سقطت <الهدنة> بين أهالي العسكريين المخطوفين والحكومة بعدما كان الاهالي قد وعدوا بعدم تصعيد تحركاتهم نتيجة طمأنة المسؤولين لهم بحل قريب يمكن ان يُفضي الى نتائج سعيدة. لكن كل هذه الوعود أصبحت في نظرهم هباء منثوراً أو بالأحرى شيكاً من دون رصيد لا يمكن صرفه إلا من خلال عودتهم الى الضغط والتصعيد من أجل عودة أبنائهم، وهذا ما جعلهم يتمددون من ساحة رياض الصلح الى منطقة الصيفي مقر حزب الكتائب.
تهديد بالعودة الى التصعيد
عقب لقائهم رئيس الهيئة العليا للإغاثة اللواء محمد خير في السراي الحكومي قبل أسبوعين تقريباً تراجع أهالي العسكريّين المخطوفين لدى كلّ من <داعش> و<جبهة النصرة> عن قرارهم بالتصعيد مؤكّدين أنّهم لمَسوا إرادةً جدّية وهذا أثّر فينا إيجاباً وبات لدينا نوع من الاطمئنان. لكن يوم الاثنين من الأسبوع الماضي عاد الاهالي الى التصعيد من لهجة خطابهم فعادوا وتقدموا خطوة الى الامام بعدما كانوا تراجعوا خطوات من ضهر البيدر الى داخل خيم صغيرة في وسط بيروت. وقد أعلنوا في بيان لهم عن مقاطعة الاجتماعات والاتصالات مع الحكومة وعدم التنازل أو التراجع عن مطالبتهم بأبنائهم مهما غلا الثمن مع تحذير بالتصعيد بعد مهلة ثمانٍ وأربعين ساعة في حال لم يلمسوا أي تقدم صادق يهدف الى عودة أبنائهم. كما دعوا هيئات المجتمع المدني وأهالي المفقودين وأهالي العسكريين في الخدمة الفعلية إلى التحرّك والوقوف معهم في يوم الغضب، فالخطر برأيهم داهِم وسيُطاول الجميع وقد أُعذر من أنذر.
لماذا تراجعت الدولة عن وعودها؟
قبل الاسبوع الماضي فوجئ الاهالي المعتصمون في ساحة رياض الصلح بزيارة وزير الصحة وائل أبو فاعور وكل من عضو تكتل التغيير والإصلاح ألان عون وعضو كتلة الكتائب النيابية إيلي ماروني والأمين العام للمجلس النيابي عدنان ضاهر موفداً من الرئيس نبيه بري حيث شكر أبو فاعور الأهالي على فتح طريق ضهر البيدر، طالباً في رسالة إلى الخاطفين عدم تحميل الأهالي وزراً لا يستطيعون احتماله لأن الضغط على الأهالي والتهديد بذبح أبنائهم لا يجدي نفعاً لأن الأهالي وأبناءهم ليسوا من يملكون القرار. ثم أكد أن الدولة جادّة في المفاوضات وهناك حلقة ما مفقودة في التفاوض يجري علاجها وأن الوسيط القطري ما زال موجوداً ولم تصل الى الدولة أسماء بما خص الموقوفين. لكن ما الذي طرأ على الوعود بحل الازمة وما الذي تغيّر ليعود الاهالي عن قرارهم بالتهدئة والعودة الى الشارع مجدداً؟
تقول المعلومات إن الاهالي كانوا يتوقعون ان تنتهي الازمة في وقت قريب أو الافراج كحد ادنى عن عدد من أبنائهم خلال الاسبوع المنصرم، اذ كان من المقرر أن تلبي الدولة اللبنانية بعض مطالب الجهة الخاطفة مقابل الافراج عن عناصر محتجزين لديها، الا ان الحكومة قد تراجعت عن اكمال الصفقة لأسباب بقيت مجهولة. وكانت الصفقة تقتضي ان ترسل الدولة اللبنانية سيارتي اسعاف مجهزتين بكامل المعدات الطبية الى <جبهة النصرة> و<داعش> في منطقة ما من جرود عرسال كان سيُتفق عليها لاحقاً وذلك من اجل معالجة عدد كبير من الجرحى لديهم كانوا اصيبوا خلال المعارك الاخيرة في جرود بريتال وحال بعضهم خطير جداً، خصوصاً وانهم غير قادرين على ايصالهم الى المستشفيات في ظل الحصار المطبق عليهم من كل الجهات.
