مساوئ النظام الطائفي، العلمانية ومستقبل الحكم في لبنان، القيم الأخلاقية المشتركة بين الأديان، ظاهرة التطرف في الاسلام، الحق بالاختلاف، التعددية ومبدأ المشاركة في السلطة، وسائل التواصل الاجتماعيودورها في حوار الأديان هي الحلقات الخمس التي تضمنتها ورشة العمل الشبابية وذلك بحضور وزير الثقافة المحامي روني عريجي وبدعوة مشتركة من المركز الدولي لعلوم الانسان - جبيل ومؤسسة <هانز سايدل ستيفتونغ> تحت عنوان <حوار الثقافات والأديان> حيث قارب في هذه الورشة ستة عشر باحثاً وأكاديمياً الاشكاليات والمحاور المذكورة أعلاه.
ومن بيت تراثي عتيق في وسط المدينة القديمة في جبيل، يقوم المركز الدولي لعلوم الانسان الذي استعاد دوره الرائد باحتضان العلماء والباحثين والاكاديميين في مختلف المجالات والميادين العلمية والثقافية ويسعى ليكون نقطة انطلاق لشبكة دولية يتحقق عبرها الحوار بين مراكز الابحاث والجامعات في العالم ولتبادل الخبرات ونشر الدراسات وعقد المنتديات الدولية ليضع لبنان على خارطة العالم الثقافية، انطلقت ورشة العمل حيث شرح مدير المركز الدولي لعلوم الانسان الدكتور أدونيس عكرة أهداف المركز بأنه ليس أكاديمياً فقط. صحيح عليه اجراء الدراسات والمؤتمرات الفكرية لكن الجزء الأكاديمي مجرد مرحلة، والمطلوب توظيف علوم الانسان في سبيل تحقيق أهداف الديموقراطية التي تتقاطع وتنسجم مع أهداف الاونيسكو خصوصاً في العالم العربي على مدى السنوات الأربع المقبلة وقال:
وألقى الأستاذ انطوان الغريب كلمة باسم ممثل <مؤسسة هانز سايدل ستيفتونغ> وهي مؤسسة المانية تعمل تحت شعار <في خدمة الديموقراطية والسلام والتنمية> وتمارس نشاطات التثقيف السياسي منذ انشائها بهدف دعم عملية التثقيف الديموقراطي والاهلي. فلبنان بحاجة الى الحوار للتفاهم عما يوحد ونبذ ما يفرق. ولكم دعا رئيس الجمهورية وما زال الأحزاب السياسية الى الجلوس الى طاولة الحوار للوصول الى قواسم مشتركة لمشكلاتنا السياسية لأنه ركيزة الوطن.- بدأنا التشبيك مع العالم العربي وكانت البداية من بغداد والمشروع مستمر باشراف وزير الثقافة ويؤدي المركز خدمة رمزية في طريق دعم مبادىء الديموقراطية وترسيخها في لبنان والعالم العربي.
روني عريجي ضد التنظير
وبدوره، أثنى وزير الثقافة روني عريجي على جهود القيمين على ورشة العمل وقال:
- انطلق من عنوان المؤتمر <حوار الثقافات والأديان < الذي قد يكون الأهم في هذه المرحلة التي يجري فيها تشويه ممنهج للأديان. وانني أثق بأن المشاركين في الورشة سيتوصلون الى خلاصة واحدة تؤكد على أهمية الدين في مواجهة التعصب والتكفير، وعلى أهمية الفكر في مواجهة الجهل عملياً وليس تنظيراً، ومخطىء من يعتقد أن هناك تناقضاً بين الدين والثقافة، بل أن الدين ثقافة والكتب السماوية تغني الروح والفكر، والعلمانية هي الطريق الأفضل لتنقية الدين من التعصب، ولتعميم ثقافة المواطنة صوناً للوطن وحماية للمواطن. وأحملهم مسؤولية نشر الضوء وليس الاكتفاء بحوار داخلي. ان الوطن بحاجة الى مثقفين واعين للازمة وليسوا متغربين عنها، ويعمدون من خلال نشاطهم الى بث الوعي وتفعيل الحوار العقلاني والمنفتح بين مكونات المجتمع كافة ولو في مواضيع تصنف حساسة ودقيقة.
