الخطة الأمنية في البقاع خطوة كان لا بد منها بعد ان كثرت الاعتداءات المتنوعة في العديد من المناطق البقاعية بحق المواطنين من خطف وسلب وقتل وتجارة مخدرات واعتداء على الجيش والقوى الأمنية واللائحة تطول. ولكن يبقى سؤال بارز وهو: هل ستتمكن القوى الأمنية من توقيف جميع المطلوبين على الاراضي اللبنانية، أم ان هناك محاذير من التعرض لأشخاص ما زال يُعتقد انهم محميون من سياسيين ومتنفذين في الدولة؟
هكذا بدأ يوم الانتشار
عند الساعة السادسة من صباح الخميس ما قبل الماضي انطلقت الخطة الأمنية في محافظتي البقاع وبعلبك الهرمل على الرغم من سوء الأحوال الجوية والطقس العاصف، وقد شارك في تنفيذ الخطة إلى جانب وحدات الجيش اللبناني المنتشرة في المنطقة نحو ألف عنصر من قوى الأمن الداخلي وعناصر الأمن العام. وقد شملت الخطة في بداية الأمر تعزيز الحواجز الأمنية الموجودة اضافة الى استحداث حواجز جديدة لا سيما عند مداخل وبلدات قرى شرق زحلة وقضاء الهرمل بهدف ملاحقة واعتقال المطلوبين بموجب مذكرات توقيف وأفراد عصابات متنوعة ، وكانت البداية من بلدة بريتال التي دخلتها القوى الأمنية بحثاً عن مطلوبين ابرزهم ماهر طليس. وقد عملت الجهات الأمنية قبيل بدء انتشارها على رصد حركة اتصالات هؤلاء من خلال هواتفهم الخلوية بشكل مضني خصوصاً وانهم يملكون ارقاماً عدة ويحسنون طرق استعمالها عند الضرورة بغية تأمين تحركهم في بلداتهم ومنطقة الجرد التي لجأوا اليها. وقد استعملت أجهزة المخابرات في الجيش أجهزة الكترونية تساعد في التشويش على الاتصالات التي يجريها المطلوبون فيما بينهم.
هل ولدت الخطة ميتة؟
جرى التصويب على الخطة الأمنية في البقاع بشكل سلبي كما وجهت نحوها سهام متعددة باعتبار انها ولدت ميتة كون الاساس في انجاح أي خطة أمنية من هذا القبيل هي أن تعتمد على عنصر المباغتة في الزمان والمكان لكي لا يتمكن اي من المطلوبين من الفرار خارج حزام المنطقة على غرار ما حصل في العديد من مناطق البقاع حيث تمكن معظم <الطفّار> من الهروب باتجاه بلدات سورية مثل القصير وغيرها من المناطق الحدودية أغلبهم من المطلوبين بجرائم جنائية. وهنا توضح مصادر أمنية للأفكار بأن الحديث المتواصل عن هذه الخطة قد أضر بفعاليتها لأن عدداًَ من كبار المطلوبين قد اتخذوا كل الإحتياطات اللازمة لتفادي القبض عليهم، فلجأ بعضهم إلى الجرود أو إلى خارج ال حدود. ولكن وبغض النظر عن التوقيت تؤكد المصادر نفسها ان الأجهزة الأمنية تواصل ملاحقتها لهؤلاء المطلوبين الذين يتجاوز عددهم الثلاثمئة للقبض عليهم. وحول علاقة الخطة الأمنية بما تشهده الحدود تشير المصادر الى انه لا علاقة للخطة بالتدابير العسكرية والأمنية التي يتخذها الجيش عند الحدود اللبنانية السورية في مواجهة الإرهاب، ولكن في المقابل لن تقف القوى الأمنية مكتوفة الايدي في مواجهة اي تهديد ارهابي وستكون مستعدة للتصدي له.
