بقلم خالد عوض
السؤال المحيّر الذي لا جواب له في الأفق ما زال هو نفسه منذ عقود: متى تنعم الشعوب العربية بالاستقرار والازدهار؟ متى تنتهي الحروب المذهبية والطائفية والقبلية؟ وهل فعلاً سبب كل ما نحن فيه هو وجود إسرائيل أم أن المشكلة أعقد وأقدم من ذلك؟ هناك تحليلات كثيرة لأسباب الأزمات في العالم العربي. منها من يربطها بتداخل الدين مع الدولة، وبعضها الآخر يعيدها إلى غياب الديموقراطية، والبعض يفسرها بالجهل وآخرون يصرون على أن استئصال إسرائيل هو الحل. هناك نظرة تربط الفوضى العربية بالمستوى المتواضع لما يسمى برأس المال الاجتماعي. في علم الاجتماع، يعني رأس المال هذا القيمة الاقتصادية المتولدة من القوة والثقة الموجودة في شبكة العلاقات الاجتماعية، بمعنى آخر هو يدل على قيمة وفعالية العلاقات الاجتماعية ودور التعاون والثقة في تحقيق الأهداف الاقتصادية. وللتبسيط أكثر يمكن تفسير رأس المال الاجتماعي بفاعلية وفعالية العمل الجماعي المشترك في الاقتصاد. أين العلاقة بين ما يحدث في الأنبار أو القلمون أو عدن برأس المال الاجتماعي؟ ربما لا علاقة ظاهرة ولكن غياب الرابط الاجتماعي يفسر كثيراً تقدم الرابط المذهبي والطائفي والقبلي والمناطقي. الإنسان العربي لا يشعر بانتمائه إلى مجتمع بقدر انتمائه إلى عائلة أو دين أو مذهب أو قبيلة. تعليل مشاكلنا بدون رأس المال الاجتماعي يمكن أن يكون دقيقاً. المشكلة في هذا التفسير أنه لا يأتي بحل بل يؤكد أن الأزمة العربية مستمرة وطويلة لأن بناء رأس مال اجتماعي يلزمه ثقافة مختلفة كلياً عن تلك السائدة (أو الغائبة) في أيامنا، الا إذا عرف الجيل الجديد من العرب المسمى بالألفيين (Millenials) أي مواليد ثمانينات وتسعينات القرن الماضي الذين دخلوا سوق العمل مع الألفية الثانية والذين يختلف سلم أولوياتهم تماماً عن الأجيال السابقة كيف يتصرفون. فبالنسبة اليهم، المال ليس كل شيء وليس هدفاً بحد ذاته، وهناك ما هو أسمى بكثير من السعي الأعمى إلى المادة، كما أن جودة الحياة أهم من أي شيء آخر ولذلك يحملون رسالة تحسين سبل عيشهم ليس بالمادة وحدها. احدى سبل الخلاص في العالم العربي هي تمكين الشباب من تحمل سدة المسؤولية. رؤساء ووزراء ونواب بسن العشرين والثلاثين على الأكثر هو ما تحتاجه المنطقة وخاصة لبنان. الخبرة في هذه المسألة بالذات لا تفيد، إذ لا يمكن للألفيين أن يفعلوا أسوأ مما فعله المخضرمون في السياسة، بل يمكن ان يؤسسوا لمرحلة يبنى فيها رأس المال الاجتماعي على أسس ثقافية وليس دينية أو قبلية أو عائلية. هناك نظرية مكملة لكل ذلك تقول أن الديموقراطية هي ثقافة تأتي قبل العلم وليس بعده. والأمثلة على ذلك كثيرة في الدول الغربية والهند وغيرها من الديموقراطيات العريقة حيث انطلقت النهضة العلمية بعد ترسخ الديموقراطية فيها وليس قبلها. لبنان قد يكون استثناء لأن النهضة العلمية فيه بدأت قبل الاستقلال. المشكلة أننا بددنا منافع التقدم العلمي بالهجرة والحروب وسخفنا مفهوم الديموقراطية بالتوافق الطائفي والتحاصص المذهبي. إذا أردنا أن يكون لبنان في الطليعة من جديد، لا بد أن يحضر قانون الإنتخابات العتيد لوصول من هم دون الأربعين إلى المجلس النيابي ومنه إلى الحكومة. ليس لأن العصر هو للتكنولوجيا والأفكار الجديدة، بل لأن المشكلة أعقد بكثير من أن يحلها جيل الأربعينات والخمسينات.. وكما قال <انشتاين>: <لا يمكننا حل مشاكلنا بالتفكير نفسه الذي كان عندنا عندما خلقنا هذه المشاكل>.