بقلم وليد عوض
مهما كانت الاعتبارات السياسية والجغرافية فشهداء حزب الله الذين أغارت عليهم مروحية اسرائيلية غادرة، مخترقة الأجواء السورية، وسيادة الدولة السورية، أعزاء علينا، وهم جزء من العائلة اللبنانية، ونسأل الله أن يتغمدهم بواسع رحمته.
إلا ان ما ينبغي التوقف عنده هو وجود أحد قادة الحرس الثوري البريجادير <محمد علي الله دادي>، ضمن هذه المجموعة الاستشهادية، وهو الصيد الثمين لاسرائيل في هذا الظرف الدقيق الذي تجري فيه المفاوضات حول الملف النووي الإيراني بين وزير الخارجية الإيراني <محمد جواد ظريف> ووزير الخارجية الأميركي <جون كيري> ومجموعة الخمسة زائد واحداً هو ألمانيا. فقد اتفق طرفا النزاع حول هذا الملف أن يكون الاجتماع التفاوضي المقبل في جنيف خلال شباط (فبراير) المقبل، وأن يكون الموعد النهائي للبت في هذا الملف النووي شهر تموز (يوليو) المقبل.
لقد أرادت اسرائيل من هذه الغارة بالمروحية العسكرية ذات الصواريخ البعيدة المدى أن توجه رسالتين: واحدة الى الولايات المتحدة ومجموعة الدول الست مفادها بأن الدولة العبرية غير مرتاحة لهذه المفاوضات، لأنها ستتيح لإيران عاجلاً أم آجلاً فرصة انتاج القنبلة النووية. والولايات المتحدة تتصور أن إيران تحتاج لانتاج هذه القنبلة سنتين من الزمن، في حين أن اسرائيل تعتقد أن في إمكان إيران، بدءاً من مفاعل <بوشهر>، التوصل الى هذه القنبلة خلال ستة أشهر، كما أنها تخشى أن تحصل إيران على حق العشرين بالمئة من التخصيب النووي، وتكون أمام قنبلة اسرائيل النووية قنبلة إيرانية نووية بالمرصاد.
وتستعين اسرائيل في الضغط على الرئيس الأميركي <باراك أوباما> ووزير خارجيته <جون كيري> بالحزب الجمهوري الأميركي حضن <اللوبي> اليهودي، بعدما هيمن هذا الحزب بأكثريته على مجلسي النواب والشيوخ، ولم يعد أمام <أوباما> لفسخ قرارات هذين المجلسين إلا استخدام حق <الفيتو> الرئاسي. وما في كل مرة تسلم الجرة. وأمام <أوباما> ظلال الانتخابات الرئاسية التي ستجري في خريف 2016، أي بعد سنة وثمانية أشهر، ولا يريد أن يخسر الحزب الديموقراطي الذي يمثله في سدة البيت الأبيض هذه الانتخابات، وبالتحديد ألا تخسر المرشحة الرئاسية الديموقراطية <هيلاري كلينتون> لأن ذلك يطوي أجنحة الحزب بعد طول تحليق.
وقد فهم الرئيس <أوباما> الرسالة من خلال الغارة الاسرائيلية على المستشار الإيراني العسكري للحكومة السورية البريجادير <محمد علي الله دادي>، أي ان اسرائيل جاهزة لمقارعة إيران على عدة جبهات.. حتى في الداخل السوري!
والرسالة الثانية من اسرائيل الى إيران، هي أنها قادرة على ملاحقة إيران حتى لو كان الهدف ضابطاً في الحرس الثوري الإيراني برتبة <بريجادير>، والساعد الأيمن لقائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني <قاسم سليماني>.
بانتظار.. الرد!
