هل اصرار عاصي الحلاني وحده على تحقيق حلمه على ادراج بعلبك هو الذي انجح حفلاته الثلاث بما يفوق العشرة آلاف مشاهد على مدى ثلاث ليال بين احضان معبد باخوس، ام هو اصرار اللبنانيين على تحدي الظروف الصعبة جداً وعلى رأسها الظروف الامنية لملاقاة العتابا والميجانا في عقر دارهما؟ هل عزيمة الفارس وحدها جابهت الفرضيات والمخاوف الكثيرة من انتحاري ما في بولمان يقل عشاق عاصي الى القلعة او من سيارة مفخخة على جانب الطريق او من صاروخ يحط في المدرج وفي رؤوس من يعاندون الموت بالفرح، ام هو قرار شعب اراد الحياة؟

هما الاثنان ارادة الجمهور والنجم اتحدتا ليبقى للعيش طعم آخر..

السنة الماضية هجرت مهرجانات بعلبك قسرياً الى خان الحرير في منطقة الجديدة المتنية وأجل معه عاصي حلمه، لانه ابى الا ان يقدمه في مدينة الشمس، تحت سحر قمر القلعة الجميل. هذا العام افتتح عاصي المهرجان في ليلة اولى لاهالي بعلبك تخطت الالفين وخمسمئة، وليلة الافتتاح الرسمي بالعدد نفسه تقريباً لاكثر من ساعتين وسط حراسة امنية مشددة انتشرت فيها القوى الامنية خارج وداخل المدرج بزيها وسلاحها، فالجيش اخذ على عاتقه تأمين الحفلات.رف من السياسيين من وزراء السياحة والثقافة ميشال فرعون وروني عريجي الى السيدة ليلى الصلح (دعمت الانتاج) والوزير نبيل دو فريج والسيدتان نورا جنبلاط ومنى الهراوي ورئيسة مهرجانات بعلبك نايلة دو فريج كانوا في الصفوف الامامية فضلاً عن حشد من الصحافيين وجمهور غفير غصت به المدرجات فسادتها الفوضى التي ضاعت وسط الهيصة والتصفيق. هيصة لا حس لها الا داخل اسوار القلعة، فالمدينة بساحاتها وشوارعها تبدو غريبة على المهرجان فالمحلات والعباءات والتذكارات البعلبكية بقيت رابضة في مكانها ولا من يشتريها، تماما كما الجمل الرابض في الخارج الذي <كسدرت> عليه بعض البيروتيات وسط غياب وجوه خليجية او عربية وغربية كنا نراها في السابق.

مشوار عاصي .. فصول اربعة                     

 الى الاغنية الخاصة الجديدة عن بعلبك والتي كتبها الشاعر نزار فرنسيس ولحنها بنفسه، قدم استعراض عاصي - الحلم 22 لوحة استعراضية راقصة من تصميم فرنسوا ر

حمة جمعت اللوحات الحديثة الى الاخرى التراثية البعلبكية مع <فرقة المجد>. حلم عاصي الذي تشكل على غرار الفصول الاربعة ترجمته بشكل رائع كلمات الشاعر أسعد جوان ابن بلدة <زان> البترونية مع موسيقى الاوركسترا الحية بقيادة الفنان حسن رحال والتي عزفت امام المدرج. هي رحلة عاصي في عالم الفن منذ البدايات وحتى اليوم وكأنها اختصار لارشيفه ولمشواره بكل ما رافق هذه الرحلة من صعوبات وتحديات واصرار وطموح ونجاح وشهرة لابن الحلانية القريبة. هي ليست المرة الاولى التي يقف فيها الفارس على مدارج القلعة فهو سبق وشارك العام 2011 بمسرحية <من ايام صلاح الدين> مع الاخوين ماهر وفريد صباغ وقبلها في <اوبرا الضيعة> مع فرقة <كركلا> إلا ان المرة هذه كانت كلها لعاصي وعنه غنى فيها من ربيرتواره الغني والذي بناه منذ ان بزغ حلم الطفل محمد مزين الحلاني (بعدها عرف بعاصي الحلاني نسبة الى نهر العاصي وتيمناً بالكبير عاصي الرحباني) المنتمي الى عائلة بقاعية تتكون من 13 اخاً واختاً، والذي قصد ستوديو الفن ليحصل على الجائزة الفضية يومئذ عن اللون الفولكلوري، واجتهد وناضل حتى حصد من الصحافي جورج ابراهيم الخوري لقب «فارس الغناء العربي>.

