تعتبر مصادر أمنية غربية ان تسليط الضوء على دور تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام <داعش> حيال ما يجري في العراق من تطورات عسكرية دراماتيكية، أمر مبالغ فيه، وهو يهدف الى حجب الرؤية عن انتفاضة يشهدها العراق (ربيع عراقي) وتشارك فيها عدة فصائل وعشائر عراقية، على حكم نوري المالكي، المرتبط ارتباطاً وثيقاً بإيران التي تعتبر الداعم والمسير لهذا النظام.
ليست <داعش> التنظيم الوحيد الذي يقاتل في العراق يقول منعم نعيم (ابو مريم) المعارض العراقي المقيم في زحلة لـ <الافكار>، بل هناك المجلس العسكري لعشائر العراق الذي يشكل عنصراً فاعلاً على الساحة العراقية، وتتمتع قوات المجلس بعدد كبير من المقاتلين، مقارنة ببقية الفصائل السنية المقاتلة ويمتلك <المجلس العسكري لعشــــــائر العراق> قيادة موحدة تتألف من زعمـــــاء قبائـــــــــل وقــــادة في الجيش السابق الضافــــــة لامتلاكه ترسانة عسكرية كبيرة.
أنصار الاسلام
ويتابع ابو مريم: هناك ايضاً أنصار الاسلام وهي جماعة تتقاطع مع تنظيم (<داعش>) وقبلها <القاعدة>. مؤسسها رجل الدين الكردي العراقي الملا كريكار عام 2001، ومقرها السابق سلسلة جبال <قنديل> في كردستان العراق الحدودية. جمّدت عملياتها العسكرية بعد الانسحاب الاميركي من البلاد، وعادت إلى العمل مجدداً عبر عمليات نوعية في نينوى وكركوك وأجزاء من محافظة ديالى.
وأضاف: أما <جيش المجاهدين> فهو خليط من مقاتلين سابقين في فصائل مسلحة سنية، تفرقت بعد تشكيل <قوات الصحوة> العشائرية وتضم حالياً نحو 4 آلاف مقاتل، وتنشط في مدن الكرمة والفلوجة وابو غريب ومناطق زوبع واليويسفية في بغداد، فضلاً عن مدينة تكريت.. يتميز جيش المجاهدين عن باقي الفصائل بعمليات القنص، وامتلاكه ترسانة صاروخية محلية الصنع.
<الجيش الاسلامي>
<الجيش الاسلامي> هو ثالث أكبر فصيل من حيث الانتشار في المدن العراقية ذات الغالبية العربية السنية،،تأسس عام 2004، وخاض اشتباكات عنيفة مع تنظيم <القاعدة> في عام 2006 وبداية عام 2007، ويتألف <الجيش الاسلامي> من خليط مقاتلين بانتماءات وطنية واسلامية، وبعضها قومية عروبية. ويُعتبر الفصيل الوحيد، الذي يمتلك نظاماً داخلياً عسكرياً لمقاتليه وتبنّى عمليات عسكرية ضد مشاة البحرية الأميركية «المارينز»، والقوات البريطانية في السماوة، جنوب العراق.
ويعتبر ابو مريم ان كتائب ثورة العشرين هي أول جماعة جهادية في العراق، انطلقت نواتها من بغداد. اختلفت مع الفصائل الاخرى في جواز استهداف العراقيين من المتعاونين مع القوات الاميركية، وكانت تراه خطأ وتطالب بمعاقبتهم بغير حكم الموت، الذي كانت تصدره باقي الجماعات على المتعاونين في احتلال العراق.