والآن... كيف سيكون رد حزب الله ورد إيران والاثنان كانا هدفاً للغارة الجوية الاسرائيلية؟
من مصلحة إيران أولاً أن لا يحصل ما يعكر المفاوضات الإيرانية ــ الأميركية حول الملف النووي الإيراني، خصوصاً وأن رئيس وزراء العراق حيدر العبادي يقول صباح الثلاثاء الماضي في جريدة <الحياة> اللندنية ان معلوماته تفيد بأن الأميركيين والإيرانيين يتجهون الى اتفاق نهائي حول الملف النووي.
ومن مصلحة اسرائيل تخريب هذا المسار الإيراني ــ الأميركي.
وإذا كان النظام السوري قد استنكف حتى الآن عن الرد على الغارة الاسرائيلية في <القنيطرة>، فإن حزب الله ومن ورائه إيران، لن يسكتا على هذه الجريمة الاسرائيلية ولسوف يكون الرد أشد هولاً!
وفي تقدير الذين يقرأون توجهات حزب الله، أن الحزب يدرك بأن الوضع السياسي والأمني في لبنان لا يتحمل عدواناً اسرائيلياً آخر على طراز عدوان 2006، حتى لو انتهى الأمر بهزيمة اسرائيل أمام صواريخ حزب الله التي طاولت كل مدن اسرائيل، وأجبرت الاسرائيليين على اللجوء الى الملاجئ.
وكما ان اسرائيل اختارت لمواجهة حزب الله أرضاً غير لبنانية هي الجولان، فإن حزب الله هو أيضاً يمكن أن يقارع اسرائيل في أرض غير لبنانية وغير اسرائيلية، كما فعل في حادثة الحافلة المشهورة في بلغاريا. وقد تكون أرض الرد لحزب الله باريس أو لندن أو روما باستهداف السفارات والقنصليات الاسرائيلية، وربما أمكنة أخرى تعتبر من أسرار التحضير للرد المزدوج من حزب الله وإيران.
ومن المصلحة الانتخابية لرئيس وزراء اسرائيل، والانتخابات النيابية على الأبواب في آذار (مارس) المقبل، أن يدخل حرباً موقوتة ضد حزب الله في لبنان، على غرار عدوان 2006، لأن دول العالم ستتدخل لوقف الحرب بين الجانبين، خصوصاً وأن لبنان يتمتع في هذه المرحلة بغطاء دولي، أي ان <نتانياهو> سيضمن خط الرجعة.
وحزب الله يدرك تماماً ان فتح جبهة ضد اسرائيل الآن، وتعريض لبنان لرد اسرائيلي على منشآته المدنية والعسكرية، والعقارية، سيفسد مسار الحوار الدائر الآن بينه وبين تيار <المستقبل> برعاية الرئيس نبيه بري، وربما يجهز عليه، بعدما لاحت في الأفق تباشير تفاهم وتلاقٍ وفتح صفحة جديدة من العلاقات، وستدخل المواجهة مع اسرائيل لبنان في ما لا يطيق من أزمة انسانية واقتصادية، ونكبة عمرانية، من مطار ومرفأ وجسور ومحطات كهرباء.
إذن.. أين ستكون أرض المعركة؟
سر يكمن في عقل السيد حسن نصر الله الذي يجمع بين الخبرة السياسية والخبرة العسكرية حتى تكادان تكونان متساويتين، ومن خرج منتصراً من حرب 2006، يعرف كيف تكون المخارج في المواجهة العسكرية الجديدة.
الحذر و.. القدر!
وفي لبنان حالة حذر شديد بعد غارة اسرائيل الغاشمة في القنيطرة، وإن كان الحذر ــ كما كان كمال جنبلاط يقول ــ لا يفيد من قدر.
