هناك حروب عدة دائرة حول لبنان وكلها تعنينا مباشرة لأن نتائجها ستنعكس على البلد. الأقرب إلينا هي الحروب في سوريا بين النظام والمعارضة وبين النظام و<داعش> وبين <داعش> والمعارضة. وهناك الحروب في العراق بين <داعش> والأكراد وبين <داعش> والجيش العراقي وبين البعثيين السابقين مع ما يسمى بالمقاومة السنية معطوفة على التيار النقشبندي والجيش العراقي. ثم الحرب في فلسطين بين المحتل الإسرائيلي و<حماس>. ولا يمكن أن ننسى الحرب القائمة بين الجيش اللبناني و<داعش> جهاراً في جرود عرسال وسراً في عدة مناطق أخرى من لبنان.
ماذا يعني تعدد الحروب من حولنا وكيف يمكن اتباع سياسة النأي بالنفس في ظل تداخل هذه الحروب مع واقع النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين عندنا؟
١- الفضل الأول في عدم استجرار الحروب إلى لبنان رغم كل ما يحصل من حولنا يعود للشعب اللبناني الذي تعلم من حرب الـ٧٥ ومحصلتها البشرية والاقتصادية أن الدخول في حروب عبثية لا يفيد. حتى المحصلة السياسية للحرب أي اتفاق <الطائف> كان يمكن الوصول إليه خلال أشهر من حادثة عين الرمانة في نيسان (أبريل) ١٩٧٥ لو توفر بعد النظر يومئذٍ عند الأفرقاء اللبنانيين. ما حمى ويحمي البلد حتى اليوم هو رفض أكثرية الناس في لبنان للحرب بالمبدأ ومن منطلق التجربة المريرة.
٢- السبب الثاني في عدم وصول شرارة الحروب إلينا هو نوع من التفاهم الدولي حول تحييد لبنان في هذه المرحلة، ليس حرصاً على البلد بقدر ما هو جعله ساحة تفاوض سلمي ولو متوترة من دون أن تصبح ساحة مواجهات عسكرية بعدما أدى لبنان قسطه للعلى في ذلك.
٣- السبب الثالث هو حزب الله. فرغم انخراطه المشؤوم في الحرب السورية إلا أن هناك قراراً واضحاً لدى الحزب بعدم الإنجرار إلى حروب داخلية تلهيه عن المعركة الكبرى مع إسرائيل إن هي استجدت ومهما كانت المبررات. وكلام السيد حسن نصر الله الأخير يؤكد أن موعد المواجهة مع إسرائيل يقترب وأن سيناريو غزة الذي لم ينتهِ حتى الآن هو بالون اختبار إسرائيلي لما يمكن أن يكون عند حزب الله من إمكانيات عسكرية ولفعالية القبة الحديدية التي أنفقت عليها الولايات المتحدة ولا تزال عشرات مليارات الدولارات.
هناك سبب آخر مهم جداً يجب أن يحفزنا على النأي بالنفس. وهو اقتصادي مباشر يفرض علينا إبعاد شبح الحرب بأي ثمن عن أراضينا. فمهما استمرت الحروب الدائرة حولنا وبغض النظر عما ستفضي إليه، فإن إعادة الإعمار في سوريا والعراق يمكن أن تجعل من لبنان نقطة الإنطلاق الفضلى للشركات العالمية، وبالتالي يمكن أن يتضاعف ناتج لبنان المحلي خلال سنتين أو ثلاث سنوات على الأكثر (أي نمو اقتصادي سنوي يفوق ٢٥ بالمئة!) إن عرف البلد كيف يحافظ على أدنى مستوى مقبول من الأمن. فالمبالغ المطلوبة لإعادة الإعمار في سوريا والعراق تقدر حتى الآن بأكثر من مئتي مليار دولار يمكن أن تستفيد من ربعها شركات المقاولات ومصانع الاسمنت وتجار البناء والمصارف وشركات التأمين وغيرها من الشركات اللبنانية، فتدر على البلد فوائد كبيرة تغنينا حتى عن الغاز في المدى المنظور ناهيك عن المغانم السياحية والعقارية الممكنة. وبدل أن نطمح إلى أن يصبح ناتج البلد المحلي ٥٠ مليار دولار عام ٢٠١٨ يمكن أن يفوق ١٠٠ مليار دولار خلال ٣ سنوات من إنتهاء الحروب حولنا وهذا سيجلب الكثير من الحلول على جميع الصعد.
كل يوم أمن يمر على البلد هو مكسب اقتصادي كبير. وكما تعلمنا من تجربة الحرب، يجب أن نتعلم من تجربة إعادة الإعمار. فلقد تضاعف ناتج لبنان المحلي بين ١٩٩٣ و١٩٩٨ رغم الاحتلال الإسرائيلي وحروب ١٩٩٣ و ١٩٩٦. الفرصة هذ المرة أكبر بكثير إذا عرفنا كيف نحافظ على الأمن والأمان.