معاناة الاهالي اليومية
لا تختلف يوميّات أو معاناة أهالي المخطوفين في وسط بيروت عن تلك التي امضوها في ضهر البيدر إلا لجهة ضيق المكان. لا شيء يدل على وجود للحياة هنا سوى ضحكة الطفل مقبل ابن السنوات الثلاث وبكاء شقيقته أزاد ابنة العام الواحد. تتوسط الخيم بعض الحصائر توزّعت عليها بعض الاغراض التي يحتاجونها مثل البن والشاي وسخّان كهربائي وتلفزيون. لا توجد حمامات داخل الخيم أو الى جانبها فهم يتوجهون عند الضرورة الى مسجد <محمد الامين> لقضاء حاجاتهم. مظاهر التعب والارهاق بدت واضحة على الاهالي. يقول نظام مغيط شقيق الجندي ابراهيم مغيط المخطوف لدى <داعش>: والله لم نعد قادرين على التحمل، تلفت أعصابنا وبتنا نشعر ان الوقت يمر من دون الوصول الى نتيجة. ابناؤنا هناك مهددون بالذبح بين لحظة وأخرى. أشعر بأنني على استعداد لأحراق نفسي من أجل ان تتحرك هذه الحكومة.
ويتابع مغيط: صحيح أننا نستطيع كلجنة أهالي ضبط الأمور لأن الأهالي يثقون بنا ولكننا قد نفقد السيطرة في بعض الأحيان لأن أعصاب الناس ما عادت تحتمل الكلام عن تهدئة وتطمينات غير مبنيين على معطيات موثوقة وجدية، وهم في نهاية المطاف سيفقدون الثقة بنا تماماً كما فقدنا نحن الثقة بالحكومة وهذا ما لا نريد ان نصل إليه. سنتحرّك غداً والله وحده يعلم الى أين سيؤدي بنا هذا التحرك والى اين سيأخذنا، فنحن لدينا دولة عقيمة لا تستطيع ان تمون على نفسها فكيف يمكننا الوثوق بالوعود التي تطلقها والتي اصبحنا نعتبرها كالمخدر الذي تدوم فعاليته لبضع ساعات فقط.
اسمعني.. ليس هناك وفد قطري
دموع محمد يوسف والد المخطوف لدى <داعش> حسين يوسف تعبر عن حالته النفسية المتعبة والحزينة. يروي محمد كيف استفاق صباحاً منذ أسبوع على اتصال من ابنه وصف نبرة صوته بـ<الحزينة>. قال لي بالحرف الواحد <صراحة يا أبي إجا أمر بدبحنا، ما عاد في وقت معنا بس بعد 3 أيام. شوفوا شو بدكن تعملوا. أنقذونا وطلعونا من هيدي المصيبة. روحوا على سجن رومية>. وتابع الوالد المثقل بالهموم <بعدها قلت لابني وصلتني معلومات من المعنيين هنا ان الوفد القطري وصل وأنه سيتجه خلال ساعات نحو الجرود>، عندها قاطعني الشيخ الذي تحدث إلي في بداية الاتّصال مع ابني وقال لي <يا حاج اسمعني ليس هناك وفد قطري والدولة لا تتحرّك>. عندها توسلت الى الشيخ لكنه قال لي <إن حكم الشرع سيطبّق عليهم مثل غيرهم لأنهم حاربونا ثم أقفل الخط>.
من يعرقل عملية التفاوض؟
يضيف محمد يوسف: <سوف نضع الجمرة في المكان الذي تحرقه. كيف؟ فلتفسرها الدولة بالطريقة التي تريدها>. ونفى حسين أن يكون أيّ عسكري قد تواصلَ مع أهله منذ نحو الأسبوع أو عشرة أيام. بدأنا نلمس إشارات سيئة تؤكد أن الخطر على أولادنا بدأ يزداد لأن لهجة الخاطفين تغيرت، فهم أعلنوا وبصراحة أن العد التنازليّ للمهلة التي أعطوها بعدم التهديد قد بدأ. لا أحد يضمن عدم حصول مفاجآت مأسوية بعد انتهاء العد التنازلي وقد يكون ردهم بقَتل أحد العسكريين. وتابع: نثق باللواء محمد خير ونقدره ونحترمه، فهو إنسان خلوق وصادق وهو ينقل إلينا بصدق ما يسمعه ويتعاطى معنا بكل احترام ومودة ولكننا للأسف نشعر أن هناك من يعرقل عملية التفاوض ويضع العصي في الدواليب وهذا أمر سينعكس سلباً على ابنائنا وعلى المسؤولين في حال أصابنا الضيم. نحن نرحب بقبول وزير العدل أشرف ريفي مبدأ المقايضة وهو انسان شريف يسعى الى إنهاء محنتنا بأقل الخسائر الممكنة أو من دون خسائر نهائياً.
