البابا <فرانسيس>، أو <فرانسوا>، كما الاسم باللغة الفرنسية، هو رأس الكنيسة الكاثوليكية في العالم، ولكنه خارج التصنيف الديني، فارس تاريخي من فرسان الانسانية، دون اعتبار لمذهب، أو طائفة. وقد تجلى ذلك في بادرتين: الأولى الاعتراف بدولة فلسطين، واستقبال الرئيس الفلسطيني بعبارة <أنت ملاك السلام>، والثانية بتطويب الراهبتين الفلسطينيتين الأخت مريم بواردي (1846 ــ 1878) وقد توفيت في سن الثانية والثلاثين متأثرة بمرض <الكوليرا>، والثانية الأخت مريم ألفونسو غطاس التي توفيت في سن 84 سنة. الأولى أسست في مدينة بيت لحم أول دير للكرمليين في فلسطين، والثانية أنشأت مؤسسة الرهبانية الوردية في القدس.
وتطويب الراهبتين الفلسطينيتين تعزيز آخر للدولة الفلسطينية الموعودة التي اعترفت بها حكومة الفاتيكان.
والبابا <فرانسيس> يبحر الآن في عمر الثامنة والسبعين، ولكن قراراته تضج بروح الشباب، وآية روح الشباب هي التغيير. وقد تابعت الصحف الفرنسية يوم الاثنين الماضي، علني أهتدي الى ركن مضيء لبادرة البابا <فرانسيس> حيال فلسطين، فلم أجد اهتماماً، بل مجرد خبر عابر لا يستحق أن يقف المرء عنده.
والبابا <فرانسيس>، أو الكاردينال الأرجنتيني <خورخي ماريو بيرجوليو>، قبل اعتلائه الكرسي البابوي، كان رئيس مجلس الأساقفة الكاثوليك في الأرجنتين بين عامي 2005 ــ 2011، وهذا المنصب المتصل بالشرق جعله قريباً من هواجس الكنائس الشرقية، ومن التهجير المسيحي في العراق وسوريا، ومخاوف المسيحيين اللبنانيين من قدر رهيب آتٍ، فاختار عبر الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وتطويب الراهبتين الفلسطينيتين، أن يطمئن المسيحيين في الشرق، ويجذرهم في أوطانهم، الى جانب أخوتهم المسلمين، وهو في هذا التصرف أغنى عن مئة تصريح من أجل فلسطين، وأفهم الاسرائيليين بأن قدرهم أن يعيشوا مع الفلسطينيين، وفي دولتين متجاورتين، مع علمه بأن هذا الاعتراف ومعه تطويب الراهبتين الفلسطينيتين برتبة قديسة لن ينزلا برداً وسلاماً على اسرائيل.
والبابا <فرانسيس> كان الرئيس الاقليمي للرهبنة اليسوعية في الأرجنتين بين عام 1973 وعام 1979، وهو البابا السادس والستون بعد المئتين في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية، وهو أول بابا يأتي من العالم الجديد وأميركا الجنوبية والأرجنتين، كما هو أول بابا من خارج أوروبا منذ عهد البابا <غريغوار الثالث>، وأول بابا راهب منذ <غريغوار السادس عشر>، وأول بابا يسوعي، ومن هنا دالته على المؤسسات اليسوعية في لبنان.
والبابا الذي يشهر سيف الاصلاح، ويوصف بأعلى درجات التواضع، اختار عند تنصيبه اسم <فرانسيس> تأثراً بالقديس <فرانسيس الاسيزي> أحد معلمي الكنيسة الجامعة، والمدافع عن الفقراء والبساطة والسلام، ومن هنا اختار للرئيس الفلسطيني محمود عباس لقب <ملاك السلام>. والذي يعزز انفتاحه على العالم ودعمه للحركات الانسانية أنه يتقن اللغات الاسبانية واللاتينية والايطالية والألمانية والفرنسية والأوكرانية والانكليزية.
زمان <نابوليون بونابارت>، لم يكن بابا الكنيسة الكاثوليكية مناصراً لفتوحات الامبراطور الفرنسي، فسخر <نابوليون> من هذا الموقف البابوي وسأل: <كم دبابة يملك البابا؟>.
لو كان <نابوليون> على قيد الحياة وأطلق السؤال نفسه، لأجابه البابا <فرانسيس> بأن الكلمة هي أقوى من كل سلاح. وفي البدء كان الكلمة!