ملفت كان الاجتماع الذي عقد في قيادة الجيش في اليرزة الاسبوع الماضي وضم الى قائد الجيش العماد جوزيف عون، السفير البريطاني "كريس رامبلينغ" والسفيرة الاميركية "دوروثي شيا" وسفيرة كندا في لبنان "شانتال تشاستيناي"، واعضاء فريق العمل المشترك بينهم، خصوصاً ان الموضوع الذي دار حوله البحث هو المراحل التي قطعها الجيش اللبناني في عملية ضبط حدوده. اما اهمية هذا الاجتماع فتكمن في دقة الموضوع الذي تناوله المجتمعون في ظل حديث يتنامى حول فلتان من الحدود مع سوريا وتزايد عمليات التهريب. وقد تزامن اجتماع اليرزة مع الاجتماعات التي تعقد في الناقورة للتفاوض غير المباشر لترسيم الحدود البحرية الجنوبية، والموقف الاسرائيلي الرافض للخط الذي تقدم به الوفد المفاوض لترسيم هذه الحدود، بالتزامن مع دعوات بدأت تتصاعد لخوض معركة "ترسيم" الحدود مع سوريا كي لا تبقى "فلتانة" على ما هي عليه الآن من دون حسيب او رقيب.
المعلومات المتوافرة عن اجتماع اليرزة تشير الى ان السفراء الثلاثة استفسروا قائد الجيش عن الخطوات التي قطعها الجيش لجهة ضبط الحدود ومنع عمليات التهريب بين لبنان وسوريا، لاسيما وان المعطيات التي توافرت لدى السفراء اشارت الى ان التهريب لا يزال مستمراً عبر الحدود البرية وان الاجراءات المتخذة ليست فعالة بدليل استمرار التهريب واحياناً في وضح النهار، والتفاصيل حول هذه المسألة كثيرة ومتشعبة وسط حديث عن وجود "تواطؤ" من قبل بعض المسؤولين الامنيين والعسكريين يسهل عمليات التهريب. ولعل ما اعطى هذا الاجتماع اهمية هو استئناف لجنة الاشراف العليا على برنامج المساعدات لحماية الحدود البرية اجتماعاتها بعد انقطاع قسري سببه انتشار "كورونا"، فهل هو مجرد استئناف خطوات روتينية تتعلق باجتماعات لجنة اعتادت الاجتماع كل ثلاثة اشهر او ان الاهتمام الدولي عاد ليتجه نحو الحدود مجدداً ليصب جام اهتمامه على هذا الملف؟ وهل يدخل هذا الاهتمام من باب احكام الضغط على لبنان من كل الجهات، خصوصا في ظل الهجمة الاميركية التي تحاصر تشكيل الحكومة بالعقوبات ولا تتوقف عن التهديد بها.
ورغم انقطاعهم عن مد لبنان بأي نوع من المساعدات ربطاً بالاصلاحات المطلوبة، يتجه التركيز الغربي على مؤسسة الجيش بوصفها المؤسسة الوحيدة القادرة على ممارسة دورها وسط الالغام السياسية، لاسيما وان الغرب يسعى الى تمييز المؤسسة العسكرية، ومدها بما يلزم من مساعدات على كل الصعد بما يظهر اهتمامه بتقويتها والحفاظ على علاقة وطيدة معها.
نحو خطوات أكثر تشدداً
صحيح ان السفراء الاجانب، ولاسيما الذين شاركوا في اجتماع اليرزة، يشيدون بدور المؤسسة العسكرية وخطواتها في حفظ الامن على الحدود ومكافحة اعمال التهريب ومحاولات التسلل والاداء المميز في مواجهة التنظيمات الارهابية حفاظاً على امن لبنان واستقراره لكن الصحيح ايضا ان سفراء الدول الغربية يتطلعون
الى خطوات اكثر تشددا على الحدود علماً انهم اكدوا التزام بلدانهم بدعم الجيش وتعزيز قدراته على مختلف الصعد وخاصة في مجال مراقبة الحدود وضبطها في هذه المرحلة الدقيقة وانه لا يزال العمود الفقري للبنان والمؤسسة الوحيدة الصامدة على رغم كل الظروف الراهنة. ولذا كرر السفراء ضرورة الوقوف الى جانب المؤسسة العسكرية ودعمها وتقويتها لمواجهة كل التحديات التي تمر بها المنطقة. والمساعدات التي تقدم بناء على ما يطلبه الجيش وحاجته الهدف منها ضبط الحدود ومنع التهريب والارهاب.