عاصي.. لبنان يهتز ولا يقع

بالنسبة لعاصي المشارك الفاعل في حملة المنظمة العالمية لمكافحة الفقر والجوع والذي اعلنته الامم المتحدة صديقاً لها وكانت عينته سفيراً للنوايا الحسنة لديها قال: لم يكن ممكناً لهذا العام أيضاً نقل الحفلة الى مكان آخر على الرغم من ان ذلك طلب مني لهذا العام أيضاً، الا انني اصررت على المكان لان اقامة المهرجان تحد كبير لكل ما يجري وللتأكيد على ان المنطقة التي انجبت ابطالاً ممنوع ان يمنعها احد من ان تفرح. فبعلبك كما عودتنا تستقبل الناس برحابة صدر والشعب اللبناني يهتز ولا يقع، ونحن اللبنانيين كما القلعة صامدون وسنبقى.. فكسر ارادة الشعب اللبناني مستحيلة اذ لا يمكن لاحد ان يلغي ثقافة شعب يسعى ليكون افضل. فالمسرحية - الامنية، رافقته منذ سنوات واراد ان يحققها في المدينة التي عاش فيها طفولته مع ما تحمله من معان تراثية وفنية عريقة والتي بحسب قوله قد تشكل صفحة جديدة في رحلته على المسرح.

وماريتا أيضاً..

فرخ البط عوام هكذا وصف عاصي ابنته ماريتا (ابنته الكبرى الى جانب كل من دانا والوليد أولاده من زوجته ملكة جمال لبنان السابقة كوليت بولس). فقد شاركت ماريتا اباها باغنيتي <بحبك وبغار> و <قولي جايي> كما غنت منفردة <اي ويل سورفايف> الغربية. كذلك شارك في الغناء معه نجما <ذا فويس> غازي الامير وربيع جابر في خطوة باتت معهودة في المهرجانات الكبرى. ففي مهرجان بيت الدين للعام الماضي كان النجم العراقي كاظم الساهر قد قدم في حفلته أيضاً مواهب عرف عنها بنفسه وقدمها هو أيضاً.

مكرزل.. والـ80 بالمئة

بعد الافتتاح كان لـ<الافكار> أيضاً لقاء مع مخرج العمل جو مكرزل، وسألناه في البداية عن مدى رضاه في تطابق التنفيذ على الخشبة مع رؤيته كمخرج رسم الفكرة على الورق اولاً، فأجاب:

- بصراحة، عندما يضع المخرج فكرة ما ويعمل عليها تكون له رؤية واسعة في البداية خاصة حين تكون بعلبك هي المسرح، ثم تبدأ هذه الفكرة بـ<الزمزمة> بحسب الاشخاص والامكانيات والقدرات. يمكنني القول انني راض بنسبة ثمانين بالمئة عن العمل، والعشرون المتبقية متعلقة بعاصي. فلهذا النجم كاركتير وصفات معينة لا بد من أخذها بعين الاعتبار. وعما كان يطمح اليه بعد في العشرين بالمئة المتبقية قال مكرزل: لكنت اخذت عاصي الى أماكن أخرى كالرقص مثلاً.

 ولما قلنا لمكرزل اننا كمشاهدين لم نر عاصي في الدبكة البعلبكية حتى كما عهدناه في السابق، وهل هذا بسبب عملية التكلس في الورك التي خضع لها مؤخراً في مستشفى رزق قال مكرزل:

- الامر صحيح، ونحن هنا لا نفشي سراً والصحافة والجمهور على علم بالعملية وبصحة عاصي التي داريناها. العمل في القلعة ليس سهلاً على الاطلاق فهي ليست مساحة مسطحة يمكن الحركة فيها بشكل سهل، كما انها واسعة و قد حاولنا تصغير الحجم نوعاً ما بالاضاءة، ولا تنسوا كم هي مرهقة التمرينات المكثفة وكان عاصي اضطر مشكوراً في التمرين عليها وهو جالس احياناً.