فالبلد مأسور بالارهاب بدءاً من جنودنا المختطفين في مرتفعات عرسال، وملامح الأحزمة الانتحارية التي كان لها نموذج عند محلة جبل محسن في طرابلس، والبلد بلا رئيس جمهورية، وهو أمر محرج لحكومة الرئيس تمام سلام يوم 9 شباط (فبراير) المقبل عيد مار مارون الذي جرت العادة أن يتكلل بحضور رئيس الجمهورية في كنيسة الجميزة، بدعوة من رئيس الأبرشية المارونية في بيروت المطران بولس مطر. ولدى الأوساط المارونية شعور بأن غياب رئيس الجمهورية هو غياب لحالة دستورية ميثاقية تشكل ركناً أساسياً في منظومة لبنان.
والبلد كذلك مسرح للمافيات الغذائية، وها هو وزير الصحة وائل أبو فاعور يقول إن التدابير التي جرى الاتفاق عليها بالنسبة لمخازن الغذاء والدواء في مطار بيروت، بقيت حبراً على ورق ولم تأخذ طريقها الى التنفيذ، حتى لتبدو وكأنها حالة فولكلورية، ومثلها بعض المطاعم التي تتعامل مع أرخص الأغذية، حتى لو كانت صلاحيتها قد انتهت.
ولولا العنفوان المصرفي لقلنا: على لبنان السلام. فهذا العنفوان هو الذي يحمي لبنان الآن من الأزمات المالية، والمطبات الاقتصادية، والأزمات الديبلوماسية، وكان أخيرها الأزمة التي أثارها تصريح للسيد حسن نصر الله ضد مملكة البحرين، وأوقع وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل في أصعب حالات الحرج، وهو يحضر اجتماع وزراء جامعة الدول العربية في القاهرة، ويواجه بيان الجامعة ضد حزب الله، حتى اضطر الى القول إن تصريح حزب الله لا يمثل الدولة اللبنانية، وهذا ما فعله الرئيس تمام سلام الذي اعتبر تصريح أمين عام حزب الله رأياً خاصاً به.
وفي القاهرة نفسها كان هناك مطب آخر بإقدام وفد المحامين السوريين على ضرب بعض أعضاء وفد المحامين اللبناني لأن أحد هؤلاء المحامين تجرأ على النظام السوري والرئيس بشـــار الأســــــد، واضطر المخلصون من المحامين العرب الى بذل مسعى التصالح بين الفريقين، ولم يكتب لهذا المسعى النجاح المأمول، وكانت هناك مطالبة للمحامين اللبنانيين بإبطال عضوية سوريا في الاتحاد.
ورقة على حد السيف
في العام 1967 نجح المندوب البريطاني في مجلس الأمن اللورد <كارادون> في استصدار القرار 242 الذي قضى بإعادة الأراضي الفلسطينية التي اجتاحها الجيش الاسرائيلي، والعودة الى الحالة الجغرافية ما قبل العدوان الاسرائيلي في حزيران (يونيو) 1967، ووصف <كارادون> القرار 242 يومئذ بأنه ورقة على حد السيف. والوضع في لبنان يشبه الآن ورقة على على حد السيف. فمن جهة هو مظلل بغطاء دولي، ومطلوب من جهة ثانية أن يكون في حالة استقرار وسط منطقة تضج بحالات عدم الاستقرار، بعكس ما كان عليه الأمر عام 1975، حين كانت المنطقة مستقرة وكان ينبغي فتح جرح جغرافي في لبنان.
وحسناً يفعل اللبنانيون إن هم تأهبوا لحالة انهيار أمني شبيهة بحالة 2006، فخبراء الاستراتيجيا الذين درسوا شخصية رئيس وزراء اسرائيل <بنيامين نتانياهو> يقولون إن الرجل مهووس بالمغامرات العسكرية، فكيف لا يستخدم هذا الهوس وهو مقبل على انتخابات نيابية تحاول زعيمة اليسار <تسيبي ليفني> أن تأخذ منه مقاليد السلطة، فتكون ثاني امرأة تحكم اسرائيل بعد <غولدا مائير>؟!
وقد يكون هناك عدوان اسرائيلي، وقد لا يكون. ورقة معلقة على حد السيف!