.. والاهالي يرحبون ولكن
أما في ما خص الاهالي فقد عبر كثيرون منهم أنهم مع الجيش والأجهزة الأمنية ويتمنون لو انه يصار الى القبض على ابنائهم ومحاكمتهم بشكل عادل والاخذ بعين الاعتبار الظروف التي جعلت منهم مطلوبين. فبرأي هؤلاء الاهالي ان القبض على أبنائهم أفضل بكثير من قتلهم على الحواجز أثناء فرارهم او من خلال الكمائن التي تنصب لهم خصوصاً وان العديد من المطلوبين لا ينوون تسليم انفسهم، وقد سمع البقاعيون أن هناك من سيقاوم القوى الأمنية منعاً لوقوعهم بيدها. وهنا تقول والدة احد المطلوبين انه توجد في البقاع حالات شاذّة مثل الخطف والسطو وغيرهما من الأمور المرفوضة والمدانة من مجتمعنا <البعلبكي> لدرجة اننا اصبحنا في نظر اللبنانيين أشبه بمجموعات خارجة على القانون، ومع دخول الدولة بجيشها وقواها الأمنية سوف تنتهي هذه الحالات، لكن في الاصل هناك سؤال لا بد من طرحه على جميع المعنيين وتحديداً على نواب هذه المنطقة واحزابها وهو من الذي أوصلنا إلى هذه الحالة أليسوا هم؟
الأمن المتوازن بدأ من طرابلس
فكرة الخطة الأمنية في البقاع الشمالي لم تكن وليدة اللحظة التي انطلقت فيها بل تعود الى سنين طويلة، ولكن عدم تنفيذها كان يعود لعدم وجود قرار سياسي واحد وغطاء أمني موحد للأجهزة الأمنية الى أن جرى توافق سياسي بانت اولى بشائره من مدينة طرابلس حيث ألقت هذه القوى القبض على مسؤولي المحاور الأمنية الذين كانوا يساهمون في إشعال المدينة حتى وصلت الجولات الحربية الى حد العشرين جولة ذهب ضحيتها مئات الأبرياء. واليوم يواكب الأفرقاء السياسيون وفي طليعتهم تيار <المستقبل> وحزب الله عمل هذه القوى التي بدأت منذ أسبوعين العمل على تنفيذ شعار بيروت منزوعة الشعارات الحزبية التي تستكمل اليوم خطتها الأمنية في البقاع ليتأكد ان البلد لا يحكم الا بالتوافق السياسي وان لا مجال لأي فريق بالاستئثار وحده بالحكم. وهنا يقول مصدر في حزب الله لـ<الافكار> ان الحزب أعلن منذ فترة طويلة تأييده لهذه الخطة وانهم كانوا من أوائل المطالبين بها وإلقاء القبض على المطلوبين الذين تعرف الدولة أماكن وجودهم مع التمني بألا تؤدي الخطة الى الإضرار ببقية المواطنين من خلال المداهمات العشوائية.
جرعة معنوية في زيارة المشنوق
كان لا بد للخطة الأمنية في البقاع بعد الانتقادات التي طالتها من جرعة دعم معنوية توفرت من خلال زيارة وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق للبقاع وتحديداً لبلدة بريتال إحدى مناطق مربع الموت على حد وصف المشنوق نفسه سابقاً. لم تمنع العواصف الثلجية وإغلاق الطرقات المشنوق من زيارة البقاع حتى انه رفض تأجيل الخطة الى ما بعد الانتهاء من العاصفة <يوهان>، وقد رافقه كل من المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء ابراهيم بصبوص، ومحافظ بعلبك الهرمل بشير خضر وقيادات أمنية وعسكرية، وبعد عقده لقاء أمنياً تفقد المشنوق الحواجز الثابتة والمؤقتة المنتشرة على طول الطريق الدولية من بريتال والنقطة الرابعة ثم طليا ثم الى تل عمارة وصولاً الى رياق لتنتهي جولته في ثكنة أبلح العسكرية حيث عقد مؤتمراً صحافياً قال فيه: <عندما أعلنت عن مربع الموت في الشراونة والنبي شيت وبريتال وعرسال كنت ظالماً والكلام كان شاملاً. كما ان كلامي كان خاطئاً، مشدداً على ان العملية الأمنية مستمرة في محاولة لإعلان هذه المنطقة وبشكل نهائي خالية من المطلوبين والمخدرات>. ولفت الى أن كبار المطلوبين هربوا الى سوريا وهذا ليس سراً ولكن الخطة الأمنية هي لمنعهم من العودة والذي يعود سيدفع ثمن ما ارتكبه. وأعلن ان هناك غرفة عمليات مشتركة في البقاع لمتابعة كل المخالفات، وهذه أول عملية من نوعها بين الأجهزة الأمنية الثلاثة الجيش وقوى الأمن الداخلي والأمن العام، وهذا تأكيد على السياسة التي اتبعناها بأن القوى الأمنية يد واحدة في مواجهة الارهاب وتجار المخدرات والخطف من أجل الفدية المالية والسلب. وتابع: هناك 37 ألف مذكرة توقيف ووثيقة اتصال بحق بقاعيين بتهم بسيطة منها إطلاق نار في أعراس أو مآتم ومن غير المقبول إبقاء هذا الملف على هذه الطريقة ولا بد من النظر فيه علماً ان الباب مفتوح لتسوية أوضاع كل الذين عليهم وثائق اتصال.