رجال الطريقة النقشبندية و<داعش>
ويوافق العراقي عبد الرحمن ب. (معارض عراقي بعثي سابق) في دردشة مع <الافكار> مع ما قاله زميله، إلا أنه يرى ان القوة الاساسية العراقية تعود لـ <جيش رجال الطريقة النقشبندية>. ويشرح قائلاً: هي الجماعة الأكثر إثارة للجدل في الساحة العراقية السنية حالياً، وهي خليط من حزب البعث العراقي، بزعامة نائب الرئيس الراحل صدام حسين، عزة ابراهيم الدوري، فضلاً عن مسلحين متشددين، وينشط في نينوى وكركوك، على وجه الخصوص، وبعض مناطق بغداد وقد تسلمت أخيراً جزءاً من إدارة مدينة الموصل بسبب ثقلها في المدينة..
.. <داعش> الأكثر جدلاً
يعتبر باحثون استراتيجيون من بينهم <هارون ي. زيلينن> وهو باحث في معهد واشنطن، انه تم إيلاء الكثير من الاهتمام وبحق للموجة العاتية من المقاتلين السُنة الذين دخلوا سوريا من عدة بلدان لمحاربة نظام الأسد في العامين والنصف العام الماضيين، ولكن تم التغاضي عن تداعيات هذه الحرب على دولة العراق المجاورة وامتدادها إلى أراضيها. وعلى وجه الخصوص، عاد المقاتلون الأجانب بأعداد متزايدة إلى العراق تحت راية «الدولة الإسلامية في العراق والشام» «داعش»، مصممين على محاربة حكومة نوري المالكي وحركة <الصحوة> السنية التي آزرت الولايات المتحدة خلال العقد المنصرم في التصدي لـ «تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين» (المعروف شعبياً باسم «تنظيم القاعدة في العراق»، أحد الأسماء السابقة لـ«داعش»). وكان من شأن هذا المنحى ـــ بموازاة محاربة عراقيين إلى جانب تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» في سوريا واستحواذ التنظيم بشكل متواصل على مناطق غرب العراق وشرق سوريا ـــ أن بدّد الحدود بشكل فعال بين الدولتين. وتعمل اليوم عناصر «داعش» في كلا البلدين ولا تعتبر عبور الحدود مختلفاً عن الذهاب من إحدى ولايات <دولتهم الإسلامية> إلى أخرى.
عرقنة <القاعدة>
يؤكد الدكتور الجامعي الباحث محمد الطفيلي لـ<الأفكار> وهو المتابع للتطورات العسكرية التي تشهدها المنطقة العربية، ان ما تعرض له«تنظيم القاعدة في العراق» قبل عدة سنوات، من أعمال عسكرية ومطاردة على يد رجال <الصحوة>، دفعه لاتخاذ القرار بـ<عرقنة> نفسه، حتى لا يظل بالنسبة للعراقيين كالجسم الغريب، لأن العديد من قادته وأعضائه انحدروا من بلدان أخرى. وفي إطار هذا القرار، غيّر التنظيم اسمه ليصبح «مجلس شورى المجاهدين» ولاحقاً «الدولة الإسلامية في العراق»، وهذه التسمية تغيرت بدورها في نيسان/ أبريل 2013 لتصبح «الدولة الإسلامية في العراق والشام» من أجل شمل المناطق الجديدة التي تطالها عمليات التنظيم (حيث أن بلاد الشام تشمل سوريا).
ووفق الباحث هارون ي. زيلينن، كان لتأسيس «داعش» وانخراطها الرسمي في الساحة السورية أصداء مدوية في العراق، ومن ضمنها ارتفاع عدد القتلى بسبب العنف المتواصل.
ضحايا حرب العراق
ووفقاً لما ورد على موقع <ضحايا حرب العراق> الذي يحصي عدد الضحايا المدنيين منذ بداية حرب 2003، سقط نحو 389 قتيلاً شهرياً خلال فترة ما بعد <الصحوة/ الطفرة) (تشرين الأول/أكتوبر 2008 ـــ نيسان/ أبريل 2013). لكن في الفترة بين أيار/ مايو 2013 و أيار/ مايو 2014، شهد معدل الوفيات ارتفاعاً ساحقاً وصل إلى 1029 ضحية شهرياً، ويتوقع أن يتخطى العدد المرتقب لشهر حزيران/ يونيو هذا المعدل. كذلك يتطابق هذا المنحى التصاعدي مع البيانات التي أصدرتها الأمم المتحدة ووكالة <فرانس برس>، مع تفاوت الأرقام في ما بينهما بسبب اختلاف الدولتين في منهجيتهما المتبعة.