كما حضر وزير الثقافة السابق غابي ليون اذ اعتبر ان اعادة احياء المركز الدولي لعلوم الانسان - جبيل وانهاضه كان خياراً مهماً بالنسبة الى لبنان انطلاقاً من دوره الحضاري الانساني وتحديد دور مدينة جبيل التي أعطت البشرية الحروف الأبجدية وقال:
- ان دور المركز يتماهى مع الدور التاريخي لجبيل ولا سيما على صعيد القيم ومفاهيم الديموقراطية والحوار بشكل يؤدي الى نقلة نوعية تشع معرفة وثقافة على العالم أجمع. وكلنا ثقة بانطلاقته الجديدة بعناية الوزير روني عريجي وستكون تصاعدية ومفيدة في هذه الظروف السوداوية والظلامية والتكفيرية الغريبة عن بيئتنا وفكرنا وتقاليدنا وقيمنا التي نؤمن بها، ونريد من خلال هذا المركز ان نوجه رسالة الى العالم بان للبنان وجهاً مغايراً تماماً لما يشهده في هذه المرحلة.
وتمحورت مداخلة الدكتور مصطفى الحلوة حول العلمانية ومستقبل الحكم في لبنان وقال:
- في العام 1943 استشعر آباء الاستقلال مساوئ الطائفية، فكان تطلع في البيان الوزاري لأول حكومة استقلالية الى الساعة التي يتم فيها الغاؤها. وكأن هؤلاء الآباء قد فتحوا كوة في جدار نظامنا السياسي لينفذ منه الباحثون ورجال الفكر، كما السياسة. وهكذا كان ركام ضخم من الكتابات والأبحاث والمواقف ناهيك عن مؤتمرات وحوارات وورش عمل. راحت جميعها تقارب مسألة الطائفية والنظام الطائفي. فيطرح السؤال الآتي: اذا كان لبنان نموذجاً ناجحاً للتعايش، فلماذا ينزلق مراراً وعند كل مفترق الى حروب مدمرة بين مكوناته، والشواهد كثيرة: من أحداث 1958 (في عهد الرئيس كميل شمعون) الى الاضطرابات التي شهدها بدءاً من العام 1967 (هزيمة حزيران/ يونيو 1967)، مروراً بالعام 1969 (الصدام مع الفلسطينيين واتفاق القاهرة) ووصولاً الى حرب السنتين (1975 - 1976) وما تلاها من مواجهات عنفية لم تضع أوزارها الا في العام 1990 (اقرار وثيقة الطائف ودسترتها).
ويتابع:
- اذا كان لنا وفق المحور المطروح التبصر في العلمانية كخيار ناجح لمستقبل الحكم في لبنان، فاننا نرى أنه دون الوصول الى تطارح هذا الخيار، لا بد من الاطلال على مختلف الخيارات التي تم تداولها في مقاربة المسألة. وبذلك نمسك بطرف الخيط فنرجع الى سبعة عقود خلت وحتى اللحظة ما يوسع من مجال رؤيانا وما يجلو الكثير من جوانب هذه المسألة وتعقيداتها. ولا ريب أن الرؤى - الخيارات جاءت على كثير من التباين: من أكثرها تطرفاً يميناً الى أشدها تطرفاً يساراً، وما بين هذين التطرفين من مواقف توفيقية وتلفيقية. وهكذا فان مقاربة خيار العلمانية واعتماده بديلاً من نظامنا السياسي الطائفي، لا يمكن أن يأخذ مداه من دون التعريج على سائر الخيارات المناهضة للعلمنة، اذ لا تعرف الأشياء الا بأضدادها وفق المناطقة.