اتصال مع مطلوب وحديث مع الزوجة
قبيل خروجنا من بريتال وأثناء وجودنا مع أحد أقطاب الفاعليات البقاعية المعنية بالشأن العام للبلدة إذ جاءنا إتصال مشفر تبين انه من احد المطلوبين الذين اجرينا معهم في السابق سبقاً صحفياً. أخبرنا المطلوب لا بل اكد أنه ما زال في لبنان وانه لم يهرب باتجاه الاراضي السورية كما أشيع. سألناه أولاً حول معرفته بوجودنا في بلدته؟ لكنه اكتفى بالقول <ولو أنتم بيننا>. ثم تابع يقول: <نحن لم نخلق مطلوبين بل الدولة هي التي جعلتنا هكذا، القصة تبدأ بإطلاق نار أو حادث فردي، لكن الأمور تتطور بعد ذلك حتى نصبح ملاحقين ومطلوبين وأحياناً قتلى. في البقاع هناك الآف الاشخاص الذين يعملون مخبرين للدولة لكن والله العظيم جميعهم كاذبون لا يهمهم سوى الترقيات والمخصصات المادية ولو على حساب التقارير الكاذبة التي يعدونها بحقنا، ولو كلفت الدولة نفسها واطلعت بشكل شخصي عبر عناصرها الفعليين لعلمت ان جميع التقارير ملفقة ولا صحة لها من الاساس>. امّا بالنسبة الى زوجة احد المطلوبين الفارين فتقول: <لقد أفقرتنا الاحزاب الموجودة هنا وأعادتنا عشرات السنين الى الوراء، المؤامرات تحاك ضدنا منذ زمن الوجود السوري هنا، فرجال الحكومة السورية ومخابراتها سرقوا مليارات الدولارات كانت دفعتها الولايات المتحدة الاميركية للدولة اللبنانية لإنشاء مشاريع بديلة تعوض على المزارعين كزراعة بذور دوّار الشمس وغيرها من المزروعات البديلة، كما ان المخابرات السورية كانت توفر الدعم اللازم لأتباعها في زراعة المخدرات وتقوم بحمايتهم وتسهيل عمليات التهريب من لبنان الى الخارج، حتى اسرائيل كانت تحصل على المخدرات من لبنان. الدولة تستقوي فقط على الضعفاء أما التجار الكبار وعصابات السرقة الذين كانوا يبيعون السيارات المسروقة للمعارضة السورية فيعيشون اليوم بأمان في لبنان وفي سوريا.
عراجي: البقاعيون مستفيدون من الخطة الأمنية
لم يكن مضى سوى أربع وعشرين ساعة على البدء بالخطة الأمنية في البقاع حتى وصل عدد الموقوفين الى أكثر من مئة شخص وضبط طنان من المخدرات و18 سيارة من دون أوراق رسمية مرجح أن تكون مسروقة. وفي هذا الخصوص يقول عضو كتلة <المستقبل> النائب عاصم عراجي لـ<الأفكار>: <أن الخطة الأمنية في منطقة البقاع تأخر تطبيقها كثيراً اذ كان يجب أن تبدأ مباشرة بعد الخطة التي طبقت في طرابلس وسجن رومية، ومن يستفيد اليوم من هذه الخطة هم أهل البقاع، ونحن نستفيد من رفع الغطاء السياسي عن أي مخل بالأمن، وأي مطلوب بمذكرات توقيف يجب أن يتم رفع الغطاء عنه. كما أننا ضد أي جماعة تحارب الجيش اللبناني سواء <داعش> أو <النصرة> أو أي فصيل سوري آخر، وهذا الإنجاز لم يكن ليحصل لولا الحوار القائم بين المستقبل وحزب الله ونتمنى ان ينسحب على بقية الأمور العالقة في البلد وفي طليعتها حالة الفراغ الحاصلة في كرسي الرئاسة الأولى>.
الرفاعي: الإعلان عنها سرع بهروب المطلوبين
أما عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب كامل الرفاعي فقد أكد أن الوضع في منطقة بعلبك - الهرمل عشية تنفيذ الخطة الأمنية طبيعي جداً، لكن الإعلان عن قرب تنفيذها بواسطة الإعلام جعل المتورطين والخارجين على القانون يغادرون المنطقة إلى أماكن أكثر أماناً. واتمنى ان يجري تنفيذ الخطة الأمنية انطلاقاً من أمرين أساسيين: الأول ان تقوم الدولة بخطوة باتجاه تنمية المناطق المحرومة، والثاني يتمثل بإيجاد حل للذين صدرت بحقهم مذكرات توقيف غيابية خصوصاً ان العدد يتخطى 36 ألف مذكرة توقيف، وضرورة الاسراع في التحقيق بالتهم الموجهة إليهـــم، مشــيراً الى ان حــزب الله رفــع الغطاء عن كل المخلين بــالأمن وهــو كقـــوة عـــلى الأرض يـقف إلى جانب الدولــــة لتمكينها من تنفيذ خطتها الأمنية اليوم وغداً وبعـــد غد.