ان الانتقال إلى سوريا لم يمنح «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ملاذاً أمناً فحسب بل أتاح لها كذلك سهولةً أكبر في تجنيد المقاتلين لقضيتها وفتح خطوط جديدة للاتصال لنقل الأموال والأسلحة بين ساحات القتال السورية والعراقية. وعلى الرغم من الجهود السابقة التي بذلها التنظيم لتغيير اسمه و<عرقنة> نفسه، فإن الحقيقة أن المقاتلين الأجانب يتمتعون بمهارات قتالية أعلى وبالتالي يعتبرون مصدراً بارزاً لتعزيز القوة والفعالية في ساحة المعركة وكذلك في تدريب المجندين الجدد. وقد ساهم اللجوء إلى هذه المصادر الخارجية للمقدرات والتمويل والأسلحة في إعادة إطلاق شرارة «داعش» في العراق على مستوى أعلى بكثير. وعلاوة على ذلك، عندما انفصلت «الدولة الإسلامية في العراق والشام» عن «جبهة النصرة» ـــ الفرع السوري الرسمي لـ تنظيم «القاعدة» ـــ في نيسان/ أبريل 2013، انضم العديد من المقاتلين الأجانب في «جبهة النصرة» إلى تنظيم «داعش»، كما أن الشبكات التي زودت «جبهة النصرة» بالجهاديين بدأت بإرسالهم إلى تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام>.
وبالإضافة إلى كسب مجندين جدد وموارد جديدة في سوريا، نفّذت «داعش» أيضاً عمليات اقتحام جريئة في سجن <أبو غريب> وغيرها من المنشآت العقابية حيث تم تحرير العديد من المقاتلين الذين ألقي القبض عليهم خلال الصحوة/ الطفرة مع العلم بأن معظمهم من الأجانب. ومع أن التنظيم يبالغ في عدد السجناء المفرج عنهم، وتشير التقديرات المعقولة إلى أن ما يزيد عن 500 مقاتل تمكّن من العودة إلى ساحة القتال وتقديم خبرته إلى تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، بيد أن معاودة ظهور المقاتلين المتمرسين الذين شاركوا مع التنظيم في ذروة الجهاد العراقي خلال العقد الماضي، ساعدت «داعش» على الارتقاء إلى مستوى عسكري جديد، وبالنظر إلى مختلف المناحي التي عززت قوة التنظيم على مدى العام المنصرم، يوضح ذلك أيضاً عودة ظهور المقاتلين الأجانب في العراق.
بشارة مرهج والخوف على الشرق كله
فهل بات الخوف على المنطقة، وعلى لبنان، وعلى المسيحين هاجس لدى الجميع ؟ يقول الوزير السابق بشارة مرهج لـ<الافكار>: انا أخاف على الشرق كله، وأعتبر أنه عندما أصيب المسيحيون في لبنان، أصيب كل اللبنانيين، وعندما أصيب المسيحيون في العراق، أصيب كل العراقيين، لكن عندما يجري التركيز على فئة وتسلّط الأضواء عليها، لا يعني أن الفئات الأخرى لم تصب بما أصيبت به هذه الفئة، ولذلك فالخلاص الفردي أو الطائفي في مجتمعاتنا لا طائل منه، بل الخلاص الوطني هو الأساس، والخلاص القومي هو المعيار أيضاً، ولا خلاص في النهاية إلا بمواجهة الأخطار الحقيقية التي تهدد مجتمعاتنا، لأن احتلال العراق كان المقصود منه مشروع الشرق الأوسط الجديد واحتلال المنطقة وتقسيمها من جديد، وفقاً للمصالح الإسرائيلية، حيث ان اسرائيل لعبت دوراً كبيراً في احتلال العراق، ونحن اليوم أمام مرحلة جديدة اضطرت معها القوات الأميركية للانسحاب تحت ضغط المقاومة العراقية وتضطر معها الإدارة الأميركية لتغيير سياستها بسبب المأزق الاقتصادي الذي تعيشه والناتج عن التدخلات العسكرية غير المشروعة في العالم وفي مقدمها حرب العراق.الوضع في العراق فتح الباب على كافة الاحتمالات، وباتت تردادته تصل الى الساحة اللبنانية، الامر الذي دفع بالقوى الأمنية الى رفع منسوب الحذر واليقظة والحذر.
والحديث عن <سايكس بيكو> جديد يرفضه مرهج ويقول: لا.. انا أرى مرحلة جديدة ينسحب معها الجيش الأميركي من العراق وتصمد فيها المقاومة في فلسطين ولبنان، والوعي الشعبي يزداد، بعد تحرر مصر دخلنا مرحلة جديدة لأن مصر هي الأساس في عملية التغيير العربي وعملية التصدي، وهي رغم كل الثغرات والملامح السلبية تتقدم الى الأمام وتستعيد دورها تدريجياً.
وبرأي الباحث السياسي ميشال بو عبود ان العراق بات الآن جزءاً أساسياً من المأزق نفسه الذي يحاول زعماء الغرب معالجته في سوريا منذ فترة. وإنّ الانتصارات المتواصلة التي يحرزها مقاتلو «<داعش>» في ساحة المعركة والاعتقاد بأن <إرادة الله> إلى جانبهم ضد الأعداء الذين يتفوقون عليهم عدداً، ما هي إلا حوافز تزيد من هيبة الانضمام إلى التنظيم ودعم أهدافه بنظر الجهاديين المنبثقين في جميع أنحاء العالم.
ويعتبر البعض ان تنظيم <داعش> بات الاقوى مالياً، بعد استيلاء مسلحي التنظيم ومسلحين محليين على مدينة الموصل، ثاني أكبر مدن العراق ومركز محافظة نينوى، حيث استولى التنظيم - بحسب محافظ نينوى - على 425 مليون دولار من البنك المركزي في الموصل، كما نهب مسلحو <داعش> مصارف محلية واستولوا منها على مبالغ طائلة وكميات كبيرة من السبائك الذهبية، بحسب تقارير غربية.
ووفقاً لتحليلات الخبراء فإن <داعش> بات على رأس قائمة أكثر المجموعات الإرهابية الدولية ثراءً على الرغم طبعاً من غياب معلومات موثقة عن ثروات وأرصدة هذه الجماعات.وحتى قبيل سقوط الموصل، كان تنظيم <داعش> من أغنى التنظيمات التي تشارك في الصراع الدائر في سوريا، إذ إنه يدفع أموالاً طائلة لعناصره ويمدّهم بأفضل أنواع الأسلحة وأكثرها تطوراً. ولا يُعرف عن مصادر دخله الكثير، فعادة ما كان تمويل تنظيم دولة العراق والشام مزيجاً من عوائد الخطف وتهريب النفط والهبات من مؤيديه. وفي كل انتصار عسكري كبير يحصل على سلاح جديد، فقد سيطر على مطار الموصل حيث مروحيات أميركية، كما سيطر على <قاعدة غزلاني> واستولى على مخازن أسلحتها.
حزب الله والمقامات المقدسة
المرحلة المقبلة حافلة بالمخاطر والمفاجآت في المنطقة كلها، هكذا قال مسؤول في حزب الله لمجموعة من كوادر الحزب خلال اللقاء بهم، ووضعهم في اطار احتمال مشاركة الحزب في المعارك داخل العراق، لحماية المقامات الشيعية المقدسة، وحماية <ارض النجف> وغيرها من شعارات سيطلقها الحزب لتبرير تدخلاته امام قاعدته الحزبية التي ما زالت الى اليوم لا تستوعب ولا تهضم تدخل الحزب في سوريا.