العماد عون الذي شكر هذه الدول على مواصلة تنفيذ برنامج المساعدات، الخاصة بتجهيز افواج الحدود البرية، وعلى دعمها المستمر لمساعدة الجيش اللبناني في مراقبة الحدود وضبطها بفعالية، لم تفته الاشادة بجهود الضباط والعسكريين في حفظ الامن خلال هذه المرحلة المليئة بالازمات الاجتماعية والاقتصادية. وكان من الضروري لفت الحاضرين الى ان المؤسسة العسكرية في انتظار نتائج زيارة قائدها الى بريطانيا التي حصلت الشهر الماضي وترجمتها عملياً بدعم ومساعدات من قبل البريطانيين. وتهدف كل المساعي الى اقفال الحدود مع سوريا بشكل نهائي امام المهربين والارهابيين والمراحل التي قطعها الجيش في موضوع الحدود. لكن السؤال هنا هل يمكن لمثل هذا الملف ان ينجز بعيداً من التنسيق مع الجانب السوري اقله من الناحية الامنية لنجاح عملية ضبط الحدود..
يذكر ان اللجنة العليا بدأت عملها في العام 2011 لكن عملها الفعلي انطلق عام 2016. قدمت لغاية اليوم 200 مليون دولار من الاميركيين والبريطانيين والكنديين بحيث قدمت بريطانيا 77 برجاً على طول الحدود مع تدريب العناصر اللبنانية، فيما قدم الكنديون كل ما له علاقة بالعتاد والعدة المخصصة للاستخدام في المناطق المثلجة، اما الاميركيون فقدموا ما له علاقة بالتكنولوجيا، على ان كل ما يحصل على الحدود هو موصول مباشرة بغرفة عمليات القيادة.
ويرى مطلعون ان عملية ضبط الحدود ليست سهلة نظرا لاتساعها من جهة وتداخلها بعضها مع البعض الاخر من جهة اخرى، من هنا اهمية استمرار تقديم الدعم للجيش اللبناني كي يتمكن من بسط سيطرته على حدوده البرية التي لا تزال تشهد عمليات تهريب على رغم المراجعات المتكررة. لكن اللافت في الموضوع ان عملية ضبط الحدود مع سوريا، وفق هؤلاء المطلعين، لا يمكن ان تتم من طرف واحد بل ينبغي البحث في تعاون مع السلطات السورية التي لا تزال موجودة في الطرف المقابل للحدود اللبنانية وهي تتحرك بفعالية وتتجاوب من حين الى آخر مع الطلبات الامنية التي يقدمها لبنان مع الاخذ في الاعتبار واقع الحدود اللبنانية- السورية المفتوحة في اماكن عدة على طول السلسلة الشرقية للجبال اللبنانية.
اما في شأن ترسيم الحدود مع سوريا، فتؤكد مصادر رسمية ان هذا الامر غير وارد في الوقت الحاضر لاعتبارات عدة ابرزها الظروف التي تمر بها سوريا حاليا، وعدم القدرة على بدء مفاوضات في هذا الشأن نظرا لدقة الوضع وحساسيته، علماً، ان الجانب السوري لم يبد اي استعداد حتى الان بفتح هذا الملف، ولأن الاولوية هي لترسيم الحدود البرية مع اسرائيل الذي ينتظر مسار المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية.