يسيطر على منطقة في لبنان دون سواها فالجميع اصبح هدفاً وتحت مرمى الارهاب الذي يجند كل طاقاته لزرع الرعب في قلوب اللبنانيين رجالاً ونساء اطفالاً وشيوخاً لا فرق فالمهم حصد اكبر عدد من الابرباء ان في الاماكن العامة او على الطرقات. وآخر موجات الرعب التي ضربت هذا البلد بعد مجموعة عمليات تفجيرية في البقاع وبيروت تمثل بإعلان <لواء أحرار السُنة - بعلبك> أنه سيستهدف الكنائس في البقاع بشكل خاص ولبنان بشكل عام بهدف تطهير إمارة البقاع الإسلامية بشكل خاص ولبنان بشكل عام من كنائس الشرك وإيقاف قرع أجراسها وذلك على أيدي مجموعة خاصة من المجاهدين الذين تم تحضيرهم لهذا الغرض.
وكان سبق الحديث عن < إمارة البقاع الإسلامية> اعلان لتنظيم <داعش> كشف من خلاله عن وجوده في لبنان تحت مسمى <ولاية دمشق القلمون> وحمل عنوان <غزوة أول الغيث>، وأكد فيه أن انغماسيين من أسود الدولة الإسلامية في العراق والشام قاما بالانغماس داخل مدينة بيروت في فندق دو روي بمجموعة أمنية تابعة للأمن العام الموالي لحزب الله وهو ما فسره بعض الخبراء في تطوّر التنظيمات الاصولية وجود <داعش> بشكل فعلي في لبنان الذي كان تم اعلانه بالأمس القريب ساحة جهادية لتنظيم <كتائب عبد الله عزّام> الذي سبق وتبنى مجموعة من العمليات الإنتحارية أبرزها تفجير السفارة الإيرانية في بيروت.
من هو أمير <ولاية لبنان>؟
مطلع الاسبوع المنصرم أعلن تنظيم <الدولة الاسلامية في العراق والشام> (داعش) تعيين أمير على <ولاية لبنان> يدعى <عبد السلام الأردني> المعروف بلقب <ذئب القاعدة> اسمه الكامل عبد الملك يوسف عثمان عبد السلام أردني الجنسية وهو معتقل سابق لدى السلطات اللبنانية كان جهاز الأمن العام أوقفه في صيف العام الماضي 2013 إلى جانب شادي المولوي ابن مدينة طرابلس وكان متهماً بالإرهاب، وشخص آخر قطري الجنسية. ولم يكن عبد السلام الشخص الهاديء داخل سجنه اذ انه راح يعزز نشاطه المتطرف في المبنى <ب> تارة عبر تجنيد خلايا بين السجناء وطوراً عبر اثارة المشاكل وصولاً الى حد ابتكاره أساليب جديدة لعمليات التهريب التي نجح في معظمها وذلك تمهيداً لاعداد مجموعات في الداخل اللبناني هدفها الاساس اسقاط <النظام الكافر>. ومن المعروف ان عبد السلام هو خارج السجون اللبنانية اليوم ولم يعرف حتى الساعة ما اذا كان أخلي سبيله بشكل قانوني أم انه تمكن من الفرار مع مجموعة من السجناء.
كيف قرأ اللبنانيون خبر <ولاية لبنان>؟
بغض النظر عما اذا كان بيان <داعش> حول تعيينه أميراً على لبنان ام لا خصوصاً وان التنظيم لا يرى في لبنان سوى امتداد او جزء من الشام ولذلك لا يرى في هذا البلد سوى امارة تابعة للشام ومن المستحيل ان يطلق عليه اسم لبنان، الا ان الخوف من الآتي من الأيام أصبح جزءاً أساسياً من حياة اللبنانيين وتحديداً المسيحيين منهم الذين يعتبرون وطنهم البلد الام الذي لا مفر من الحياة والموت فيه. وهنا تقول جويل شعيا ابنة الاشرفية: نعم بتنا نخاف على مصير اولادنا وعلى مستقبلنا في لبنان فهناك من يريد ان يعلن بلد العيش المشترك امارة للارهاب والقتل بينما هو عكس ذلك، فلبنان وكما قال البابا <يوحنا بولس الثاني> هو رسالة وبلد محبة وتسامح ولذلك لا يجوز لاي فئة ان تستبيح الحياة في بلدنا وعلينا ان نتكاتف جميعاً مسلمين ومسيحيين للدفاع عن رسالتنا هذه لاننا في حال فقدنا وطننا فلن نجد بديلاً عنه وسنشرد كما هو حال الشعب الفلسطيني اليوم.
اما نادين حمزة ابنة السادسة عشرة وهي من والد مسلم ووالدة مسيحية تقول بلغة عربية محببة، منذ خمس سنوات قرر والدي ان نستقر في لبنان بعدما كنا نعيش في اسبانيا بلد والدتي، أحببت الحياة هنا كثيراً وتعلقت بأقاربي وبأصحابي الجدد لدرجة انه لا يكاد يمر يوم واحد من دون رؤيتهم. واليوم اخاف عليهم وعلى اهلي من ان يُقتلوا بسيارة مفخخة، او حزام انتحاري، خصوصاً اننا نعيش بالقرب من منطقة تعتبر مستهدفة على الدوام. فأنا لا أريد ان أرحل عن لبنان هو بلد جميل كل الناس تقصده للتمتع ببحره وجبله وجنوبه وشماله. وانا شخصياً أعشق منطقة <فاريا> ويمكن ان أدافع عن هذا البلد بأي شكل من الاشكال اذا طلب مني، وأريد ان اقول شيئاً مهماً: أنا لدي قريب لوالدي شهيد في المقاومة سقط في الجنوب ضد اسرائيل>.
بدورها جورجيت بيتموني ابنة منطقة الحدث والاستاذة في العلوم السياسية في جامعة الاردن تشير الى ان ما نسمعه عبر الاعلام لا يعدو كونه حرباً نفسية تشن على جميع اللبنانيين. لكن في الوقت عينه يجب على الدولة اللبنانية ان تأخذها على محمل الجد وان تسعى للحد من الارهاب الذي يطاول لبنان لأننا نعلم ان منعه بشكل مطلق هو من الامور المستحيلة في ظل الظروف التي نعيشها خصوصاً وان لبنان ساحة صدى وليس فعل، فما يجري عندنا هو صدى لما يحصل في العالم كله وتحديداً في سوريا والعراق>. وتضيف بيتموني: لا يمكننا كلبنانيين مواجهة المخاطر التي تحدق بنا إلا من خلال موقف موحد، موقف يعبر عن تضامننا وعن وحدة مصيرنا. وعلينا ان ندرك تماماً ان ما يصيب المسلمين سوف يصيب المسيحيين ايضاً ، فكلنا في مركب واحد ولا سمح الله ان حصل وهجرنا من بلدنا فلن نجد من يتحنن علينا ولو بقطعة أرض وسنصبح لاجئين في دول العالم داخل بيوت مصنوعة من الخيم كما هو حال اللاجئين السوريين اليوم.
لبنان بلد يتأثر بالخوف من الارهاب
يعتبر لبنان من أكثر الدول تأثراً بارتفاع نسبة الخوف من الإرهاب فيه، ولاسيّما مع تأثّره بالحرب الأهليّة السوريّة على حدوده، وبلوغ عدد النازحين السوريّين إليه ما يربو على ربع عدد سكّانه. هذا ما خلصت إليه دراسة نُشرت هذا الأسبوع ونقلتها صحيفة <واشنطن بوست>.
وشملت الدراسة ما يزيد على 14 ألف شخص يتوزّعون على 14 دولة، أجريت بين شهري نيسان وأيّار الفائتين، قبيل استيلاء تنظيم <داعش> على مناطق واسعة من العراق وسوريا، وإعلانها قيام الدولة الإسلاميّة وتعيين قائدها أبو بكر البغدادي خليفة عليها. لكن الامور لا تقف عند هذا الحد، إنّما تسجّل درجة الخوف المتنامي والغضب الذي يشعر به المسلمون في دول ذات أغلبيّة مسلمة، عندما يواجهون تهديدات، سواء من أمثال <بوكو حرام> في نيجيريا، أو من حركة طالبان في باكستان، أو من <داعش> في العراق وسوريا. وأشارت الدراسة الى أنّ تنظيم <القاعدة> على غرار <داعش>، لا يحظى سوى بتعاطف محدود. والأمر عينه في النظرة إلى حزب الله الذي ورّط نفسه في الحرب السوريّة وينشط في أماكن أخرى أيضًا، إلا أنّ التعاطف معه ما زال ثابتًا في لبنان>.
المطران درويش: البيان هدفه اشاعة الخوف والبلبلة
لم يكن تعميم السلطات الروحية على البطاركة والمطارنة والكهنة برفع المعنويات المسيحية من خلال تصريحاتهم وعظاتهم كافياً لطمأنة الرعايا من التهديدات الأخيرة، فقد لجأت للطلب من السلطات الامنية في البلد بتكثيف الحماية في محيط الكنائس لا سيما أيام الآحاد وفي اوقات القداديس. وبالتزامن مع هذه الطلبات الروحية التي لاقت تجاوباً أمنياً من أعلى المستويات، تمنت السلطات الروحية على رجال <الجيش الأسود> (رجال الدين المسيحيين) عقد لقاءات في المطرانيات مع المشايخ الذين يشكلون مرجعية الطائفة السنية، على أن تشارك فيها أيضاً مرجعيات دينية شيعية، وقد إفتتحت مطرانية بعلبك للروم الملكيين الكاثوليك هذه اللقاءات على أن تستكمل بلقاءات عدة بشكل متواصل في مطرانية زحله والفرزل للروم الكاثوليك، وهنا يقول متروبوليت الفرزل وزحلة للروم الكاثوليك المطران عصام درويش: ان ما نُسب الى <لواء احرار السنة - بعلبك> أمر لا يستحق الرد وهو يأتي في سياق مخطط لإشاعة بلبلة امنية في منطقة البقاع. وأنا على اقتناع تام انه في قراءة للتاريخ منذ بداية بشارة الاسلام في هذا الشرق، كان السنّة هم المحافظون والمحامون عن المسيحيين وحقوقهم، انطلاقاً مما جاء في القرآن الكريم: <لا اكراه في الدين>.
واعتبر درويش انه في هذه الظروف الدقيقة يقع على المسلمين عموماً والسنّة خصوصاً مسؤولية الحفاظ على المسيحيين في البقاع ولبنان والشرق. ونحن مدعوون اليوم الى اتخاذ اقصى درجات الحيطة والحذر ولدينا الايمان والقناعة وملء الثقة بالجيش اللبناني والقوى الامنية جميعها التي هي صمّام امان لكل اللبنانيين في البقاع وفي بقية المناطق، والخطة الامنية التي بدأت منذ فترة ستساهم بدون شك في احلال السلام والامن والطمأنينة>.
السيد لـ<الافكار>: لا امكانية
لظهور <داعش> في لبنان
من جهته شكك الباحث الاسلامي والكاتب الدكتور رضوان السيد في صحة تعيين أمير لـ<داعش> في لبنان لأنه وفقاً للفقه الاسلامي لا يمكن تعيين أمير على مقاطعة لا تملكها الجهة المعينة، وإذا أراد <داعش> أن يسيطر على لبنان فعليه أولاً أن يتقاتل مع <حزب الله> ويزيل سيطرته وبعدها يسيطر علينا، وطالما لم يفعل ذلك فلا أمير له في لبنان، موضحاً ان لا تأثير للخلافة الاسلامية على لبنان، فـ<داعش> يرسل الارهابيين ويشترك مع النظام السوري في هذا الأمر بهدف إحداث المشاكل في لبنان وأنا أرجح ارسال المزيد من الارهابيين إلى لبنان لكن التأثير الأول للخلافة هو على العراق وسوريا، لأنه عندما يعلن البغدادي نفسه أميراً للمؤمنين فالامر يعني ان كل الموجودين في المناطق الموجودة <داعش> فيها عليهم ان يعلنوا البيعة والطاعة، وإلا يعتبرون عصاة ويقاتلهم، ما يعني أن الخلافة تؤدي إلى زيادة الانقسام والاقتتال في مناطق سيطرة الثوار في سوريا والعراق.
وتابع: لا امكانية لظهور <داعش> في لبنان، بل أرى حالة ألاعيب. وقد يكون هناك من تعاطف مع <داعش> من الخارج او الداخل لكن ليس في مقدور احد أن يصل إلى لبنان إلا عن طريق النظام السوري، اذ لا يمكن ان يدخل أحد إلى لبنان وأن يقوم بأي حركة إلا إذا كان هذا النظام لديه علم به أو يخطط لذلك. واذا أردنا ان نحمي أنفسنا فإن الأمر يبدأ أولاً بتعاون الاجهزة الامنية التي تنسق فيما بينها. وطالما هناك تنسيق أمني بين النظام السوري والاجهزة اللبنانية فليقدموا على اخباره بألا يرسل الارهابيين إلى لبنان.
أين المفر؟
حتى اليوم لا شيء يُعكر صفو اللبنانيين سوى الخوف الذي يعيشونه حالياً والذي بات جزءاً من حياتهم اليومية. في السابق كان البعض يُعبر عن خوفه اما بالصراخ او باللجوء الى الاطباء او حتى عن طريق الهروب الى أماكن أخرى، لكن وسط الحالة الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي يمر بها اللبناني هل يمكنه اعتماد وسيلة من الوسائل الثلاث للهروب من واقعه المستجد؟