بقلم سعيد غريب
دراسة خطيرة يجب التمعّن فيها أجرتها منظمة <Global FootPrint network> وتحكي بالأرقام عن واقع الحال الذي بلغه كوكب الأرض منذ العام 1970، ومفاده أن البشرية تستنفد خيرات الأرض وأصبحت في العام 2015 مدينة للكوكب بأشهر أربعة، بحيث استهلكت في ثمانية أشهر كل الموارد الطبيعية التي تنتجها الأرض في سنة كاملة.
وتقول الدراسة المبنية على معطيات دقيقة مصدرها الأمم المتحدة ان الاستهلاك البشري السنوي لخيرات الأرض سجل منذ العام 1970 تراجعاً بنسبة ثلاثة أيام في السنة، بحيث توقف في العام 2015، في 13 آب/ أغسطس الجاري وسيتوقف في العام 2016 في العاشر من آب/ أغسطس وفي العام 2017 في السابع منه... فيما سجل العام 2005 توقفاً في أول أيلول/ سبتمبر، وفي العام 1975 في الثلاثين من تشرين الثاني/ نوفمبر.
ونستنتج مما تقدم أن الإنسان يستدين اليوم من الأرض أربعة أشهر، فيما كان الدين في العام 1975 شهراً واحداً وفي العام 2005 ثلاثة أشهر. إذاً، الإنسان يعيش منذ الثالث عشر من شهر آب/ أغسطس الجاري في الدين بعدما استهلك كل شيء تنتجه الأرض في خلال ثمانية اشهر، وسيمضي حتى نهاية السنة الجارية أربعة أشهر فوق الإمكانات الطبيعية والموارد الطبيعية المتجددة...
في ثمانية أشهر من العام 2015، استهلكت البشرية منتوج سنة بكاملها ولم تعد المقارنة بين البصمة البيئية التي تقيس استمرار الموارد الطبيعية للأرض مع القدرة البيئية للكوكب جائزة...
يقول عالم طبيعة أميركي إن تاريخ الإنسان والطبيعة ينقسم قسمين: قسم انتهى في العام 1970، وهو تاريخ اعتداء الطبيعة على الإنسان ويعني تحكمها فيه، والقسم الآخر بدأ في العام نفسه، تاريخ اعتداء الإنسان على الطبيعة ويعني به تحكمه فيها وسيطرته عليها واستخدامه لها.
في ذلك التاريخ بالذات، أي مع حلول العام 1970، راح العلماء والاقتصاديون يبحثون عن حلول مستقبلية لاستمرار الحياة بصورة طبيعية أو شبه طبيعية، وانقسموا فريقين: متفائل ومتشائم.
المتفائلون وجدوا حلولاً عمودية وبحرية، أي بتكثيف الأبنية المرتفعة وناطحات السحاب، وبإنشاء زراعة محدثة هي الزراعة العمودية وبطمر مساحات من البحر.
والمتشائمون لم يجدوا حلولاً سوى بالحروب الكبيرة التي تعيد التوازن الى الأرض والإنسان وخيراتهما.
ويسأل المراقبون هنا: إذا سلمنا جدلاً أن الحروب هي الحل بعدما تجاوز عدد سكان الأرض السبعة مليارات، وهي، أي الأرض، لا تحتمل أو لا تستوعب أكثر من مليارين، من سيبدؤها وكيف وبأية وسيلة، ولا سيما أن السلاح النووي المنتشر على مساحة الكوكب يردع هذه الحرب ويمنعها، إلا من مجنون يمكن أن يظهر في أية لحظة؟!
وحده، خالق هذا الكون من يحدد كيف يكون الحل ومتى ومن أين يبدأ...
وفي انتظار الحلول الربانية، يغرق لبنان الوطن الصغير، والنقطة الأصغر في بحر هذا الكوكب، تحت وابل الأزمات البيئية وغير البيئية، ويبحث عن <تسوية> لنفاياته التي تستعد لاستقبال المطر المنتظر في شهر أيلول/ سبتمبر، ويحاول بوسائله البدائية الانتقال من مرحلة الوقوع تحت رحمة الطبيعة الى مرحلة ترويض الطبيعة غير آبه، شأنه شأن سائر العالم، بغضب الطبيعة، وما يمكن أن تخلّفه في بيئتـــــه وصحته ومستقبله ومستقبل أبنائه وأبناء أبنائه...
إن كل العالم تقريباً، يبحث عن حلول لأزمة الإنسان مع الطبيعة إلا لبنان الباحث دائماً عن تسويات مؤقتة، والفارض بفضل سواعد حكامه أو المتحكمين به الصيف والشتاء على سطح واحد، وأفعال: خصّص، ولـــــزّم، والتــــــزم، وسلّم، وتسلَّم، وبـــــــاع، واشترى، وشن، وهنّأ، وتقبّل، وعلّق، وغضب، وقاطع، وعطّل...
مسكين شعب لبنان، مع كل أزمة أكانت أزمة نفايات أم أزمة حكومية أو زوجية، يأخذونه الى المصير، وما من شعب في العالم يتحمل كل الطروحات التي تقدم له دفعة واحدة وكل يوم تقريباً، وكلها مصيرية، من تغيير النظام، الى تعديل الطائف، الى الانتخابات النيابية قبل الرئاسية، ومن الشعب، الى المؤتمر التأسيسي الى الفيدرالية الى الرئيس التوافقي والرئيس القوي...
بعد تجربة الديموقراطية باتت البشرية بحاجة للعودة الى الوراء الى حكم الملوك الذين بنوا الحضارات في أوروبا وغيرها، وغرفت منها البشرية جمعاء وأسسوا لمجتمعات ضاعت مع الحريات وضاعت معها القيم والأدبيات والعلوم الإنسانية والغذاء السليم.