مفتي عكار: عملاء لاسرائيل خرجوا
من السجون
أثناء وجودنا مع أهالي المخطوفين صرخ احدهم <وصل سماحة المفتي> ليتبين ان مفتي عكار الشيخ زيد زكريا قد وصل للتضامن مع الاهالي، وقد كشف في حديث لـ<الافكار> عن خطوات تصعيدية سيلجأ إليها اهالي العسكريين المختطفين في عكار كالتحرك باتجاه المجلس النيابي أو التظاهر عند ابواب احد الزعماء الذين يضعون العراقيل في وجه حل هذه القضية. اهالي عكار وغيرهم لجأوا الى نصب الخيم في ساحة الشهداء كتعبير عن غضبهم وكشكل من اشكال الاحتجاج بهدف اسماع صوتهم للمعنيين ووضع حد بأسرع وقت لإنهاء قضية ابنائهم وعودتهم سالمين، املا في ان تتكلل المساعي التي يقوم بها رئيس الحكومة تمام سلام بحل قضية العسكريين المختطفين أكان من قبل دولة أو جهة أو مؤسسة ذات تأثير في هذا الموضوع. وانا متفائل لناحية الدور الذي تقوم به دولة قطر في اكثر من ملف والوصول به الى النتائج الإيجابية>.
ورأى المفتي زكريا ان <الحكومة تتعاطى مع ملف المخطوفين العسكريين بمسؤولية إنما هذا التعاطي ليس بحجم الحدث ولا يتسم بالسرعة المطلوبة، فالتأخير يدفع بالقضية نحو التعقيد لجهة رفع سقف المطالب والشروط التي يضعها الخاطفون، وان رفض البعض في الحكومة موضوع المقايضة غير مقنع لناحية الأسباب التي تتحدث عن هيبة الدولة بعدم التفاوض مع ارهابيين>، مقترحاً ان من تحرجه كلمة مقايضة فليسمها حلاً أو ما يشاء من التسميات. وسأل: ماذا لو كان احد المخطوفين هو ابن واحد منهم أو ابن مسؤول فماذا كانوا سيفعلون؟. من الواجب ان نشعر المخطوفين العسكريين بأن هناك من يدافع عن قضيتهم وأن هناك مؤسسة تحتضنهم وتحرص عليهم لأنهم اذا وجدوا انهم متروكون فكيف سيؤدون واجبهم فيما بعد؟ مشيراً الى ان عملاء خرجوا من السجن بسند كفالة أو اخلاء سبيل بعد ان ثبت تعاملهم مع العدو الإسرائيلي>.
أصبحنا عائلة واحدة
يُقال ان المصيبة تجمع. لكن في ساحة رياض الصلح حولت المصيبة عائلات المخطوفين الى عائلة واحدة متماسكة. يقول نضال شقيق العسكري المخطوف ابراهيم مغيط: يجمعنا وجع واحد ومصير واحد. هنا نجلس جميعاً مع بعضنا البعض على رغم الاختلاف المذهبي والسياسي في بعض الاحيان والآن عرفنا ان ما يجمعنا نحن كلبنانيين اكبر مما يفرقنا. <الله يلعن السياسة بهالبلد، فرقتنا وما عدنا نعرف مين بحبنا ومين بيكرهنا> ويــــروي نضــــال كيف تجلس عائلتـــــه في خيمـــــة واحــــدة مــــع عائلة مسيحية وعائلــــــة شيعيـــــــة، لــــو يتعـــلّم منا أولئك الذين يجلسون في الأعلى، مشيراً بأصبعه الى مجلس الوزراء.
المشهد المخزي
يعبر احد اهالي العسكريين المخطوفين عن حال دولتنا والمسؤولين فيها فيقول: تصوروا انه أثناء وجودنا أمام السراي الحكومي لحظة انعقاد الجلسة منذ ثلاثة أسابيع، وبينما كنا نطالب بوضع قضية المخطوفين كبند رئيسي على جدول اعمالهم، وصلت سيارة كبيرة تابعة لأحد المطاعم الفاخرة إلى السرايا ففتحت لها العوائق الحديدية بسرعة مطلقة وكانت الحمولة عبارة عن أكل لمعاليهم خلال جلسة مجلس الوزراء، وهذا مالنا يأكلونه بينما نحن الفقراء نشتري البسكوت والعصير الرخيص لنصبّر جوعنا وجوع اطفالنا>.