ونسأل مكرزل عن التعاون مع الشاعر اسعد جوان الذي كتب كلمات رائعة في الربط ما بين فقرات حلم عاصي فأجاب:

- أسعد جوان صعب لكنه حين يكتب عن بعلبك فإنه يكتب بروحانية كبيرة. في كلامه يعلم الناس الوطنية من دون وعظ، من دون مباشرة وبصور شعرية ولا أحلى، وسأفشي لكم سراً أنني من سمعتم صوته يلقي هذا الشعر في العمل. كتب جوان ست قصائد طويلة اضطررنا ان نقتطع منها لتتناسب مع الوقت المسموح.

ويؤكد مكرزل ان ما شاهدناه ليس سيرة عاصي الحلاني ابداً، انما هي مسيرته الفنية في استعراض راقص - مشدداً على الكلمة الاخيرة -، حلمه مذ كان يعربش على حيطان القلعة هو ابن الحلانية القريبة منها. في هذا العمل صورة جديدة لعاصي غير تلك التقليدية في الحفلات الغنائية والمهرجانات. وكان التعاون معه لذيذاً جرى فيه نقاش حول اختيار الاغنيات والالوان التي تتناسب والاضاءة فضلاً عن الازياء التي يطل بها، ومن الجميل ان عاصي غير متشبث برأيه وهو يناقش ويقتنع بأن العمل هو رؤية المخرج بالنهاية ولا يتدخل في ما قد يخربط سير خريطة العمل.

يكفي ماريتا..

 وعن عدم استغلال وجود ماريتا ابنة عاصي الصبية الجميلة في لوحة راقصة او خطوات استعراضية اجاب مكرزل ان هذه الاطلالة كافية لها وهي بعد بهذا العمر اليافع، اذ يكفيها فخراً ان والدها قدمها من بعلبك وانها غنت الى جانبه بين اعمدة القلعة التاريخية، ويمكن ان تضيف هذا الى سيرتها الذاتية ذلك ان اطلالة خمس دقائق في بعلبك توازي مشوار عمر لفنان آخر. بالنهاية الاستعراض هو لعاصي وكل من شارك فيه يبقى جانبياً والا لكنا استقدمنا أكبر الاسماء الفنية وكثيرون كما تعلمون يتمنون الوقوف الى جانب فارس الغناء العربي. لم نرد ان ننتقد بان عاصي يسوق لاسم ابنته.

وعن امكانية الخروج بحلم عاصي الى ما خلف الحدود اللبنانية في جولة فنية قال مكرزل ان ذلك وارد، فعاصي نجم عربي وهو تخطى الدول العربية الى اور

وبا وأميركا حيث احيا حفلات ناجحة ويمكن ان يعرض حلمه فيها أيضاً.

مفاجأة قهوجي...

ولا يخفي مكرزل ان الخوف من الوضع الامني اقلقهم جداً في البداية وراودتهم الشكوك في مجيء عدد كبير من الحضور، الا ان الليلة المخصصة لاهل بعلبك فاجأتهم بعدد الحضور فيما حفلة الافتتاح ليلة 31 تموز/ يوليو كانت <ما فوق الكومبليه>، اما الليلة الاخيرة اي ليلة الاول من آب/ أغسطس المتزامنة مع عيد الجيش والذي فاجأهم بحضورها قائد الجيش العماد جان قهوجي وسط تحليق مروحي مستمر للحماية، فلم يبق له هو المخرج اي كارت يؤمنه ولو شراءً لاصدقاء يودون مشاهدة حلم عاصي الجميل. ويؤكد مكرزل الذي يعد لعمل جديد رفض الافصاح الا عن موعد الاعلان عنه في منتصف هذا الشتاء، انه لو تم تأجيل عاصي الحلم لسنة اخرى بعد، او لو نقل المهرجان قسرياً الى مكان آخر لما كان حلم عاصي ابصر النور ولكان الغي العقد، لأن هذا العمل لا يمكن ان يعرض الا في مدينة الشمس. واثنى على التعاطي الراقي للجنة المهرجانات المحترمة والانتاج الممتاز. اما حول تجديد ليال اضافية في القلعة التاريخية فاستبعد مكرزل الأمر حتى يبقى شيء ما لاهل بيروت اذا قررنا النزول بها اليهم.