عربيد والملفات الساخنة
وتناول الدكتور وليد عربيد النظام الطائفي واتفاق الطائف والجمهورية الأولى والثانية والثالثة اذ قال:
- كان ملف الاصلاح السياسي ولا يزال من الملفات الساخنة في لبنان لأنه يتناقض مع منطلق التوازنات الطائفية ومصالحها. وتعود جذوره الى نشأة لبنان وقد تصدر الأحداث منذ العام 1920 مروراً بالاستقلال عام 1943 وما تلاه. لقد أصبح المواطن اللبناني حالياً في مأزق تاريخي وهناك حالياً أزمة وجودية في كينونة الشعب اللبناني، والدليل على ذلك أزمة تأليف حكومة الرئيس تمام سلام التي استعصت والتي كادت أن تتحول الى المواجهة ليس فقط على المستوى المؤسساتي او الدستوري وانما أيضاً على المستوى السكاني - الطائفي. لقد تحول الخلاف الطبيعي في دول أخرى التي تشكل الحكومات فيها على أساس حزبي ديموقراطي الى تشكيلة وجودية تخص طائفة اللبناني. ذلك أن النظام الطائفي في لبنان قد أنتج انقساماً عامودياً بين اللبنانيين طغى عليه اللون المذهبي والطائفي. وعلى الرغم من المظهر المخادع الذي يبدو عليه هذا الانقسام وكأنه انقسام سياسي، فإنه في واقع الأمر انقسام واصطفاف طائفي مذهبي. وهذا الوضع مخالف تماماً لجوهر المواطنة من حيث الحقوق والواجبات والمراكز الدستورية.
ويتابع:
- كان المرتجى بعد قيام دولة الطائف ان تتطور الأمور الى مستقبل آمن ومستقر اقتصادياً وتعليمياً يتناسب وتطور العصر. لكن الواقع كان مغايراً للتطلعات. فالمستوى الجامعي والتعليمي يسير الى الانخفاض، وفقدت المواطنة مفهومها الحقوي والدستوري وتحولت الى تقاسم طائفي ومذهبي على كل الصعد. مما لا شك فيه ان جمهورية الطائف ملتبسة لاعادة توزيع مراكز السلطة على الطوائف. اما الانتخابات خارج القيد الطائفي فلم تتم ولم يفكر أحد حتى بطرحها. لقد نفذ معظم اتفاق الطائف باستثناء ما يمكن أن يمس الجوهر الطائفي للنظام أي بند تشكيل الهيئة الوطنية لالغاء الطائفية، اذ رغم تحفظنا على هذه النسبة إلا اننا نعتبر أنها خطوة الى الامام.
وأضاف:
- كان طبيعياً ان تصطدم هذه القوى بالقوى التقليدية والمهيمنة على زمام الأمور في المجالات السياسية والاجتماعية وحتى الاقتصادية للدولة المتمثلة بزعماء الطوائف. وكان بديهياً ان تؤدي هذه الهيمنة والأزمات المتتالية الى تفجير الوضع في لبنان في العام 1975 وتحميل أبنائه ثمناً باهظاً توقف خلالها تطور لبنان وازدهاره وغلبت الطائفية والمذهبية على أي طرح، ووجد الفكر العلماني الديموقراطي نفسه محاطاً بطروحات تتناقض مع نظرته الى الوطن، لذا اضطر أنصاره الى هجرة البلد قاصدين بلداناً يحترم فيها الفرد والانسان ويكون فيها الوطن للجميع وتسودها العدالة الاجتماعية بدولة القانون. مجموعة من الأسئلة تطرح نفسها اليوم في الوطن وتتمحور حول سبل بناء لبنان المستقبل. وفي الاجابة عن ذلك، لا بد من الاشارة الى أن الجمهورية الثانية وليدة اتفاق الطائف في العام 1989 اصطدمت الأخرى بما يسمى التوازنات الطائفية. ولعل ما يميز اتفاق الطائف أنه أوقف نزيف دماء اللبنانيين في الحرب الأهلية وأعطى وجهاً جديداً للبنان من خلال عودة اللحمة الى جيشه الوطني. ولكن جمهورية الطائف لم تستطع حتى الآن ان تقفل ملف الاصلاح السياسي في لبنان.
وعن قيام الجمهورية الثالثة، يشرح الدكتور عربيد:
- ان الثغرات التي ظهرت مع الجمهورية الأولى استمرت مع الجمهورية الثانية وهي مرشحة لأن تستمر في الحفاظ على هذا المشهد الطائفي المنبوذ ما لم تأخذ في عين الاعتبار ضرورة قيام جمهورية ثالثة مبنية على الأسس الآتية:
أولاً: اذا اردنا العدالة الاجتماعية، يجب ازالة الحواجز الطائفية والمناطقية بين اللبنانيين. ثانياً: يجب الاتفاق على قيم ديموقراطية ترتكز الى مبدأ فصل المؤسسات الدينية عن المؤسسات المدنية والسياسية. ثالثاً: يجب دعم التعليم الابتدائي والثانوي والجامعي وتقوية المدارس الحكومية مع فرض الزامية التعليم. ان قيام الجمهورية الثالثة على الأسس المشار اليها هو حلم قسم كبير من اللبنانيين.
ويتابع:
- ان تجارب مصر وتونس وسوريا أبرزت مخاطر الصراع الديني - الطائفي، سواء بين المسلمين والمسيحيين أو بين المسلمين أنفسهم وان كانوا من مذهب واحد. والمثال على ذلك اليمن أيضاً حيث يختلط العامل المذهبي بالعامل العشائري وكذلك الأمر في ليبيا. فعندما ثارت الشعوب العربية في تونس ومصر وليبيا في مطلع العام 2011 من أجل اسقاط نظم الحكم المستبدة والمطالبة بالحرية السياسية والعدالة الاجتماعية، دخلت القوى الاسلامية بقوة لتهدد جدياً مستقبل الديموقراطية في هذه الدول.
ثم أردف:
- ان فصل الدين عن الدولة من دون المس بجوهر الدين او بالايمان الديني لدى الناس يبقى هو الحل لاقامة دولة المواطنة في هذه الدول التي سميت دول الربيع العربي. أما في لبنان، فبعد سلسلة الحروب والنزاعات الأهلية وبعد مجموعة الاتفاقات والتسويات التي حاولت تثبيت الاستقرار، فإن المخرج الوحيد الجدي من هذا المسلسل يكون بالغاء نظام المحاصصة الطائفية من خلال فصل الدين عن الدولة، واقامة دولة المواطنة التي لا تميز بين انسان وآخر. ان المخاض الخطير جداً الذي تمر به الدول العربية وخصوصاً المجاورة للبنان واحتمالات اشتعال الفتن المذهبية فيها، وامكان انتقال هذه العدوى الى لبنان، وما الى ذلك يجعل من ارساء العلمنة وتكريسها ضرورة وجودية لأنها الوحيدة التي تحفظ حقوق كل اللبنانيين ومصيرهم وتحول دون استيراد موجات العنف والكراهية المذهبية الى بلد لا يمكن أن يعيش إلا بتآلف وتوافق أبنائه.
أما التوصيات التي صدرت عن المشاركين في ورشة العمل فهي:
اعادة الاعتبار الى دور الدولة بما يكفل تطبيق دستورها وتصحيح الخلل في عمل مؤسساتها. التأكيد على ترسيخ القيم الانسانية المشتركة في المجتمع. تصويب المفاهيم المجتمعية بما يكفل تأكيد حرية الفرد بالاعتقاد الديني، وواجباته والاسهام في تعزيز القيم المؤسسة لحياة مشتركة ضمن فضاء المواطنة. تنزيه الدين عن الاستغلال السياسي الضيق بما يزيل الحواجز بين مختلف الطوائف. ادراج مادة تاريخ الأديان في المناهج التربوية اللبنانية بهدف إبراز القيم المشتركة في ما بينها وترسيخها لدى الناشئة. العمل على ايجاد خطاب وطني جامع لإجهاض الخطاب الطائفي المذهبي المهدد لكيان المجتمع. دعم الحركات المدنية وتوحيد جهودها. دعوة وسائل الاعلام الى دعم هذه التوصيات وكل المشاريع الوطنية الأخرى الهادفة الى إقامة الدولة المدنية، وتحفيزها على التسويق لها باعتبارها قضية وطنية.